بيروت | Clouds 28.7 c

المشروع الناصري مشروع المستقبل العربي المنشود / د. حسن محمود قبيسي

 

المشروع الناصري مشروع المستقبل العربي المنشود / د. حسن محمود قبيسي

الشراع 27 تموز 2024

 

كثرت  الاحتفالات ، مؤتمرات ومهرجانات وندوات ، إحياء لثورة 23 يوليو  1952 .

كثر اعتلوا  المنابر بقمصان ناصرية ووقار وكأنهم شركاء في تلك الثورة التي يعجز معظمهم عن الإلمام ببعض إنجازاتها . أطنب من أطنب  في المديح، وتطاول جهلة وأعداء و متضررون. قلة كانت منصفة . والإنصاف  كما  الموضوعية يحملانا على  الاعتراف : لم تبق من إنجازات عبد  الناصرالعمرانية والانمائية و الثقافية -  على ما يحضرني الآن ، مايذّكر بها سوى تأميم قناة السويس وتشييد السدالعالي وبحيرة ناصر ،وبرج  القاهرة ، وجامعة بيروت العربية وسد الرستن وبحيرته ( محافظة حمص) .

لم  تتوقف أهمية جمال عبد  الناصر على كونه مفجر ثورة 23 يوليو ، ولا كونه رئيسًا و زعيمًا عربيًا وحسب ، هي أبعد من ذلك، كانت في مشروعه  السياسي كما في إنجازاته، وهي وليدة ذلك  المشروع . وهنا يحضرني  السؤال :

هل أن مشروع عبد الناصر ، وقد هشمت وهمشت إنجازاته الإنمائية والتحررية ،وهي من أهداف  ثورة يوليو ، مشروع  لمستقبل مصر بمعزل عن ارتباطه بمصالح ومستقبل شعوب الأمة  العربية ، أم هي مشروع لمستقبل العرب في كافة  الأقاليم العربية ؟ .

 

   لأن فك السادات ارتباط مصر بأمتها  العربية  بما  هو واحد من أهداف «اتفاقية  كمب ديفد» قد حجّم دور مصر بقيادة الأمة العربية ، استكمالًا لإفقارها عن طريق الانفتاح الاقتصادي والتراجع عن كل الانتصارات و المكتسبات والانجازات ، رغم انتكاسات ما استطاعت العودة بمصر إلى ما قبل ثورة يوليو ، يؤكد أن ثورة  يوليو ومشروع  عبد  الناصر هو مشروع نهضة الأمة العربية وتطورها لمستقبل أفضل ، ومن هنا هذه الحرب العشواء عليها وعلى المؤمنين بها .  

في  المرحلة الأولى من قيامها حيث مجموعة من الضباط  بخلفيات فكرية متنوعة ومتضاربة أحيانًا ( الأخوان  و الشيوعيين) أو وطنيين بشكل عام ، اكتفت بعناوين مركزية  :  التخلص من الاستعمار و أعوانه وبناء جيش وطني  قوي ، والتخلص من سيطرة الأقطاع والرأسمالية المستغلة على خيرات مصر وإقامة عدالة اجتماعية واستتباعًا حياة ديموقراطية سليمة.

قد تكون في تلك  الأهداف المرحلية حلول لمشاكل مصر  يومها ، إلا أنها لم تكن لتلبي طموحات عبد الناصر التحررية القومية و المجتمعية.ففلسطين هي العمق الاستراتيجي لمصر، ومشاركة عبد  الناصر ورفاقه  فيها كانت محركًا لانقلاب  23 يوليو( لم يكن يومها قد تطور لمصافيالثورة ) ومع ذلك لم  تكن القضية الفلسطينية ضمن اهتمامتهم في تلك المرحلة ، ولا كانت الوحدة أو حتى الاتحاد  العربي أيضًا مثار اهتمامهم .

تخلصت مصر من مشاكل تلك  الحقبة و صارت من الماضي، طوال عصر جمال عبد  الناصر.

ترأس جمال عبد الناصر مصر، فجعات انتصاراته وانجازاته يومها الثورة بفكرها  الناصري الملتزم قضايا الناس وتطبيقاته رغم ممارسات جماعة مراكز القوى المضادة للثورة وتخاذل منادين بالناصرية عن الدفاع عن الانجازات في مصر - مشروعًا  لمستقبل مصر ، فصارت «الناصرية  ثورة قوى الشعب  العامل في سبيل الحرية والاشتراكية  و الوحدة ».  

الثورة هي الطريق للعبور من ماضي  التخلف إلى المستقبل الذي نتطلع إليه.  وقوى الشعب العامل هم العمال و الفلاحون والرأسمالية الوطنية غير المستغلة والمثقفون الثوريون والجنود  الوطنيون.  والحرية هي حرية الوطن  و المواطن. والاشتراكية هي السبيل إلى مجتمع  الكفاية الانتاجية ( ولا تكون الا بالتكامل الاقتصادي العربي ) والعدالة التوزيعية . والوحدة العربية انطلاقًا من الوحدة الوطنية الشعبية ، وقد يكون الاتحاد هو الأقرب  إلى  المستطاع مرحليًا ، ولا مجال هنا للإسهاب في التعريف بكل مصطلح على حِدة.

انقلب السادات وخلفائه على الثورة وأهدافها ،فتم  التراجع عن انصاف الفلاح وتصفية القطاع العام وعن مجانية التعليم  وتأمين كل مستلزمات الحياة ؛ وعمت  البطالة  وتفاقمت الأزمات الحياتية في مصر ، ووقع السادات اتفاقية الاستسلام للعدو الصهيوني ونأى بمصر عن الصراع العربي الصهيوني، فضعف تأثير مصر في العالم، وضعف العرب ، وافتقدوا لمشروع قومي في حقبة  تقدمت فيها المشاريع الإقليمية  الحليفة و الصديقة و المحايدة والمعادية .

              من هنا تكون العودة إلى الناصرية فكرًا وممارسة ،وتعزيزتحالف  قوى الشعب العامل ورفع جهوزية الجيش  المصري ،مؤسسة أبطال العبور في حرب أكتوبر، عتادًا وعددًا ؛لاسترداد ما سطت عليه جماعة الانفتاح  والتطبيع، تكون عودة إلى استنهاض الأمة  و شعوبها ،و ضرورة للتنمية  و التحرير السياسي  و الاجتماعي، عودة لا بد منها ، فهي  المشروع السياسي و الفكري  الوحيد  للمستقبل العربي الواعد .