الأميرة منى الصلح للشراع: الانجليز استخدموا القوميين السوريين لقتل والدي !! / اجرت الحوار: ماجدة صبرا
الشراع 10 اذار 2025
في هذا العدد الخاص بمناسبة يوم المرأة العالمي ( 8 آذار 2000) اجرت الزميلة ماجدة رحمها الله حواراً مميزاً مع ابنة رياض الصلح ، السيدة منى التي رحلت عن دنيانا منذ عدة اشهر .
-خفيفة الظل ابتسامتها تسبق كلمتها، متوقدة الذهن حاضرة الذاكرة ،وكأن ما حصل منذ 50 سنة حصل البارحة. ( هذا الحوار جرى قبل ربع قرن )
هي الاميرة منى ابنة الزعيم اللبناني الراحل رياض الصلح ،رئيس وزراء لبنان واحد رجال الاستقلال.
وهي ام الامير الوليد بن طلال، الذي يتحرك فيه الدم اللبناني ،كلما رأى وطن والدته وجده الزعيم يشكو من ضربات العدو الاسرائيلي ،الذي يدمر بنيته التحتية واهمها الكهرباء ،فيسارع الى المساعدة بإعادة البناء.
في جلسه قفز فيها الوقت مبكرا عن موعده، وساعات مرت كدقائق ،نعمنا بها وانسنا بحضور الأميرة التي عادت بالذاكرة الى الايام الاولى في هذا المنزل قصر رياض الصلح ،الذي ساعدت زوجه السيدة فريال الجابري في بنائه. فالسياسة افرغت جيوبه، لأنه كما قالت ابنته افرغ ما في جيوبه لمصلحة الوطن، بينما العرف السائد اليوم ان يفرغ السياسيون الوطن في جيوبهم.
الاخوات الخمس ( علياء ولمياء ومنى وبهيجة وليلى ) زدن على هذا الصرح الذي امتدت مساحته واكتست غرفه اثاثا جميلا، يوحي بالدفء وعمق الزمن الجميل والملك عبد العزيز ساعد في توسيعه قبل ان يكون هناك علاقة نسب او مصاهرة ،لحبه واعجابه بالزعيم الصلح.
اقول لها وسط ضيافتها المميزة:
• تمر ذكريات الطفولة كسحب عابرة لا نستطيع الامساك بها ،الا ما علق بالذاكرة رغما عنا من خيبات وافراح ..كيف كانت هذه الطفولة واين كانت النشأة الاولى؟
٠كانت طفولة هادئة ،كنا نحب ابي كثيرا وفخورات به وكنا نعيش كبقية الاطفال وليس كأولاد هذه الايام، الذين تكاثرت طلباتهم .كنا سعداء وعلى الرغم من كل مشاغل ابي،فقد كان حنونا ولطيفا ويتابع معنا دروسنا. لذلك كانت وفاته ضربة موجعه لنا.
• كنت تستطيعين رؤيته ساعة تشائين؟
٠لا، لأنه كان مشغولا باستمرار ،كان يستغل اي فرصة كي يقضي معنا بعض الوقت. كان موعد العشاء هو الوقت الوحيد الذي كنا نجتمع به كلنا لننعم بقرب والدي معنا.
وتتابع السيدة منى :كلما كانت اي واحدة منا تشعر بالضيق كان يوصي السائق بان يأخذنا في السيارة لنشتري المرطبات المثلجة "البوظة "وتهدأ اعصابنا ونعود الى البيت ونحن سعداء ،واحيانا كان يرسلنا الى السينما فكان يصحبنا السائق واحدى العاملات في المنزل، ويوصي السائق بان يحجز كل المقاعد المجاورة لنا ،كي لا يضايقنا احد.
• وماذا عن السيدة والدتك؟
امي هي فائزة نافع الجابري من حلب ،وهي ابنة شقيق سعد الله الجابري الذي كان رئيس وزراء سورية وهو الذي عرف امي على ابي.
• التقيا وتعارفا يعني كانت هناك قصة حب؟
٠لا ابدا كانت عائلة والدتي محافظة جدا، وامي كانت تضع غطاء على راسها ولا تخرج سافرة ابدا. انما عمها سعد الله قال لها: صديقي رياض الصلح يريد الزواج وهي عندما رأت والدي اعجبها ووافقت ،٠فوالدي كان رجلا وسيما.
• كان اجمل من والدتك؟
٠امي كانت امرأة جميلة جدا.
٠هل كان لها اي ميول سياسية؟
٠لا ابدا لم تكن تهتم بهذه الامور.
• من من شقيقاتك كان لها ميولاً سياسية؟
٠كانت اختي علياء تعطي رأيها دائما وكان والدي يشجعنا على ان نقول كل ما نفكر فيه ،على العكس من والدتي التي كانت قاسية نوعا ما ،فاذا كنا على الغداء وابدينا تأففنا من طعام معين ،كانت تجبرنا على تناوله بينما كان والدي يقول لها :اطبخي لهن ما يردن اكله. كان يطبق الديمقراطية في البيت ويحب ان تكون الواحدة منا لديها رايها وشخصيتها.
• اين تلقيتن دروسكن؟
٠في مدرسة الليسيه فرانسيز
• من الذي اختارها؟
والدي لأنه كان يريد لنا ان نتعلم اللغة الفرنسية ..على الرغم من انه كان يحارب الفرنسيين.
• هل تذكرين صديقاتك؟
٠كانت طريقتي وما زالت ان اتخذ صديقة واحدة لي. ففي ايام الدراسة كان لي صديقة من آل عيتاني وما زالت الى الان صديقتي حتى بعد هجرتها مع شريك حياتها الى نيوجرسي في امريكا. ولي صديقة الان من ال الفتال.
• هل كان يحتفل بأعياد ميلادكن ويقدم لكن الهدايا؟
٠لم يكن شائعا في ذلك الوقت اقامة اعياد الميلاد كما الان ،وكان والدي يكتفي بالتهنئة مع هدية بسيطة.
• ما هي الهدية؟
٠قد تكون لعبة او فستانا. وكان والدي يتمتع بذوق رفيع، فكان كلما سافر الى اي مكان يشتري لنا الفساتين الجميلة. واذكر انه سافر ذات مرة الى مصر واحضر لنا ثيابا فكان فستانا علياء ولمياء باللون الاحمر اما فستاني فكحلي اللون ،ولم يعجبني وقلت له معاتبة :كيف تحضر لي مثل هذا الفستان وانا الصغرى وتحضر لشقيقاتي الاكبر مني اللون الاحمر؟فقال لي انه لم يوفق بمقاسي فقلت له انت تكذب. نهرتني والدتي وحاولت ضربي. لكن والدي منعها وقال لها هي قالت ما خطر على بالها، ثم قال لها هامسا انه فعلا لو قام بمجهود وبحث لي عن فستان لوجد لونا اجمل على مقاسي. ويجب ان اعنف انا ايضا ،لأنني اخطأت بحقها هذا هو رياض الصلح الاب.
• انتن خمس بنات؟
نعم علياء الكبرى، لمياء متزوجة من عبد الله شقيق ملك المغرب الراحل الحسن الثاني ،ثم انا وبعد ذلك بهيجة زوجة سعيد الاسعد ( رحمه الله )ثم ليلى ارملة ماجد حمادة.
• ضمن هذا المجتمع النسائي الصغير الم تشعري انك بحاجة الى شقيق؟
٠ابدا خلال وجود والدي لم اشعر ان الاخ ينقصني. وعلى فكره ابي لم يكن يزعل اذا جاءته ابنة وكان لي اخ ولد بعدي وعاش لمدة ستة اشهر ثم مات ،وكان اسمه رضا على اسم جدي لوالدي ووالدتي قالت انه مات من الحسد (صيبة عين)
• هل عشت غيرة الشقيقات ومشاغباتهن؟
٠كنا كثيرا ما نتعارك فيركض ابي وامي عند سماع صراخنا ليجدا اننا نضحك ،وعندما يسألاننا عن هذه الاصوات والضجة !!نقول لهما نحن نتناقش وكانت دائما خناقاتنا بسبب انت قلت كذا وانت فعلت كذا ،لكن كنا عائله واحدة متحدة ومتلاحمة .
• من كان يشاركك غرفتك؟
٠بالصدفة كان لي غرفة لوحدي بينما اجتمعت علياء ولمياء في غرفة، وبهيجة وليلى في غرفة اخرى ،لكن طوال النهار نكون مع بعضنا ولا نفترق الا عند النوم.
• هل كان الوالد يدلل احداكن على حساب الاخرى ومن كانت المفضلة لديه؟
٠كان يعطف جدا على لمياء.
• لماذا؟
لأنها كانت دائما رقيقة وضعيفة العود ونحيلة ،بينما نحن كانت صحة كل منا افضل ..وكان ابي معجب بعلياء يشجعها ويقوي من شخصيتها ونحن لم نكن نفتقد للأخوة الشباب، لأننا كنا نشعر باننا اقوياء مثل الصبيان.
• ما الذي كان يراه فيك مميزا؟
قال والدي ذات مرة لشقيقة الشيخ بشارة الخوري، يمنى لطيف، عندما رأت ان شقيقاتي اجمل مني :بأنني قوية الشخصية ولست جميلة كأخواتي لكنني اخذ حقي في الحياه. اما والدتي فكانت تحب بهيجة جدا لأنها شقراء وجميلة مثل بنات حلب ،وامي اسمتها بهيجة على اسم والدتها.
• هل كنت تتضايقين من جمال اخوتك؟
كنت صغيرة ولم يكن يعني لي هذا الموضوع. وعندما كبرنا انقلبت الآية ( تضحك ثم تتابع) كان والدي لا يخشى علي من شيء ،وكان يقول لي دائما:" بابا خدي بشلك (قطعة نقدية تركية) وانقلبي الى صبي والله بتريحيني".
• كنت قوية؟
جدا ودائمة الصراخ والعراك مع الكل. كان دائما يقول لوالدتي لازم هالبنت تكون صبي.
• هل دخلت مجلسه السياسي ام كان يعترض على تشويش طفولتكن باحاديث الكبار ومشاكلهم؟
٠كما ذكرت لك دخلنا مجلسه واكثرنا حضورا كانت علياء ..كان يتشاور معها مع العلم انها كانت صبية ويجب ان تهتم بأمور اخرى.
• هل تذكرين موقفا سياسيا اختلف فيه مع علياء؟
٠كان يتشاور معها ولم يتفقا دائما.
• اذا وقفنا عند مفصل مهم من حياة الرئيس الصلح هل تشاور معه احد بخصوص قرار اعدام انطون سعادة؟
٠هو لم يتخذ قرار الاعدام بمفرده ..المحكمة هي التي قررت. وهنا اذكر ما ذكره النقيب السابق زهير عسيران عبر احد البرامج المرئية عندما قال :ان حسني الزعيم وبناء على طلب الملك فاروق كان يريد تصفية انطون سعادة، عندما امر رجاله ان يتركوه يهرب ثم يطلقون عليه النار. وصودف ان زهير عسيران كان معهم فطلب ان يدخل الحمام ،ثم اتصل بوالدي واطلعه على خطة الزعيم بالتخلص من سعادة. فطلب والدي ان لا يمسه احد ،وقال له اريده في المحكمة وهي التي تصدر القرار. والمحكمة هي التي اصدرت قرار الاعدام عام ١٩٤٩ . يحتجون بأن تنفيذ الاعدام تم بسرعة. فالتهمة كانت واضحة، محاولة انقلاب ومقتل شرطيين. وهم القوميون السوريون قتلوا والدي، استعملهم الانكليز كمرتزقة لتنفيذ جريمة القتل.
• اي لم يكن هناك قرار حزبي باغتيال الرئيس الصلح؟
٠لا الانجليز خططوا لعملية الاغتيال ،وهم كانوا اداة ومرتزقه ونفذوا الجريمة ،هي ليست من تخطيطهم فالتخطيط اكبر منهم.
• لماذا تم اغتيال الرئيس الصلح؟
٠لأنه اراد ان يقوم بوحدة عربية. وهذه لم تكن تناسبهم.
• كنتم تشعرون بحجم المسؤولية التي كانت ملقاة على عاتق الوالد؟
٠طبعا.
• الم تغاروا من السياسة لأنها اخذته منكم؟
٠كنا فخورات به فخرا وليس تشاوفاً. واذكر هنا حادثة ذات دلالة ،فقد طلب مني ذات مرة كوباً من الماء فنسيت. وبعد قليل سألني عن كوب الماء فقلت له اوصيت الخادمة. واذكر انها المرة الوحيدة التي صفعني فيها والدي لأنني قلت الخادمة. قال لي هؤلاء فتيات مثلكن تماما، انا في بيتي لا احد يحمل صفة خادمة وانت لست افضل منها.
• وهل تدخلت هذه السيدة بحياتكن ذات مرة ؟
٠ابدا وهي ما زالت تعمل عندنا وانا احبها كثيرا وعمرها الان 65 عاما تزوجت ومات بعلها ولم تنجب وما زالت عندنا.
• هل ورثت عن الوالد الآراء السياسية ام كنت من المعارضين؟
٠كنت معه على العمياني. الان بعد ان شاهدت ممارسة بعض السياسيين ولاحظنا الفرق نترحم على ايامه. ابي كان يفرغ جيوبه من اجل الوطن ،الان هم يستغلون الوطن ليصبوه في جيوبهم.
• هل اختلف وضعكم الاقتصادي بعد توليه المسؤولية؟
٠صار افقر لأن السياسة بحاجة للمال. اراضينا في الجنوب رهنها والدي في قرى الشرقية وتول وتمرا وجباع وبعدما توفي اخذت امي وبالتدريج تفك الرهن.
• لماذا بعتم معظم هذه الاراضي؟
بسبب التعديات التي حصلت من بعض الناس الذين عمروا وبنوا منازل وسكنوا فيها. والارض ليست لهم فالأحداث الأمنية ووجودنا خارج الوطن كانت السبب لخروج هذه المناطق من ملكيتنا.
• هل ورثت العداوات والصداقات عن الوالد؟
٠طبعا كل الذين كرههم في حياته ما زلنا نكرههم ،وكل الذين احبهم ما زلنا نحبهم.
• من هم الذين احبهم؟
أحب زهير عسيران ومحمد شقير وتقي الدين وكاظم وعادل الصلح اولاد عمه، لا يخلو الامر من بعض الخلافات السياسية وكان يحب نصري المعلوف جدا.
• كيف كانت علاقته بسامي الصلح؟
٠كانت علاقة جيدة، فسامي الصلح متزوج من شقيقة والدي ،وعبد الرحمان الصلح هو ابن عمتي.
• على الرغم من الاختلاف السياسي؟
٠كان ابي معجباً بظرف سامي الصلح ،ولكل واحد منهما طريقة تفكيره ولا تنسي ان رياض الصلح كان زعيماً.
• هل كنت تنظرين للناس بعيني والدك؟
٠دائما.
• ووجهة نظرك في الحياه؟
٠هناك ملاحظة اود ذكرها هنا، عندما كان والدي رئيسا للوزراء قلت له ونحن على طاولة الغداء، ان زميلاتي في المدرسة يسألنني لماذا رؤساء كل الدول العربية مسلمون ورئيس الجمهورية في لبنان مسيحي. فقال لي قولي لهم 13 رئيسا مسلما (كان عدد رؤساء الدول 13) ومع رئيس مسيحي واحد عمل جيد ،لأننا نريد ان نربح المسيحيين. ثم ختم حديثه قائلا :ولا يهمك فانا المسيطر ولو لم يرتح المسيحيون لي لما خرجت فرنسا من لبنان. هم يريدون رئاسة الجمهورية ونحن نريد الانتماء العربي.
•منذ 50 سنة قامت هذه المطالبة بوجه الرئيس الصلح والى الآن لا زالت مترسخة في بلادنا. الرئيس ماروني، رئيس الوزراء سني ورئيس مجلس النواب شيعي.
• هل تذكرين يوم الاستقلال؟
٠قليلا
• ما الذي تذكرينه من يوم اعتقاله وقيادته الى السجن؟
٠اذكر عودته في 22 تشرين الثاني نوفمبر، كانت هيصة غير طبيعية لم يمر بها لبنان في حياته ،واذكر عندما شاهدناه مع بشارة الخوري..
مع وفاة رياض الصلح لم يعد عندنا قادة الى ان جاء عبد الناصر ثم مات.
• هل كنت تشعرين بالتميز عن صديقاتك وانت ابنة الزعيم؟
٠حتى لو كنت بقرارة نفسي اشعر بهذا التميز الا انه لم يظهر بتصرفاتي مع الناس، كنا نشعر بالفخر والمسالة ليست هينة بان يرسل لنا الله مثل هذا الاب. في المدرسة كنا نتعامل ويتعامل معنا الجميع ككل الطالبات مع العلم انه كان هناك خلافات سياسية وكان بعض الفتيات يؤيدن فرنسا.
• هل كان بين معلماتك فرنسيات
٠طبعا
• كيف كن يتعاملن معك وانت ابنة رياض الصلح؟
٠كانوا يحبونه، الجنرال شارل ديغول كان يقول عنه هذا عدو نحترمه.
في الحلقة المقبلة: خفة دمي لوالدي والوليد يشبهني بطبعه