مجلة الشراع 23 آذار 2021

كان المفكر العربي الراحل د. خير الدين حسيب ينقل لي دائماً دعوة الاستاذ مسعود البرازاني كلما كان في زيارة لدمشق للقاء الرئيس حافظ الاسد، وكنت اقصده حتى لو كان طريق ضهر البيدر مكسواً بالثلوج، كما في الصيف والحرارة فيها عالية..

لذا عندما علمت ان الرئيس البرازاني في زيارة رسمية الى القاهرة للقاء الرئيس حسني مبارك قصدته في مقر اقامته في فندق ماريوت -عمر الخيام للقياه وكان ثالثنا في الجلسة الودية عضو قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني د. فؤاد حسين (وزير خارجية العراق الآن)

دعاني الرئيس مسعود لزيارة الاقليم موجهاً كلامه لحسين:

الاستاذ حسن كان واقفاً معنا عندما لم يكن مع قضيتنا الا القليل القليل من الاخوة العرب

رتب لي الاستاذ حسين رحلة الى اربيل في شهر نيسان / ابريل عام 2011

كانت استضافتي في قصر الضيافة الذي بني في عهد الملك فيصل الهاشمي لاستضافة قمة عربية مصغرة عام 1955 وكان مرافقي الشاب المهذب زهير البرازاني وجلت معه في كل اربيل حتى الحدود الايرانية مع العراق لمدة اسبوع كامل في كل نواحي الاقليم الكردي في العراق وكنت سمعت من زهير ان الرئيس اراد لك ان تجول في كل الاماكن وبعد ذلك ستلتقيه على غداء يقيمه على شرفك في صلاح الدين حيث مقر اقامته المشرف على المدينة...

ثلاث ملاحظات سجلتها في ذاكرتي من ضمن عشرات المدونات في هذه الزيارة التي استغرقت نحو اسبوعين..

الملاحظة الاولى ان مناخ اربيل بجباله وهضابه وغاباته ومياهه يشبه الى حد كبير مناخ لبنان وطبيعته سابقاً

الملاحظة الثانية هي ان الرئيس الراحل صدام حسين كان بنى قصراً رئاسياً منيفاً مشرفاً على اربيل من علوّ شاهق

الملاحظة الثالثة والاساسية هي انني اثناء زيارتي لوسط المدينة وفي احدى مكتباتها وجدت كتباً تدافع عن الرئيس صدّام

وكانت هذه الملاحظة هي اول ما بادرت بالسؤال عنه حين استقبلني الرئيس البرازاني وقد حييت هذا السماح في شخصيته وسياسته فقال لي الرئيس البرازاني:

استاذ حسن إذا كان الرئيس صدام رحمه الله ظلم الاكراد فهو ظلم كل العراقيين عرباً واكراداً سنة وشيعة.. ونحن ثرنا ضدّ ظلمه ولا يمكن ان نمارس سياسته التي كنا نرفضها

غير ان اهم نقطة في الحوار خلال جلسة طويلة شملت اجراء حديث صحفي مسجل نشرناه حينها في الشراع وغداء فوجئت بأنه اقتصر على حضوره ونجله حتى تتوفر فرصة لكلام خاص لي يسرّه لي وليس للنشر!

اهم مسألة طرحتها له هي مشروعية الدولة الكردية وقد كان البرازاني واقعياً الى الحد الاقصى وهو يقول لي:

ان قيام الدولة الكردية الواحدة يعني تقسيم لا بل تفتيت الدول التي يقيم فيها الاكراد ..

والاهم،

ان الرجل اعترف بأن العراق كان الاكرم في قبول الحكم الذاتي للاكراد منذ ميثاق 11 آذار 1965.

وعندما قلت له ان الفضل في ذلك يعود الى تشجيع جمال عبد الناصر لصديقه عبد السلام عارف وشقيقه بعد اغتياله عبد الرحمان عارف في إقامة هذا الحكم قال الرئيس البرازاني لقد خسر العرب والمسلمون في غيابه قائداً ورمزاً للوحدة والكرامة وكان متفهماً لحقوق الشعب الكردي ..

قلت للرئيس البرازاني: ارجو ان تسمح لي ان اكون صريحاً معتمداً على مكانتي عندك وصداقتنا المستمرة منذ العام 1984 (اكثر من ربع قرن )

بعد ان اخذت رداً ايجابياً على استئذاني بالمصارحة قلت:

سيادة الرئيس: تفضلت بالقول ان اقامة دولة كردية يعني تقسيم بل تفتيت اربع دول يستوطنها الاكراد وهي العراق وسورية وتركيا وإيران، وهذا امر دونه عقبات لا حدود لها خصوصا ان المناخ الدولي قد يكون مانعاً لهذا الامر ..

قال الرئيس البرازاني: هذا صحيح

فتابعت عارضاً اقتراحي بقولي

سيادة الرئيس: الامر الاول هو ان يتفق الاكراد على ان تجتمع قواهم على موقف موحد يقوم على التوافق مع سلطات الدول الاربع ومع قواها الحية من المثقفين والنخب لإجراء حوارات مع الجميع تحت عنوان الوحدة الكردية ضمن مجموعة هذه الدول المتفاهمة في المجالات الاقتصادية فلا انفصال كردي ولا تسلط اقليمي عليهم

لاحظت اهتماماً من الرئيس البرازاني فقلت له :

سيادة الرئيس: هذه افكار اولية ويمكن لسيادتكم ان تشكلوها كما تشاؤن مع تمنياتي بالنجاح

الشراع في 23/3/2021