مجلة الشراع 5 كانون الثاني 2021

في تموز /يوليو 1988 كنت في لندن ضيفاً على الصديق جميل مروه

جاءني الى الفندق الراحل سكرتير جمال عبد الناصر لشؤون المعلومات عبد المجيد فريد (رحمه الله) وكان محور حديثنا حول الحرب العراقية - الاميركية ..

وكنت اعرف ان فريد كان مقرباً من القيادة العراقية وقد اكد لي معلوماتي عن وضع مصر خبراتها العسكرية وأنشأت غرفة عمليات لدعم الجيش العراقي خلال الحرب التي استمرت ثماني سنوات

قال لي فريد:

الحرب انتهت وخرج العراق منتصراً وليس امام ايران سوى الموافقة على القرار 889 الصادر عن مجلس الامن الدولي والذي يلزم طرفي الحرب وقف اطلاق النار !

عندما تساءلت عن وقف الحرب قال فريد:

كانت ايران ترفض وقف الحرب لكن الامام الخميني ادرك بعد اسقاط اميركا طائرة مدنية ايرانية تقل اكثر من 300 راكب انها رسالة اميركية حاسمة بأن ايران ستدفع ثمناً عالياً اذا استمرت بالحرب.. فقال اثناء قبوله القرار الدولي: انني اقبل هذا القرار كمن يتجرع السم !

سألت الراحل الكبير: استاذ عبد المجيد وماذا سيفعل العراق بعد انتهاء الحرب ؟

فاجأني فريد برده وهو يبدأه بقوله :

هذا السؤال وجهته الى صديقي طارق عزيز( رحمه الله) خلال وجودي الاسبوع الماضي في بغداد واليك الرد على سؤالك وسؤالي :

قال لي الاستاذ طارق - كما كانوا ينادونه- لقد كان لي اتصال مع مسؤول اميركي كبير كنت اتواصل معه دائمًا خلال الحرب، وكان همه الاول ان يعرف ما الذي سيفعله العراق بجيش بلغ عديده اكثر من مليون جندي خاض وايران اطول حرب في القرن العشرين بكل انواع الاسلحة براً وجواً بدرجة اقل وبحراً بصورة جزئية وجرب اسلحة مختلفة من مختلف المدارس العسكرية السوفياتية والبريطانية والفرنسية والاميركية التي استقدمها العراق من البلاد العربية التي دعمته بكل ما يحتاجه وهو يخرج من الحرب بتجارب لا تعرفها حتى جيوش الدول الكبرى ...

واستطرد المسؤول الاميركي في حديثه مع طارق عزيز وفق رواية الاخير لعبد المجيد فريد التي ينقلها لي :

ان الجيش الوحيد الذي يملك خبرة قتال متنوعة في العالم هو الجيش الاميركي .. لكن اميركا خاضت في فيتنام وجنوبي شرق آسيا في كوريا ولاوس وكمبوديا حروباً ضد مجموعات مسلحة ارهقوا جيشها بحروب عصابات لم يكن اعتادها بعدخروجه بسنوات من اكثر حروب العالم تقليدية

لكن جيشكم العراقي خاض حرباً تقليدية طويلة وواجه شبه حرب عصابات من المتطوعين الايرانيين الذين لا يعرفون الحروب النظامية

هنا نقل لي عبد المجيد فريد ردّ طارق عزيز على المسؤول الاميركي فقال بداية: طبعاً انت تعرف ان الاهتمام الاميركي في سؤاله عزيز عن الجيش العراقي منصب على امن اسرائيل الذي بات الجيش العراقي الجرار صاحب الخبرة لثماني سنوات تحت النار يهدده بالفعل

لذا طمأن عزيز المسؤول الاميركي بالقول:

ارجو ان تنقل لإدارتك ان هذاالامر ناقشته القيادة العراقية وتناقشه دائماً ..

وخلصت الى ما يلي:

جيشنا الضخم ان يستمر تحت السلاح ولا بد من تسريح اكثر من خمسين بالمئة منه وهؤلاء الشباب ذهبوا الى الحرب وكلهم كان يعمل في الزراعة وفي الصناعةً وفي الخدمات وفي التعليم وفي امور مختلفة وتركوا فراغاً كبيراً في مختلف مجالات العمل .. وهناك الآن حاجات كبيرة ومهمات عديدة لهم في المجتمع العراقي .

وهذا المجتمع بات بحاجة ماسة الى السلم بعد ان تمت عسكرته بالكامل لمدة طويلة.. واذا كان المجتمع العراقي ادى دوره بالكامل خلال الحرب بأبنائه، فقد جاء الدور لأبنائه انفسهم او من بقي منهم على قيد الحياة ليعيشوا حياتهم في السلم فيعود الرجل الى عائلته والشاب الى ابويه والفلاح الى ارضه والطالب الى جامعته

وقال عزيز وفق رواية فريد:

نحن نحتاج على الاقل الى عشرة او خمسة عشر سنة حتى نعيد بناء العراق ليعود كما كان عليه قبل الحرب وربما مثل هذه المدة كي نلحق العصر ... لقد تعبنا كثيراً ويجب ان نلتفت الى اعادة البناء .. والعراقيون يريدون السلم .... لقد قلت لك اننا سنسرح نصف مليون جندي بعد الحرب وانا اؤكد لك ان العراق سيكتفي بجيش محترف يملك خبرة عميقة لا يزيد تعداده عن مئة الف جندي

قلت لعبد المجيد فريد :

استاذ عبد المجيد : جيوش العالم الثالث معتادة على الثورة في حالتي النصر او الهزيمة .. وحتى في اميركا فإن الشعب الاميركي انتخب قائد الجيوش الاميركية الجنرال دوايت ايزنهاور رئيساً بعد انتصار الحلفاء على المانيا في الحرب العالمية الثانية

ابتسم الرجل المهذب ولم يرد ان يتورط في الاستطراد

والآن بعد مرور نحو 33 سنة على هذا الحوار اين نضع تورط العراق في اجتياح الجيش العراقي الكويت في 02/08/1990 بعد مرور سنتين بالتمام على انتهاء الحرب مع ايران

الشراع في 5/1/2021