بيروت | Clouds 28.7 c

من اوراق حسن صبرا / يوم محاولة اغتيالي في 14 ايلول سبتمبر - 1987

 

من اوراق حسن صبرا / يوم محاولة اغتيالي في 14 ايلول سبتمبر - 1987
الشراع 14 ايلول 2022


جرت المحاولة في الساعة العاشرة من صباح الاثنين في 14/9/1987 ، 
و
 بعد ظهر الجمعة في 11/9/1987 ، وفي منزلي عند كورنيش المزرعة 
- جادة صائب سلام ، كنت في قيلولة ،فشاهدت في منامي انني كنت في مكتبي في الشراع في المصيطبة ، وانني سمعت جلبة عند مدخل الطابق الثالث ، حيث المكتب ، توجهت الى الباب الرئيس ، نظرت من العين السحرية ، لأجد شباباً يخرجون من المصعد ، وفي يد  كل منهم مسدساً... واندفعوا نحو باب الطابق الثالث المقفل ، يدفعونه بعنف حتى رضخ لإندفاعهم ، فصارت الدنيا كلها ظلام دامس ، وادركت انني مقتول لا محالة ، لكن نور شمعة لفتني في زاوية بعيدة ، لاستيقظ على قرع ابواب ظننتها في الحلم - الكابوس، فإذا هي زوجي سميرة تناديني ، كي استيقظ استعداداً لاستقبال اقرباء لنا على موعد في منزلنا..

 


واخبرتني والدتي رحمها الله بعد المحاولة ، انها كانت تدعو الله كل ليلة ، وهي تتقلب في الفراش ان يحميني ، لكنها ليلة محاولة قتلي سمعت صوتها يقول:

 

الله ينجيك يا حسن ، ففزعت من نومها ، وراحت تطلب الغفران والدموع تنساب  على وجنتيها..

 


صباح المحاولة توجهت بسيارتي ، التي يقودها الشاب الحبيب  محمد غندورة ( توفي منذ عدة سنوات رحمه الله ) من منزلي عند جادة صائب سلام ،الى مكتبي..

 

وكان ابني احمد وله من العمر خمس سنوات وتسعة اشهر ، جالساً على ركبتي وانا الى جانب محمد غندورة..

 

وكانت ابنتي نسرين، في التاسعة من عمرها ، في المقعد الخلفي من السيارة...

 

  كنت اصطحب ولدي  يومياً،  الى منزل اهلي مقابل مكاتب الشراع ،في شارع داوود ابو شقرا في المصيطبة.. واعيدهما معي بعد الظهر ، اثناء العطلة الصيفية.

 


قبل وصولنا الى المكتب ، وعلى بعد نحو 350 متر ، واجهتنا زحمة سير خانقة ، الزمت السيارة التوقف ، وكنت استمع الى صوت هاني شاكر من تسجيل السيارة يغني " الحب مالوش كبير" وامام الزحمة ملت كي اخفض صوت التسجيل..

 

فإذا بي اتلقى رصاصة في صدغي الايمن قرب اذني ، وكان اول عمل قمت به هو انني شددت على كتف ابني احمد الصغير لأبعاده عن الرصاص في حركة عفوية ، لاستمع الى صوت رصاصة عبرت رقبتي ، وفي اعشار الثانية ، شعرت انني اموت ، فرحت اقرأ سورة  الفاتحة ، في سري وانا في حالة غضب شديد لشعوري بأن اعدائي نالوا مني…

 

وما اعادني الى الشعور بأنني ما زلت حياً ، الا حجم الالم الذي شعرت به ، بأكثر من الغضب ، عندها صار ندائي ، بصوت مرتفع:

 

يا الله ، يا الله اقوى من الالم واقوى من الغضب..

 


وما حصل بعد ذلك سمعته من محمد ومن اخي عيسى ومن والدتي الحاجة ام علي رحمها الله..

 


  قال لي محمد غندورة: انه شاهد مطلق النار ، وهو شاب كان يركب دراجة نارية ، خلف السائق سبقتنا الى الزحمة التي الزمته الوقوف ، وان هذا الشاب نزل من دراجة زميله وبسرعة البرق اطلق الرصاصة الاولى على وجهي ، وكانت من مسدس كاتم للصوت ، فشاهد الدم ينفجر من وجهي ، وقبل ان يسارع محمد ، الذي ادرك انها عملية اغتيال ، لسحب رشاش كان  يخبؤه تحت مقعده ، وطبعاً من دون علمي ، لأنني كنت وما زلت ضد ان أحمل ، او يحمل احد معي ولو عود كبريت، كانت الرصاصة الثانية من المجرم المجهول قد انطلقت ، انما بصوت مسموع بعد ان تعطل كاتم الصوت في مسدسه (هذه المعلومة سمعتها من الوزير يومها نبيه بري الذي عادني في مستشفى الجامعة الاميركية ، التي نقلت اليها ) 

 


سحب محمد غندورة الرشاش ،واطلق منه النار على المجرم( وسائق السيارة) ، الذي وجه مسدسه نحو السيارة وهو على متن الدراجة الهاربة،

 

فاصاب ابنتي نسرين التي كانت تبكي مفزوعة من منظر الدماء تتفجر من وجهي ورقبتي..

 


عرفت من والدتي ، التي كانت تنشر الغسيل على شرفة منزل الاهل،  في الطابق الخامس:

 

انها سمعت اطلاق نار عن بعد فقالت على التو:

 

قتلوا حسن ، يا شحاري قتلوا حسن ، سمع والدي كلام والدتي فصرخ في وجهها:

حاجي تفاولي على الصبي ، لكن ام علي تركت كل شيء وهرعت الى الباب تفتحه وتنزل درجاته فخرجت جارتها ام ناجي تستوضح سبب صراخها ، فوضعت على كتفي والدتي ما يستر ثياب البيت ، واعطتها ما ترتديه في قدميها ، 
لتنزل الى الشراع فتجد ان الشباب عاجلوا الى نقلي الى مستشفى الترك في الشارع الذي يسبق شارع الشراع من ناحية الحدث ،
في مستشفى الترك تم حملي الى الطوارىء فقال مسؤول الطوارىء ، ان حالته خطرة ، خذوه الى مستشفى الجامعة الاميركية..

 


في هذا الوقت كانت ابنتي نسرين تبكي على رصيف المستشفى وثيابها غارقة بالدم ، ومن سخرية القدر ان الشباب ظنوا ان الدم على ثياب نسرين هو من تفجر دمي نتيجة الاصابة ، فإذا بها تصرخ باكية:

 

انا مصابة ، هناك رصاصة في بطني ، فنقلوها الى مستشفى الجامعة بعدي وبسرعة

 


وانا في طريقي مع محمد غندورة الى المستشفى كنت افتح عيني مع التواء رأسي لأجد نفسي ممدداً على المقعد الخلفي ، والسماء زرقاء واخي  عيسى يجلس قرب محمد ، وانا اردد:

 

يا الله ، يا الله ،

 

واسمع اخي عيسى يشجعني:  قل دائما يا الله ، 
عند باب مستشفى الجامعة الاميركية وانا ممدد على ناقلة مرضى ، سمعت من يناديني: حسن ، حسن ، فأفتح عيني لأرى د

ماجد ابراهيم يسألني : حسن عرفتني؟

 

فأجيبه : اكيد د ماجد ابراهيم ،

 

فصرخ الحكيم فرحاً : عظيم عظيم على طول الى غرفة العمليات 

 


وما صحوت إلا في اليوم التالي ، ليتوافد المئات الى غرفة العناية الفائقة ، للاطمئنان ، وأنفي ورقبتي وفمي مزروع بالأنابيب ، عاجزاً عن ابعد من النظر ثم العودة الى النوم..

 


في اليوم التالي وربما ظهراً،  كان من زواري د نبيل الراعي قادماً من صيدا ، في هذه اللحظة دخل شاب يرتدي جلباب المستشفى الاخضر ، بذقن خفيفة ، ( احسبه الآن انه هو الذي اطلق النار علي ربما) كانت يده اليمنى في جيب جلبابه ، كنت انظر اليه ولا ازيح عيني عنه ، فبدا انه مرتبك ، وانا لا ادعي معرفة بما يريد ، ولا اعلم الا انه من طاقم ممرضي المستشفى ، خرج من دون ان يفعل اي امر ، ومن دون ان يرفع يده اليمنى من جيب ثوبه
فيما بعد اخبرت  المرحوم علي  عواضه (ابو حسين .. الذي اغتاله المجرمون في خريف 1988)بالامر ، فسأل شقيقة زوجه وكانت ممرضة مفروزة للبقاء معي ، منذ نقلي الى العناية المركزة..

 

هل عرفت من هو هذا الشاب الذي دخل الى العناية، ويتحدث عنه الاستاذ حسن؟

 

فنفت ذلك واضافت : كانت هذه اول مرة اشاهده ، فصرخ ابو حسين رحمه الله : يا بنت عمي هذا مجرم جايي يتأكد من حالة الاستاذ حسن ، واكيد جايي يخلص عليه بالمستشفى!!

 


خرجت من العناية المركزة الى جناح في الطابق العاشر من المستشفى ، وفرض الرجل النبيل العميد السوري اياد المحمود حراسة مشددة على باب الجناح من فصيلة امن الدولة،  التي كان يقودها في بيروت ، طيلة مكوثي في المستشفى 

 


بعد ظهر الاربعاء ، عادني د غطاس خوري فسأل زوجي سميرة الى جانبي:

 

كيف حال البنت؟

 

دهشت من سؤاله فسألته : اي بنت؟

 

فتدخلت سميرة لتقول لي مطمئنة لي:

 

الحمد لله نسرين بخير ، اصابتها طفيفة ، وهي هنا في المستشفى ، فصممت على رؤيتها ، وبالفعل جاءت نسرين تجر انبوب المصل معها ، وقد علمت ان د غطاس هو الذي اجرى لنسرين عملية في معدتها ، عندها صممت على معرفة وضع احمد  ، فطلبوا احمد على هاتف منزل الاهل حيث كان يقيم طيلة الوقت ، لأسمع صوته فيهدأ بالي!

 


اختصر لأكتب ان الله اراد لي الحياة بعد هذه الاصابة ، وقد سمعت من الطبيبين الصديقين:

 

د عادل عالية ( رحمه الله ) قوله:

 

حسن لا تسمح لأي طبيب ان يربحك جميلاً ، فالطب لم يفعل لك شيئًا ، انها ارادة الله.. يا حسن لو ان شعرة مرت بين طرف من رقبتك الى طرف آخر لسببت لك شللاً او موتاً سريعاً ، فكيف تمر رصاصة من طرف الى آخر من رقبتك وتبقى على قيد الحياة وطبيعياً؟

 


والامر نفسه سمعته من الصديق د نبيل الراعي رعاه الله ..

 


اما المعجزة فهي ما تحدث لي عنه د ماجد ابراهيم( طبيب انف واذن وحنجرة )  عندما زرته مع زوجي سميرة ، شاكياً من آلام في جهة وجهي اليسرى ، كأن دبابيس تنخر فمي من الداخل..

 


قال لي د ماجد ابراهيم: تفضل لأفحصك ، فربما حصلت معك معجزة جديدة، وقد اصبحت ابو المعجزات!

 


اجرى دابراهيم فحصاً وهو يقول لي:

 

من حسن حظك يا حسن ان اجهزة الفحص هذه وصلتني حديثاً من اميركا … وبينما هو يسلط ضوءا. داخل فمي، كاد يصرخ وهو يقول : يا الله شيء مش طبيعي !!

 


حسن :

انت الرصاصة التي دخلت فمك من خدك وخرجت من تحت رقبتك مزقت ستة اوتار في وجهك .. لذا حصل الإلتواء في الجهة اليسرى من وجهك ..

اتعلم ما الذي حصل؟

 

يا الله انا لا اصدق ، انت على ابواب الاربعين من عمرك ، وها هي الاوتار المقطوعة تعود الى النمو من جديد … مكرراً قوله : انت ابو المعجزات ، سأكتب حالتك هذه وسأرسلها الى جامعتي في اميركا والى اساتذتي .

 


واختم بما ما زال يرافقني حتى الآن ، بعد 35 سنة من محاولة الاغتيال ، وهو انني كلما حاولت مضغ اي امر،  على جهة فمي الايسر ، اشعر بألم شديد، كأنني اضع ملحاً على جرح ، فأسارع الى نقل ما امضغه الى الجانب الايمن …

 

وكلما كان احدا يطلب مني علاج هذه الحالة كنت وما زلت اردد : اريد ان اقول لنفسي في كل مرة انها ارادة الله يا حسن ، فتذكر فضله عليك ، واردد الآية الكريمة: وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها "

 


الامر الثاني هو ان الاطباء في مستشفى الجامعة الاميركية عرضوا صورة لثغرة في طبلة اذني اليمنى نتيجة الرصاصة التي اصابت صدغي الايمن ،  ثم مع الوقت التأمت الثغرة ، من دون الحاجة الى اي عملية ، كما قال اطباء ، بعضهم كان اجنبياً  قادماً من الخارج 

 


الامر الآخر:

 

ان صوراً قدمها لي اطباء لفكي الايسر ، تظهر كسرا عرضه عدة ملمترات ، وأن الامر يحتاج عملية جراحية ، لكن هذا الكسر التأم مع الوقت ، وعاد خدي الايسر الى طبيعته بشكل شبه كامل ..

 


بعد الاصابة قدمت لي عروض من رجال وسيدات كبار ، لعلاجي في الخارج ، منها من الامير تركي بن عبد العزيز  رحمه الله والأمير طلال  بن عبد العزيز رحمه الله، ومن الصديق علي حجازي رحمه الله ، ومن السيدة الفاضلة سعاد الصباح حفظها الله .

لكن رحمة الله وحفظه لي ورعايته لي وفرت لي ما كان المحبون  مشكورون ،يريدونه لي بالعلاج في اي مكان 
ولا انسى ما ردده على مسامعي نقيب الصحافة الحبيب الراحل محمد بعلبكي ، اثناء عيادته لي في المستشفى بعد الاصابة " باسم الله الرحمان الرحيم ٠ والله خير حافظاً وهو ارحم الراحمين " 


صدق الله العظيم 


يرجى الضغط أدناه لقراءة مواضيع اخرى متعلقة: