بيروت | Clouds 28.7 c

من اوراق حسن صبرا / ماذا فعلت حين استقال جمال عبد الناصر في 10حزيران 67؟

 

من اوراق حسن صبرا 
ماذا فعلت حين استقال جمال عبد الناصر في 10حزيران 67؟ 
الشراع 8 حزيران 2022


كنت مجموعات عديدة من الشباب اللبناني الذين نجهز انفسنا لامتحانات الثانوية العامة المصرية في القاهرة والاسكندرية هرباً من امتحانات البكالوريا القسم الثاني الصعبة جداً على الطلاب المسلمين الذين يستعصى عليهم النجاح بالمواد التي تعتمد اللغة الفرنسية... وكان بعض الشباب المسلم في لبنان يلجأ  الى التوجيهية المصرية او الموحدة السورية..


وكنا كمعظم شباب العرب من المحيط الى الخليج ناصريين ومزهويين بقرب تحرير فلسطين بعد ان زحف الجيش المصري الى سيناء وفي اسماعنا وعلى السنتنا اغنية ام كلثوم التي لحنها رياض السنباطي:

راجعين بقوة السلاح .. راجعين نحرر الحما 
راجعين كما رجع الصباح 
من بعد ليلة مظلمة 


كنت مع بعض الزملاء متوجهين الى السفارة اللبنانية عند كورنيش النيل في الجيزة عندما انطلقت اصوات المدفعية المضادة للطائرات في الثامنة من صباح الاثنين في 5يونيو حزيران 1967..


 كان هدفنا من التوجه الى السفارة اللبنانية هو تمديد مهمة جوازات البعض وقد استقبلنا القائم بالاعمال الدبلوماسي والمفكر العلامة مصطفى الرافعي في حديقة السفارة ( التي خسرتها الحكومة اللبنانية ) وختم انا جوازاتنا ونحن معه في الحديقة والمدفعية تطلق حممها والدكتور الرافعي رحمه الله ببدلته الغامقة يردد:

الله يستر الله يستر 


عدنا الى منطقة الدقي حيث نسكن وكانت بالقرب من مكان سكننا مجموعات طلاب لبنانيين اخرين تضم العشرات فتنادينا لعمل واجبنا دفاعاً عن مصر التي تحضننا ، وكان القرار هو التطوع للقتال دفاعاً عن مصر في مواجهة العدوان الصهيوني 
توجهنا الى نادي الصيد المصري في الدقي وكنا تجاوزنا الخمسين طالب ، نطالب بالتدريب للتوجه الى جبهات القتال وقد ابلغنا العقيد المصري هناك اننا نريد القتال على الجبهة في سيناء ولن نرضى ان نبقى في القاهرة لحراسة الكباري والمؤسسات الرسمية..


استمر تدريبنا وبملابسنا المدنية واحذيتنا غير العسكرية حتى يوم الجمعة في التاسع من يونيو حزيران ،، وكانت الاخبار تترى عن انسحاب القوات المصرية غربي قناة السويس وسادت بيننا بلبلة واسئلة:

 ماذا يعني انسحاب الجيش المصري من سيناء ؟


دخلنا نادي الصيد حيث كنا نتدرب فوجدنا العقيد المصري يطلب منا الجلوس ارضاً ثم يعلن لنا اننا دخلنا مرحلة جديدة في الحرب ليطالبنا وبحدة شديدة ان نتوجه الى السفارة السوفياتية في القاهرة لنطربقها على رؤوس اصحابها ولاد الكلب خدعونا وسابونا" … ليختم حديثه قائلاً لنا:

الساعة السابعة الريس ويقصد جمال عبد الناصر حيتكلم حنشوف حيقول ايه وبعد كده حتعرف حنعمل ايه ؟


على الساعة السادسةمساء كنت واعدت فتاة اسمها نوال على اللقاء في كازينو قصر النيل فتوجهنا سوية الى المقهى الجميل وكان شبه فارغ ولكني بدأت اسمع طلقات مدفعية من جديد بعد ان اختفت ايام قليلة فخرجنا لاوصلها الى منزلها في العباسية وبعد ان ودعتها عاد بي سائق التاكسي الى منزلي في الدقي لأسأله والمدفعية شغالة: الريس خطب فرد بصوت خفيض: ايوه ، سألته ثانية ، قال ايه ؟ فرد بطريقته: ده ما قلش حاجة !! اوصلني الدقي والمدفعية تلعلع وفي الظن انها تتصدى لغارات إسرائيل الجوية... التقيت صديقي خليل صفا.. والجموع تتوافد من كل الازقة والنواحي والهتاف الذي رسخ في اذاننا: لن تتنحى لن تتنحى ، مرت امامنا وخليل صبية تحضن على خاصرتها ابنتها وهي تصرخ لا لا يا جمال ماتسيبناش ما تسيبناش انت ابونا انت اخونا ..

تجاوزتنا وهي تهتف وتبكي ثم عادت الينا لتصرخ في وجهنا:

انتو ايه؟ انتو ما عندكوش دم ؟ الريس استقال وانتو واقفين كده ؟ مشينا خلفها والجموع تترى من كل صوب ، دخلنا شارع الجوهرة في الدقي توجهنا ناحية دكان العم محمد ونزلنا عدة درجات عند المكوجي عمي سيد والمذياع يعيد خطاب جمال وهو يعلن قراره بالاستقالة والعودة الى صفوف الجماهير 


اطارت كلمات جمال ذهولنا بعد ان فرضت مظاهرات الاهالي وكلمات الصبية ايقاعاً غير مسبوق في حياتنا فنحن جيل عاصر انتصارات جمال وغنينا له مع معشوقنا عبد الحليم يا جمال يا حبيب الملايين وصورة صورة صورةُ واحنا الشعب ويا اهلاً بالمعارك ورددنا مع عبد الوهاب : وطني حبيبي الوطن الاكبر ودقت ساعةالعمل الثوري  وغنينا مع ام كلثوم يا جمال يا مثال الوطنية وثوار مع البطل اللي جابو القدر..


وكنا نتابع يوماً بيوم بناء الاهرامات الاقتصادية في عصر جمال والانجازات التي ما بدأت مع السد العالي ولا تأميم القناة وإقامةً الجمهورية العربية المتحدة ونجدة ثورات اليمن والعراق وفي القلب دائمآ فلسطين والجزائر وما توقفت عند مصانع الحديد والصلب ومصانع البتروكيماويات وتحرير معظم بلدان افريقيا وتأسيس القوة الثالثة في العالم باسم منظمة دول عدم الانحياز ومنظمة الافرواسيوي ليصبح اسم جمال عبد الناصر عالمياً على مستوى شارل ديغول ونهرو وجوزيف بروز تيتو وكاسترو و غيفارا..


كنا نردد مع ام كلثوم:

بسنا السما وياه ودسنا الخطر … كل هذا خطر ببالي وانا سائر كالمندوه خلف رجال  تبكي ونساء ينتحبن وهن يرددن : لن تتنحى لن تتنحى … صارت زرافات الأحياء جموعاً خرجت من الدقي نحو شارع التحرير والدنيا الحارة زادتها الحالة ظلاماً فوق العتمة فالقاهرة كانت ما زالت ملتزمة اطفاء الانوار ليلاً وزجاج المنازل طليت باللون النيلي ووجهتنا مع الجموع نحو مجلس الشعب في منطقة القصر العيني على الطرف الآخر من الغاردن سيتي … حي السفارات الغربية وعند مجلس الشعب توحدت الشعارات وما زلت احفظ منها : ارفض ارفض يا زكريا .. عبد الناصر مية المية ( وكان جمال كلف زميله السابق في مجلس قيادة الثورة ورئيس الوزراء السابق زكريا محي الدين ان يتولى رئاسة الجمهورية بعد تنحيه كما ورد في الخطاب ) … وهتفنا : انور انور يا سادات احنا اخترنا جمال بالذات ( كان انور السادات يومها رئيساً لمجلس الشعب المصري ) وهتفنا : يا جمال ما تسيبناش احنا من غيرك منسواش …
عند مجلس الشعب ووسط الحشود الغاضبة شعرت بالخوف لأول مرة عندما كنت ارفع يدي اثناء الهتاف ولا استطيع ان اعيدها الى جنبي لكثرة الزحام الذي كان يفرض تمايل الاجساد على بعضها واسمع الانين والنحيب والبكاء والاصرار على البقاء في المكان الذي يختنق بمن فيه .. الى ان اتت النجدة وسط الصراخ من منادي قريب مني يهتف : يلا نروح بيت الريس … فك كلام المنادي الحصار عنا جميعاً ليبدأ ما هو اخطر وهو التدافع الجماهيري الغاضب نحو منشية البكري حيث منزل الريس والذي يبعد عدة كلمترات عن مجلس الشعب … ومن هو ذا الذي يملك في تلك اللحظة تقرير وضعه في التعب وفي المسافات وفي الحالة النفسية والغضب والعرق المسال والحناجر المقبلة على الشح ؟ لست ادري كم الكلمترات التي قطعتها قبل ان يواجهنا سد بشري ما كان واقفاً وقد افترشت عناصره البشرية الارض من ميدان العباسية الى ما لانملك معرفة الا انها الطريق الى منشية البكري وكان مستحيلاً عبور هذا الحشد الشعبي الذي قرر المبيت في الشوارع المؤدية الى منزل جمال الى ان يتراجع عن استقالته … لحظات انتظار قررت بعدها العودة الى منزلي كلمترات اخرى فوصلت منزلي في شارع مأمورية الاوقاف في الساعة الثالثة فجراً لتستلقي على سريري بثيابي وحذائي في قدمي الى ان بدأت هتافات الشباب من الشوارع تتسلل الى اذني فنهضت متثاقلاً لارتب وضعي من كل النواحي قبل النزول مع الاصدقاء الى الشارع ومباشرة نحو مجلس الشعب حيث كان يجب ان يصدر الموقف الرافض لاستقالة ألرئيس .. مرة اخرى وبعد عبور مئات الالاف كوبري قصر النيل وقفنا عند فندق سميراميس الشهير حيث تعذر علينا المتابعة بسبب الحشود التي جاءت من كل انحاء القاهرة والاقاليم … توالت الهتافات والغضب يرافقها واللازمة الثابتة هي:

انور انور يا سادات احنا اخترنا جمال بالذات … لم نشعر بكميات العرق تنهمر و شمس يونيو في الظهيرة تلسعنا والمكان يضيق بعد اتساع والصدور تغلي حتى سرى بين الجموع ان السادات سيتلو في الساعة الواحدة بياناً يعلن فيه استجابة جمال لدعوة الجماهير له بالبقاء في مكانه حتى تحرير الارض 


عدت مع الاصدقاء الى المنزل فرادى بعد ان تفرقت بنا السبل بسبب الزحام 


وكان اول امر اقدمت عليه في المنزل هو وضع رأسي تحت صنبور الماء لأزيل أثار الشمس لدقائق في انتظار خطاب السادات حتى اعلن فيه عودة عبد الناصر عن استقالته … هنا بدأت احتفالاتنا على طريقتنا صراخاً واحتضاناً لبعض وقبلات على الوجنات … عاد جمال عاد حبيب الملايين 
انه يوم العاشر من يونيو 1967 في الساعة الواحدة بعد الظهر .. مرة اخرى ودائماً يا جمال يا حبيب الملايين 


الشراع

يرجى الضغط أدناه لقراءة مواضيع اخرى متعلقة:

من أوراق حسن صبرا- هل مات حافظ الأسد سنيًّا؟

من اوراق حسن صبرا / عندما قال رابين لن آكل القمر الدين في سوق الحميدية!

من اوراق حسن صبرا / اين دفن بشار الاسد شيخه البوطي؟

من اوراق حسن صبرا / ياسر عرفات في ذكراه

من اوراق حسن صبرا/ عشاء مع القذافي

من اوراق حسن صبرا / عندما قلت لرفيق الحريري لبنان لا يتحمل جمال عبد الناصر !!

من اوراق حسن صبرا / وساطتي بين العقيد القذافي والامام الخميني

من اوراق حسن صبرا/ ما الذي قاله طارق عزيز بعد انتهاء الحرب العراقية - الايرانية؟

من اوراق حسن صبرا / حافظ الاسد اكد تورط جميل السيد بتفجير سيدة النجاة !

من اوراق حسن صبرا / وقائع مع كمال جنبلاط ارويها في ذكرى اغتياله الـ 44

من اوراق حسن صبرا / اسبوعان في ضيافة مسعود البرازاني

من اوراق حسن صبرا - ما لم يقله عبد الحليم خدام

من اوراق حسن صبرا مالم يقله عبد الحليم خدام ( الحلقة 2) عن مجزرة ثكنة فتح الله وما سبقها

من اوراق حسن صبرا / عندما قال رفيق الحريري ان اميل لحود هو افضل من يكون رئيس جمهورية

من اوراق حسن صبرا / بين رفيق الحريري واميل لحود

من اوراق حسن صبرا / بين صدام حسين وياسر عرفات

من اوراق حسن صبرا / هذا ما سمعته من عبد الحليم خدام عن حافظ الاسد..

من اوراق حسن صبرا / الامام الخميني من النجف الى "نوفل لو شاتو"

من اوراق حسن صبرا / كشفت لأحمد بن بله سر التنظيم الطليعي

من اوراق حسن صبرا / في مجلس الشيخ العروبي الوطني عبد الحميد الحر - مجلة الشراع 18 آب 2021

من اوراق حسن صبرا / هكذا قدم مصطفى الترك عمرحرب للشيخ منتظري - مجلة الشراع 31 آب 2021

من اوراق حسن صبرا / الملك سلمان بن عبد العزيز ناصري قديم - مجلة الشراع 4 أيلول 2021

من اوراق حسن صبرا / الملك عبدالله بن عبد العزيز ابلغني ما قاله لاولبرايت قبل غزو العراق - مجلة الشراع 13 أيلول 2021

من اوراق حسن صبرا / المقاومة بين جورج حاوي وعمر حرب - مجلة الشراع 17 أيلول 2021

من اوراق حسن صبرا - حوارات مع مصريين لا يعرفون جمال عبد الناصر - مجلة الشراع 30 أيلول 2021

من اوراق حسن صبرا / تحدثت ضد حرب اليمن من السعودية / مجلة الشراع 1 تشرين ثاني 2021

من اوراق حسن صبرا / يا يوم مقتل رينيه معوض - مجلة الشراع 22 تشرين ثاني 2021

من اوراق حسن صبرا / منتظري يرفض طالباني - مجلة الشراع 7 كانون اول 2021

من اوراق حسن صبرا / قال لي رفيق الحريري: انا لا استطيع ان اضع حافظ الاسد في ظهري / الشراع 5 كانون ثاني 2022

من اوراق حسن صبرا/ هذا ما سمعته من رفيق الحريري عن فؤاد السنيورة الشراع 12 كانون ثاني 2022

من اوراق حسن صبرا رفضت جائزة مصطفى امين عام 1986 / الشراع 3 شباط 2022

من اوراق حسن صبرا: الشراع على طاولة حسني مبارك الشراع 18 شباط 2022

من اوراق حسن صبرا / عن مانديلا نتحدث - الشراع 25 آذار 2022

من اوراق حسن صبرا / نحدثكم عن الجيش اللبناني - الشراع 24 نيسان 2022

من اوراق حسن صبرا / عن طريق الجنوب ورندى بري - الشراع 6 أيّار 2022

من اوراق حسن صبرا نصيحتان من المفتي المظلوم الشيخ حسن خالد عام 1985.. / الشراع 13 أيّار 2022