بيروت | Clouds 28.7 c

...كبرياء يساري لا يخشى الموت من بلدة عيترون/ كتب: الدكتور احمد عياش

 

...كبرياء يساري لا يخشى الموت من بلدة عيترون/ كتب: الدكتور احمد عياش

الشراع 3 تموز 2024

 

لكنّه عاد،عاد حسين الشيوعي من كندا ،مبتعداً عن اولاده، متذمراً من الهدوء ومن النظافة المفرطة ومن حقوق الإنسان ومن الحريات.
الحرية في عيترون أرقى.
 لا تعجبه كندا ، يفضّل عليها بلدته عيترون اللبنانية المتاخمة لشمال فلسطين.
إن جلست معه، يحدّثك عن مناخها المميز ، عن موقعها الاستراتيجي بين الرياح والانوار والتلال والغيوم والسهول والنجوم.
يصرّ ان يقنعك ان قمر عيترون ليس نفسه قمر مونتريال،ان أقمار البلاد كلها مختلفة الا قمر عيترون كاد ان يكون الهاً.
على الرغم من  تخطّيه الستين عاماً، ما زال يفضّل طعم التفاح والخيار والبندورة المقطوفين ليلاً من دون علم اصحابها، على اي طعم حلال آخر في اي مأدبة وحتى اثناء لعبه الليخة والباصرة مع رفاق سابقين ،ومنهم من ارتدّ راسمالياً ومنهم من ارتدّ إلى الحركات الطائفية ،ومنهم من آمنوا بمبادئهم فاستمرّوا يساريين قلباً وروحا وتراباً.
يخبرك انه ليس الوحيد المبتلي بحبه لعيترون بل ان هناك مثله من عادوا من استراليا ومن افريقيا ليلتقوا ،وفقط ليلعبوا القمار  معاً و لو على حبات لوز او جوز  ..وليمضوا الليل كلّه صراخا واتهامات وشجاراً  ولينتهي اللعب افتراقاً بعنف مع بزوغ الضوء، على قَسمٍ بعدم  اللقاء أبداً الا انّهم يعودون،كالنسيم يعودون مع حلول العتمة ضاحكين ليجلسوا حول طاولة اللعب ،و ليتعاركوا وليفترقوا على قَسمٍ آخر  و من جديد عند بزوغ الضوء .
ظريف هو، فكاهيّ السرد للحكايا، قراءاته للأحداث الاجتماعية صائبة،تحليلاته السياسية مفيدة و من سيئاته انه صريح، صريح حتى العظم،يقول ما يفكربه من دون مكر، واضح في اعادته لذكرياته، يهنىء نفسه انه لم يُقتل في المعارك التي خاضها حزبه ..ليس محبة بالحياة بل فقط لأنه قد فوّت  الفرصة على رفاقه السابقين الزعران فلان وفلان وفلان و"علتان"  بالحزب ان يتحرشوا عاطفياً بزوجه بعد رحيله.
ما قتل حسين على تلال عينطورة او بدادون او الخيام او عيترون ،الا ليفوّت الفرصة العاطفية عن رفاقه.
هكذا يقول ويكرر  انه لم يسقط   لا نكاية باليمين ولا نكاية بالمخابرات السورية ولا نكاية بالتنظيمات الطائفية.

البارحة اخبرنا حسين انه قبل ايام شعر بدوار قوي وفقد توازنه وسقط على ارض "حمّام" منزله بين المغسلة والمرحاض والصنبور..  و انّه شعر بدنو الموت سريعاً  ،وهو وحيد في منزله، غير قادر على الصراخ لطلب النجدة ،حتى هاتفه كان بعيداً عنه  ما اضطره الى الاستنجاد بقوة بالربّ ،ولأوّل مرّة في حياته، لكي يساعده لكي ينجّيه ولو زحفاً زحفاً نحو السرير.
صار الزحف نحو السرير هو الأمنية الأخيرة،شرح لنا بالتفصيل كيف زحف بصعوبة ،متقيئا على الدرب بين الباب وزاوية الغرفة، بين اليقظة والغياب عن الوعي مع خفقات قلب سريعة مؤلمة بين الأضلاع كضرب السكين في عمق الصدر ،حتى اعتلى السرير وتمدّد، هنا، يصمت قليلاً ليتنهد وليهز برأسه يميناً وشمالا ،مؤكدا لنا انه في لحظة تمدّده على السرير، سمع الربّ يسأله:
-"يا رفيق حسين ،يا إنسان لماذا استنجدت بي في أحلك دقيقة من عمرك، بين الحياة والموت؟"
صمت الجميع قبل أن نسأله وهل اجبت الرب يا حسين؟
اجاب الرب همساً في الليل، مثمّنا وشاكراً ايّاه مساعدته التي لن ينساها ،لا في كندا ولا في لبنان ولا في الشام ولا في سائر المشرق ،حتى لو عاتبه الاتحاد السوفياتي كلّه..
 قال انّه اوضح للربّ بأنّه خشي وخاف وعزّ عليه ان يدخل بيته  شباب من حركةامل ،مع شبيبة من حزب الله و معهم بعض المخاتير والامنيين ليجدوه ميتاً بين المغسلة والمرحاض فيخبروا الناس :ان حسين الذي لطالما قالوا عنه سكّير ،لاعب قمار، الشيوعي الذي لا يساوم،  مات كميتة الكلب  في الحمّام ، ان حياته انتهت بذل الهي ،لذلك استبسل للوصول الى السرير نكاية وكيداً بهم جميعا ،وحتى نكاية بالعدو الاصيل الغاشم  ،ليموت على "فرشته"، ما يرغمهم على القول لاهل عيترون  ان حسين الشيوعي" اللي عامل السبعة وذمّتها بحياته"   مات المحتال على سريره ،كما يموت الأدباء والشعراء والفلاسفة مسرورا بموته،مبتسما لحياته، ميتة  راقية و هادئة ، موت بكبرياء بطل،  موت يَحسده عليه كل المؤمنين المتدينين حاملي المسبحة  في عيترون ،لتتناقل الناس خلال العمر كلّه خبرية:
"نيالو حسين الشيوعي على هالموته ...ما اجملها" .
أطال الله بعمر ابو اسعد.
وردة و دمعة وضحكة أكان في كندا او في لبنان او في الشام او في سائر المشرق.
#د_احمد_عياش.