بيروت | Clouds 28.7 c

أيها العرب لا تفكروا!! الغرب يفكر عنكم!! / بقلم الشيخ حسن حماده العاملي

 

أيها العرب لا تفكروا!! الغرب يفكر عنكم!! / بقلم الشيخ حسن حماده العاملي

الشراع 7 ايلول 2024

 

لم يترك الغرب وسيلة إلاّ واتّبعها لإبقاء آسيا من شرقها إلى غربها سوقاً استهلاكية لمنتجاته وسلعه المختلفة ،وحقولاً تجريبيّة لأسلحته وصواريخه وآلياته المتطورة. وبعد أن أيقن استحالة ذلك بسبب عقيدة المقاومة الراسخة في ثقافة وحضارة معظم سكّان آسيا وهو ما اختبره من خلال انهيار مستعمراته نتيجة المقاومات والثورات الشعبية من الفيتنام والصين والهند وصولاً إلى إيران وأفغانستان ،مروراً بالدول العربية. لذا كان من البديهي البحث عن خطة محكمة لتدمير وتفكيك المجتمعات لا سيما "المحافظة" منها، التي عمادها الإلتزام بالأخلاقيّات والسلوكيّات السويّة ،والعمل وفق ضوابط منهجيّة وُضِعَت لتكون بمثابة قانون موثق يصعب اختراقه أو تجاوزه. ليمثّل بذلك صمّام أمان يحفظها من الضياع والاندثار، وقد تميّزت تلك المجتمعات بالتماسك والتكاتف، واتّسمت بـالنخوة والشهامة والتسامح والعفو والمروءة والحياء، ونصت على احترام الكبير كفرض من الفرائض لا يقل أهمية عن العبادات فـ "الدين معاملة"، لذلك اختار الغرب الغزو الثقافي والفكري والديني وهو بلا أدنى شك أصعب وأخطر الحروب. 
 في فترة وجيزة تمكّنت أغلب دول آسيا من التحرّر من براثن الغرب ومخططاته الخبيثة، ومع ظهور التنين الصيني والمارد الأندونيسي والفيتنامي فضلاً عن الهند وغيرها من الدول التي تعرف بنمور آسيا ..أصبحت منافسة أساسية له. بينما العرب، ما زالوا عالقين في صحراء أمجادهم الغابرة غارقين في رمالها المتحرّكة، يتغنّون بكتابات المتنبي، والبحتري، والفرزدق، وابن خلدون، وابن الرشد... لبرهة يشعر المرء بأن العلم قد توقف عند ذلك الزمن المخملي، في حين يواكب الغرب الحداثة والحضارة والتطوّر الفكري والعلمي والثقافي والاقتصادي والاجتماعي، أمّا -أغلب- العرب فتراهم (مع شديد الأسف) يتهافتون على حفلات المجون، ومحلّات السهر، والخمر، والجنون... شغلهم الشاغل إشباع غرائزهم ونزواتهم والبطون، شأنهم في ذلك شأن غير البشر.
 وعلى الرغم من أن أول آية قرآنية نزلت على النبي محمد (ص) هي "إقرأ" ومع أنه (ص) حثّ على طلب العلم حيث قال: "أطلب العلم ولو من الكافرين"، فقد استطاع الغرب اجتياح بلداننا العربية من خلال النفخ في أبواق الفتن المذهبية والطائفية سعياً لإضعاف العرب بمختلف طوائفهم ومذاهبهم لإبقائهم تحت الهيمنة الغربية. وهنا يستحضرني بيت شعر للمتنبي حيث قال:
 أغاية الدين أن تحفوا شواربكم...       يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
نعم لقد نجح الغرب في جعلنا سوقاً استهلاكية وحقولاً تجريبية لأسلحته المتطوّرة والذكيّة ومقابر لنفاياته الفكريّة والعضويّة السامة. فغدا كل ما نحمله ونلبسه ونستعمله من ملابس وساعات وهواتف وعطور وأحذية وسيارات وتكنولوجيا حديثة وأسلحة حتى الثقافات التي بتنا اليوم نتغنّى بها هي ثقافات غربيّة غريبة عن مجتمعاتنا ودخيلة على عقول أجيالنا. أيضاً اللّغة لم تسلم من استهدافه إذ صرنا نستعيض عن معظم كلماتها بأخرى فرنسية وإنجليزية معتقدين أنّ ذلك "أشْيَك"، ناهيك عن لغة الكتابة الحديثة "الانترنت" التي باتت اليوم غالبة على معظم مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي.
 إن الغزو الثقافي المُخيف الذي تتعرض له المجتمعات والشعوب العربية "المحافظة" إنّما يهدف إلى إفسادها ودثر أركانها من عادات، وتقاليد، وأعراف... التي لطالما تغنّوا بها، حتى باتوا اليوم مع الأسف يقفون على شفير فقدانها، حتى الشعر أصبح اليوم "على الموضة" أي لا معنى له.
لم يأل الغرب جهداً في تعميم المسلسلات المكسيكية والتركية المدبلجة التي استباحت شاشات تلفزيوناتنا وبالتالي عقولنا حتى حولت معظم أمة النبي محمد (ص) إلى أمة مهنّد، حتى شهر رمضان المبارك لم يسلم من شرّها فاجتاحت أيامه وتجدها تتزاحم بين الإفطار والإمساك وهو الوقت المرتقب للتعبد في الشهر الكريم. 
 وها نحن نرى اليوم ان قاعات الحفلات والسهرات والحانات مكتظة، بينما تفتقر المساجد ودور العبادة والمراكز العلمية والندوات إلى الشباب في حين أغلب روّادها يقتصر على الشيوخ.
 فهل تزويج الإبل وسباق الماعز والخيل ومصارعة الديوك أهم من حضور ندوة علمية وثقافية؟ هل بناء الأبراج وناطحات السحاب أهم من بناء مراكز بحوث علمية ودراسات استراتيجية؟ وقبل الاجتياح الأمريكي الغربي للعراق العراق كان هناك أكثر من 20 ألف عالم... أين هم اليوم؟ ولماذا ضُربت مراكز البحوث العلمية في سورية؟؟
لقد استطاع الغرب مستفيداً من الأزمات المختلفة في الدول العربية من اقناع الشباب المتعلّم، والمفكّر، والمثقّف من اللّجوء إليه، كونه -بزعمه- الحاضن الأوحد للكفاءات العلميّة والفكريّة، حيث قد يجدون ما يرنون إليه من الديمقراطية والحرية فضلاً عن موارد التعليم المرغّبة. فمن كان السبب في زرع أنظمة ديكتاتورية متسلّطة على رقاب العرب؟؟
 إنّ أحد مرتكزات العدو هو تجهيل الشعوب وإفقارها لمنعها من اكتساب العلوم والمعارف وهو ما نراه اليوم ففي الوقت الذي تعاني منه الدول العربية من ارتفاع مخيف في نسبة الجهل والأمية والبطالة، نرى العدو الاسرائيلي في أفضل أحواله علمياً وتكنولوجياً واقتصادياً حيث يتلقّى الأخير دعماً غربياً غير مسبوق. فهل هذا الأمر عفوي أم أنه مدبّر كما نعلم لتفكيك العالمين العربي والاسلامي؟؟ وهل يخفى على احد رغبه الغرب في تفريغ الأمة العربية من العقول الشابّة المثقّفة والمتعلّمة والمفكّرة؟ وهل يلعب خوف الحكّام من أن تعي الشعوب فتعرف حقوقها وتثور عليهم لتزيلهم عن عروشهم دوراً أساسيًا في ذلك؟؟ أم أن شعوبنا ارتأت إراحة أدمغتها من التفكير؟؟ على قاعدة أيها العرب لا تفكروا الغرب يفكر عنكم...
ولو اتفقنا على صحه ذلك فإلى متى ستبقى الشعوب العربية غافلة عن خطر حقيقي يحدق بثقافتها وعاداتها وتقاليدها بل بدينها وقرآنها وإنجيلها ومعتقداتها ويهدد وجودها؟؟؟؟