بيروت | Clouds 28.7 c

الجزء الثاني: يوسف بك كرم / - وتعليق على مقال المحامي رشيد قباني حول كل من طانيوس شاهين ويوسف بك كرم / العميد غسان عزالدين

 

الجزء الثاني:
يوسف بك كرم / - 

  • وتعليق على مقال المحامي رشيد قباني حول كل من طانيوس شاهين ويوسف بك كرم / العميد غسان عزالدين 


الشراع 16 ايلول 2024


يصر بعض اصحاب الحكايات الخرافية، ان يجعلوا من يوسف بك كرم بطلاً استقلالياً في وجه العثمانيين ،حتى قبل ان يظهر اسم لبنان اي متصرفية جبل لبنان .
كرم لم يحارب العثمانيين قطّ ،وكل ما اراده هو تولي جباية منطقة كسروان بعد انهائه لثورتهم فيها، وتفريق شملهم والذهاب في اثر 
قائدهم طانيوس شاهين سعادة لإعتقاله .
عُين بعدها وكيل قائمقام النصارى 
اثر فتنة العام ١٨٦٠ ،واستمرت ولايته من ١٧ تشرين الثاني من عام ١٨٦٠ 
حتى حزيران من عام ١٨٦١ بعد تطبيق نظام المتصرفية .
كان تعيينه من قبل الاتراك بمثابة مكافأة على سحقه انتفاضة الفلاحين .وقد عارض القنصل الفرنسي هذا التعيين ،كذلك عارضه 
بشدة قائد الحملة الفرنسية (١٨٦٠ - ١٨٦١ )الجنرال شارل دي بوفور دوتبول  ،الذي كتب في مراسلاته مع حكومته في باريس عن يوسف بك كرم واصفاً اياه بالعميل التركي الذي يتلقى راتباً شهرياً من السلطنة ،وهذا ما تبين فيما بعد عند وفاته في رازينا قرب نابولي عام ١٨٨٩ ،اذ ثابر على قبض راتبه المخصص له من الدولة التركية طيلة حياته ،وهو في هذا يشبه وضع المير بشير الشهابي . فهل يستقيم كلام الاستاذ قباني القائل ان كرم قاتل الاتراك 
وانتصر عليهم  مع حقيقة كونه موظفاً عثمانياً يقبض راتبه من الخرينة العثمانية ؟؟؟ وهل من المنطقي ان تدفع الدول رواتب ومعاشات لأعدائها الذين يقاتلونها ؟؟؟
كانت علاقته ممتازة بفؤاد باشا الذي اوفدته حكومته الينا لمعالجة ذيول الحرب الاهلية لعام ١٨٦٠ .
كما كانت تربطه علاقة وطيدة بناظر الخارجية راشد باشا وقد نظم في مدحه قصيدة يقول فيها :
ذا راشد البرين وجه مدينة البحرين
ولّاه العزيز على الورى…
من طاع سلطان البلاد سيجتني 
فوزاً كما نصّ الرسول وحررا.
كان كرم يقرض الشعر وديوانه محفوظ لدى المؤرخ سمعان الخازن .
كان يوسف بك كرم يطمح لأن يحكم المتصرفية يوماً، ولكن ايقن ان النظام الاساسي للمتصرفية لن يسمح له بتحقيق حلمه ،فنفى نفسه الى اسطمبول ثم ما لبث ان اشترى قصراً في رازينا قرب نابولي وامضى فيه بقية حياته .
اما مسألة عروبته ودعوته الى قيام وحدة عربية وكذلك مراسلاته مع الأمير عبدالقادر الجزائري فلا تحتاج الى شرح مطول ..لان الجزائري كان ماسونياً مسجلاً  لدى المحفل الباريسي الأكبر وهو بدوره عندما وصل الشام ساهم في انشاء محفل ماسوني في دمشق ،وكان يفاخر بأخوة الماسون وهو ما دفعه للتدخل في فتنة  عام ١٨٦٠ لإنقاذ الآف المسيحيين من الموت او التهجير ..
وبما ان كرم كان يعتبر نفسه حامي 
المسيحيين ،فقد رأى ان من واجبه 
ان يشكر  الجزائري  مثمناً مواقفه  وممتناً لإجراءات الحماية التي وفرها لهم بعد المذابح التي تعرضوا لها خصوصاً في دمشق وضواحيها . 
وكل كلامه عن كونفدرالية عربية ينقضه هو بنفسه ،عندما يشدد على ايمانه الراسخ بوحدة اراضي السلطنة داعياً حكامها الى التمسك بأهداب الشريعة الاسلامية السمحاء التي يفتخر بها  ويعطف ذلك على الدعوة لإجراء المزيد من الاصلاحات الضرورية لتنهض السلطنة من جديد .
تبقى مصادفة جمع الشخصيتين في 
مقال المحامي قباني .. طانيوس شاهين سعادة الثورجي الذي قبع الاقطاعيين وطردهم من كسروان .. والبك الذي طحش عليه وعلى جماعته من  
الفلاحين المنتفضين وشتت شملهم واعاد الاستبداد الى سابق عهده و مجده … انه يوسف بك كرم !!!
المراجع :
عروبة يوسف بك كرم - دار ابعاد للطباعة والنشر ١٩٩٧( سركيس ابوزيد )
يوسف بك كرم قديس غير مطوب 
دار ابعاد للطباعة والنشر ٢٠٠٦ 
سركيس ابو زيد 
الدروز والموارنة تحت الحكم التركي من سنة ١٨٤٠ الى ١٨٦٠ 
تأليف ضابط المخابرات الانكليزي 
الكولونيل شارلز تشرتشل 
منشورات دار لحد خاطر بيروت ١٩٨٦
الاكليروس والملكية والسلطة 
جوزيف ابو نهرا - دار النهار للنشر  ٢٠٠٧
تاريخ الاقطار العربية الحديث 
معهد الاستشراق السوفياتي ١٩٨٠

 

 

  • تعليق على مقال المحامي رشيد قباني حول كل من طانيوس شاهين ويوسف بك كرم / العميد غسان عزالدين 

الشراع 16 ايلول 2024


تعلمنا في كتاب التاريخ المدرسي للمرحلتين التكميلية والثانوية ان طانيوس شاهين قاد ثورة الفلاحين ضد الاقطاعيين من آل الخازن وحبيش ،ابتداء من ١ تشرين اول من عام ١٨٥٨ .
كذلك علمونا ان يوسف بك كرم قاد عصياناً مسلحاً ضد السلطنة العثمانية  وقاتل جيشها وانتصر عليه في عدة مواقع ،ثم يمم شطر اوروبا وتوفي في ايطاليا سنة ١٨٨٩.
حتى الرحابنة عاصي ومنصور لم ينجيا من الوقوع في فخ الأساطير التي شاءها البعض ان تكون جزءاً من التاريخ المُزَوّر للبلاد، خصوصاً في مسرحية فخرالدين ثم مسرحية صيف ١٨٤٠ لمنصور …

ان ما تعلمناه يتطابق ومضمون مقال الاستاذ قباني ،ولكن لا مندوحة لنا الا بالرجوع الى عدة مصادر لتبيان الحقيقة،  وانا لا اوجه كلامي له لأنه نقل ما قرأ وناقل الكفر ليس بكافر  ،بل لمن كتب وسطّر الأساطير  من الأولين بما يتناغم وأهواءه ونوازعه .

يقول أرنست رينان  ان تاريخ الامة يشكل واحداً من اهم مقومات هويتها القومية ،وهو يتأثر احياناً بأهواء من يكتبه ويدبج احداثه .
الدكتور كمال الصليبي يقول عن تاريخنا بأنه تاريخ " توافقي " فيزيده الباحث والمؤرخ صقر ابو فخر 
بيتاً من " الشعر الزجلي " ويقول : بل هو تاريخ " تواطئي " ….
كتابة تاريخ البلاد اقتصر في السابق على الموارنة، ولا مجال الآن للخوض في اسباب تلك الحصرية .
اول من إفتتح المزايدة والمناقصة كان طنوس الشدياق الذي كتب :
" اخبار الاعيان في جبل لبنان" ( منشورات الجامعة اللبنانية عام ١٩٧٠ .) كذلك فعل حيدر الشهابي ابن عم بشير الشهابي الثاني فكتب : " الغرر الحسان 
في أخبار أبناء الزمان ". ( منشورات الجامعة اللبنانية عام ١٩٦٩ ) .
أرنست رينان كتب تاريخنا ولم يكن محايداً، فحوّر وزيّف وأضاف واسقط .. هو نفسه أقرّ بصعوبة 
الحياد والموضوعية كما ذكرت آنفاً  وقد وافقه 
فؤاد افرام البستاني الذي مزج الاسطورة بالحدث ،وبدوره اضاف حكايا وقصصاً  ونسبها الى تاريخنا ،
 فصارت مع التكرار تشكل جزءاً من عقلنا اللاواعي والواعي على حد سواء .وقد اكتسبت صدقية مع الزمن ،ولم يعد مقبولاً او مسموحاً  التشكيك بأصلها او  حتى مناقشتها .
كانت مجموعته " البدائع " مثقلة بالأساطير والخبريات الجميلة Fairy Tales التي درج على سردها عبر احدى الشاشات اللبنانية . ما لبث 
البستاني ان سلّم الراية للدكتور اسد رستم الذي تابع مسيرة اختراع اساطير على طريق تأسيس 
وطن شاءه البعض ان يُبنى على الميثولوجيا والشعر الهباب !!!
كل المذكورين كتبوا عن ملاحم وبطولات ومعارك لم تحصل، ومنها ما يتعلق بطانيوس شاهين ويوسف بك كرم !! من يرغب في الوقوف على مدى التزوير الذي لحق بكتابة تاريخنا عليه الإطلاع على الحوار الذي دار بين المفكرين لورنس هنري ،وآفي شلايم
حول  كتابة التاريخ اللبناني " المليء بالتزوير والخيال .." وقد نُشر الحوار في " لوموند دبلوماتيك" بطبعتها العربية في كانون الثاني من عام ٢٠١٢.
يقول الدكتور كمال الصليبي في مؤلفه :" طائر على سنديانة " ( دار الشروق - عمان - ٢٠١٢ ) سيرة ذاتية : ان المؤرخين زوروا تاريخ لبنان وتاريخ عائلاته في سبيل ترسيخ الفكرة اللبنانوية !
ويوافقه المؤرخ الكاتب صقر ابو فخر الذي اثبت 
بالبرهان القاطع ان معظم العائلات  المسيحية والاسلامية المتنفذة في لبنان هي من خارجه وقد ذكر ذلك في كتابه : " الهرطوقي الحكيم - حوار مع كمال الصليبي " ( المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت - ٢٠١٢ ).
اما الكاتب والصحافي اسكندر رياشي فيقول في كتابيه الصادرين في مجلد واحد : " قبل وبعد "
و " رؤساء لبنان كما عرفتهم " الصادر عن دار أطلس في دمشق عام ٢٠٠٦  بأن جميع المؤرخين الذين كتبوا تاريخاً عن لبنان كانوا مختلقين فلكيين ،
ابتدعوا سِيَرَاً وروايات أملتها عليهم تخيلاتهم .. وبعض القرائن التي ذكروها لا يمكن ان تكون قاعدة صحيحة لكتابة التاريخ .
كما يخبرنا رياشي عن الاكاذيب والاساطير التي ساقها 
الينا المؤرخون ويفندها ثم يهزأ   من كاتبيها بمرارة.
إن من سخرية الأقدار ان يكون يوسف بك كرم هو من قضى على انتفاضة فلاحي قائمقامية نصارى جبل لبنان ،وهو من شتت شمل رجال " الثورة الفلاحية " التي استمرت بين عامي ١٨٥٨ و١٨٦٠ 
بتكليف من السلطنة العثمانية مدعومة من بريطانيا 
التي تخبرنا الزجليات اللبنانية ان كرم ناضل ضدها وحاربها !!!
يوسف بك كرم هو من سعى خلف طانيوس شاهين 
لإعتقاله ومحاكمته مما اضطره للهرب من كسروان ،
وامضى حياته طافراً ومات معدماً وذليلاً ومرذولاً …

يوسف بك كرم هو من اعاد اقطاعيي آل الخازن وآل حبيش الى قصورهم وبيوتهم ،واعاد اليهم كل اراضيهم المصادرة ،وقد كافأته السلطنة العلية وعينته اثر ذلك على رأس قائمقامية النصارى ،ولكن 
احداث عام ١٨٦٠ أطاحت به .
الكل يتحدث عن ثورة الفلاحين ولكن لا احد يذكر اسبابها سوى الظلم الذي كان اقطاعيو الموارنة من الخازنيين والحبيشيين يسومون عذاباته للفلاحين من ابناء جلدتهم ،الذين كانوا مجرد خدم واجراء عندهم .
فلنستعرض اهم اسباب الثورة او الإنتفاضة :
السبب الأول :————
 الظلم والتعسف الذي حاق بالفلاحين ردحاً طويلاً من اسيادهم الاقطاعيين اصحاب الأراضي ،وهذا واضح وجلي .يضاف اليه التجاهل المتعمد للولاة العثمانيين لمعاناة الفلاحين لأن همهم الأول كان  دائماً جمع  الضرائب ورفع نسبتها بوتيرة دائمة . 

السبب الثاني :
—————
" خط همايون " وهو " البيان السامي " الصادر عن السلطان العثماني في ١٨ شباط عام ١٨٥٦ من ضمن 
سلسلة " التنظيمات " التي فرضتها الدول الاوروبية على السلطنة ابتداءً من عام ١٨٥٤ ،وتهدف الى اجراء اصلاحات ادارية ومالية وسياسية ،لقاء الموافقة على منحها قروضاً مالية إضافية،  كان " الرجل المريض "
بمسيس الحاجة اليها .
كان " خط همايون " المذكور ينظم الملكيات العقارية والأراضي  واصول تحريرها واستثمارها او تأجيرها  ،
بهدف  كفّ يد الاقطاعيين وغلّ يدهم جزئياً مقابل فتح المجال امام الفلاحين لتحسين اوضاعهم . 
اعتبر فلاحو كسروان ان فرصتهم قد أزفّت للتخلص من ربقة استعبادهم  ،
فتداعوا الى اجتماع عام في بلدة الذوق، حضره ثلاثمائة شخص وقرروا رفع عريضة لخورشيد باشا والي بيروت ،يطالبونه فيها بتنفيذ مندرجات الخط الهمايوني  الذي كان قد مضى على اصداره حوالي سنتين ،ولم يجرِ العمل بمضمونه.
لم يتجاوب معهم خورشيد باشا وانكر عليهم ظلامتهم رافضاً رفعها الى حكومته .
تداعوا اثر ذلك الى لقاء آخر بزعامة الياس المنيّر  ،عقد في عجلتون في منزل صالح جرجس صفير وخرجوا بإتفاق عام على اعلان العصيان ضد آل الخازن وحبيش …( المصدر المستشرق الروسي لوتسكي - كتاب تاريخ الاقطار العربية الحديث -
ترجمه من الروسية واصدره بالعربية معهد الإستشراق في اكاديمية العلوم في الاتحاد السوفياتي 
ونشره في لبنان دار الفارابي عام ١٩٨٠ )..

السبب الثالث :
—————-
اكتشف القنصل الفرنسي الكونت دي بونتيفوليو ،
ان بعض مشايخ آل الخازن على علاقة بدت له مشبوهة وغير مفهومة بالسفير البريطاني في العاصمة إسطنبول، الذي كان حامياً للدروز فحاول 
سبر الاغوار الخازنية للوقوف على دوافعهم واهدافهم، ولكن اجاباتهم لم تشفِ غليله اذ اعتبر ان في الأمر ما يثير الشك ،فلطالما كانت فرنسا هي الحامية وقد سألهم القنصل مشككاً : هل تعتقدون ان من يحمي الدروز سيكون مخلصاً وصادقاً معكم ؟؟؟
كان السؤال يُطرح في حمأة التشنجات الطائفية قبيل الانفجار  الكبير لعام ١٨٦٠ .
لجأ القنصل الفرنسي للبطريرك الماروني آنذاك بولس مسعد  ،فوجد لديه ميلاً اكيداً لتأديب آل الخازن .

السبب الرابع :
—————-
البطريرك بولس مسعد  …
اول بطريرك يجري انتخابه من خارج نادي العائلات المارونية الثرية او المتنفذة . وُلد في بيت يئن ساكنوه من العوز والفقر والظلم والاستبداد ..
كان والده فلاحاً يعمل في اقطاعات آل الخازن ..
قرر ان يخفف من غلواء الخازنيين ومن غطرستهم ،
فأستدعى طانيوس شاهين واوكل اليه المهمة …

حتى ذلك الوقت لم يكن شاهين زعيماً او مشهوراً ..
هو حداد من قرية ريفون وهو من عائلة سعادة ولم يكن فلاحاً ولكنه كان مشهوراً بفتوته وشجاعته، وقد 
قاد جموع المحتجين لفترة طويلة، ولم يكن يتعاطى السياسة   او اي من امور الشأن العام قبل ذلك   .. لم تكن دوافعه سياسية ولم يكن اشتراكياً او ثورياً .. مجرد حداد يصنع سنابك الخيول 
واسرجتها ولجاماتها .. لا قدرة له على تسليح وتجهيز زمر من المسلحين تجاوزت اعدادهم المئات ...
كان طانيوس شاهين سعادة  عاملاً كادحاً .. يكره الاقطاع ويعترض على استبداده ،وكان يحتكم اليه المتخاصمون  من اهالي قريته ريفون ليقضي بينهم 
وكان متديناً وقريباً من البطريرك بولس مسعد 
ولكن هذا لا يجعل منه لا اشتراكياً ولا شيوعياً 
وان محاولات البعض الباسه لبوساً ليست له واقناعنا انه تحرك غريزياً لأنه وُلد وولدت معه نظرية صراع الطبقات فقاد  جموع البروليتاريا بهدف تحطيم الرأسمالية المتمثلة بالطبقة البورجوازية  وتدمير اسس الكومبرادورية  التي صاغتها الاوليغارشية الخازنية مع كبريات شركات الانتاج في اوروبا على حساب عرق ودم عناصر الانتاج المحلية !!!
طانيوس شاهين سعادة الريفوني ساهم في اشعال الحرب الاهلية عام ١٨٦٠ ،عندما اعلن ان مهمته الجديدة القضاء على الاقطاع الدرزي ،وانه جاهز لتجنيد خمسين الف مسيحي لحماية المسيحيين .
وهو نفسه هاجم بيت مري بداية الحرب حيث جرت اولى المواجهات الدموية بين الموارنة والدروز .


الجزء الثاني :
يوسف بك كرم