بيروت | Clouds 28.7 c

من اوراق حسن صبرا: راهبة وشيخ في رحلة افريقية

 

من اوراق حسن صبرا 
راهبة وشيخ في رحلة افريقية 
الشراع 26 شباط 2023


كنت في جولة افريقية عام 1986 شملت اربع بلدان فيها هي الزائير ( الكونغو سابقاً ولاحقاً ) في عهد موبوتو ،وبرازافيل ( الكونغو الديمقراطية) وساحل العاج وليبيريا … وكنت فيها ضيفاً في كل بلد على اصدقاء ، منهم قريبي على محمد امين صبرا ( رحمه الله ) في كينشاسا ، وضيفاً على الصديق محسن حجيج في برازافيل ،وضيفاً على الصديق نجيب زهر ( رحمه الله ) في ساحل العاج وضيفاً على السيد حسين ابو الحسن ايضاً ..وفي ليبيريا ضيفاً على الحبيب معروف منصور حفظه الله ورحم والده الحاج ابو معروف المتوفي منذ اسبوع تماماً . 
في برازافيل حدثني الصديق محسن حجيج عن مشروعه لبناء مسجد في العاصمة يستوعب آلاف المصلين . ودعاني للمشاركة في صلاة الجمعة في مسجدها القائم يومها ، فتوجهت ظهر الجمعة لأداء صلاتها ، فإذا به مكتظاً عن آخره  والخطيب الافريقي يلقي كلمة مكتوبة   ، بلكنة غير عربية .. فاضطررت للوقوف عند جداره قرب الباب الخارجي ، وظهري الى الحائط ، واديت الصلاة واقفاً فما استطعت الركوع ولا السجود ، . وما ان انتهت الصلاة وهممت بدخول المسجد لأسلم على الخطيب ، واتفقد المسجد شبه الخشبي ، حتى فوجئت بافواج من المتسولين ، البنات منهم يضعن قطع خشب او كرتون على رؤوسهن مكان اغطية الرؤوس ، وثيابهن شبه فاضحة  .. تجاوزت المتسولين شباباً وفتيات وتوجهت الى الخطيب لأبادره التحية بالقول : السلام عليكم ورحمة الله ، فرد التحية : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
قلت له : هل يمكن ان احتفظ بالكلمة التي كنت تقرأها ؟ ففاجأني برده بالفرنسية كوا ، اي ماذا ؟
عند هذه اللحظة حياني شاب افريقي بلغة عربية واضحة : اهلاً وسهلاً استاذ ، الشيخ لا يتقن اللغة العربية ، فدهشت من قوله ، فتابع شرحه قائلاً : هذا الشيخ سنغالي وهو تابع الطريقة التيجانية وانا اسمي ابراهيم التيجاني وانا حفيد حفيد التيجاني الكبير في السنغال ، ونحن ندين بإسلامنا للشيخ السنوسي الكبير .. وما هي قصة هذا الشيخ الخطيب الذي لا يتقن العربية وكيف يقرأ الخطبة ؟ فرد التيجاني الشاب مبتسماً :
انه يحفظ كلماتها مصورة ويربط الصورة بالنطق فيقول ما يشاهده ولا يقرأه .. وتابع مفاجأته قائلاً : هذه الخطبة متوارثة ربما من اليه !! 
عدت الى منزل الصديق محسن حجيج ابو علي ، واثناء تناولنا الطعام شرحت ما حصل معي فقال لي الرجل وهو محسن كبير :
يا استاذ حسن : انا طلبت منك ان ترى هذا المسجد لأطلعك على حاله ، واطلب منك ان ترسل لنا اماماً لمسجد كبير سأبنيه مكان هذا الذي صليت فيه واقفاً .. وانا اعلن ان المشايخ تزدحم بهم طرقات الضاحية ، ويتفركشون ببعض هناك !! ارسل لي شيخاً وأنا اتكفل به وبعائلته ، واقدم له منزلاً وسيارة وتذكرة سفر الى بيروت او المغرب مرتان في السنة وثلاثة آلاف دولار في الشهر . 

 

  • راهبة غابة في ليبيريا 


في رحلتي الى ليبيريا كنت ضيف الصديق معروف منصور ، والتقيت بعد ظهر جمعة الصديق القديم عباس فواز في مكتبه . ليخبرني انه يتوجه غداً السبت الى الغابة وسنلتقي ثاانية صباح الاثنين .  فقلت له : ابا الفضل ولماذا الاثنين ، وانا اريد الذهاب معك الى الغابة ، هل يمكن أن آتي الى افريقيا ولا ادخل اي من غاباتها ؟ 
   توجهت صباح السبت مع فواز الى الغابة ، وله وشقيقه قاسم ابو وسام مشروعاً ضخماً بشق طريق عريض بطًل اكثر من مئة كلم والحصول على خشب الاشجار التي يتم قطعها وسفلتة الشوارع فيها وتوفير كل الخدمات اللازمة ، وتهئئة الخشب لتصديره ودفع نسبة من سعره للدولة اللببيرية..


  اثناء رحلتنا وسط الشارع العريض في الغابة ، لمحنا راهبة بملابس بيضاء تحمل ولداً وتجر آخر ، اقتربت السيارة منها ،ليطلب فواز منها ان يوصلها الى مقصدها ، ففاجأنا بأنها تسكن في الغابة 
كان العرق يتصبب من جبينها ، وهي تبدو متعبة ، فسألها ابو الفضل : وهل تسكتين في الغابة ؟ اجابته :نعم ، وهنا كنيستي ومدرستي ومستوصف لخدمة اهل المنطقة فيدالغابة حولي … شكرتنا وسط دهشتي وعباس ، وتابعنا قطع ما تبقى من مسافة للوصول الى حيث يصل مشروع قطع الاشجار


قلت لعباس ؛ تخيل يا ابو فضل ان هذه الراهبة البيضاء جاءت من اميركا لتبشر في غابة افريقية ، وانت رأيت منظرها متعبة يزخها العرق وهي تحمل طقلاً افريقيا
وتمسك بيد طفل آخر ، من دون اي اجر ، وقد اقامت كنيسة ومدرسة ومستوصفاً في الغابة ، وهي تسكن فيها … ثم رويت له ما طلبه مني محسن حجيج بالتفصيل … فرد عباس متحسراً:

استاذ حسن هناك فرق كبير بين التجارة وبين البشارة ..


الشراع

 

يرجى الضغط أدناه لقراءة مواضيع اخرى متعلقة: