بيروت | Clouds 28.7 c

"الحريديم أزمة الداخل الإسرائيلي" /كتب: محمد المشهداني

 

"الحريديم أزمة الداخل الإسرائيلي" /كتب: محمد المشهداني

الشراع 4 تموز 2024

 

انها جماعة يهودية متشددة ،تنعزل في طقس خاص من حياتها في داخل المجتمع الصهيوني ،ويطلق على الفرد منهم إسم الحريدي يعني "الورع "المعتكف عن الناس والملذات والشهوات  ويلتزمون دراسة أدق تفاصيل التوراة في مدارس خاصة بجماعتهم ..ومنذ إنطلاق الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر ،رأت الجماعات والحركات الحريدية بمشروع بناء دولة تضم كل يهود العالم تهديدا خطيرا لها، معتبرة الحركة الصهيونية حركة تضم كفارا في الدين ،يهدفون في إقامة دولة علمانية تتعارض مع أسس اليهودية .ومع مرور الوقت ذاب الحريديم في مشروع العدو الإسرائيلي عبر منظومة من الأمتيازات أهمها :الإعفاء من الخدمة العسكرية .و فيما أعترضت فئات منهم على الإنضمام لإسرائيل على غرار حركة جماعة "ناطوري كارتا "ويتمركز الحريديم في حارات وأحياء البلدة القديمة في القدس المحتلة  وتل أبيب ..ومعظمهم لا يعملون إلا في المهن الدينية ،التي لا تكفي حاجاتهم المعيشية.  
ورصد العدو الإسرائيلي ما يقرب من ملياري دولار ضمن ميزانيات عامي 2023_ 2024 ضمن مخصصات تقديرية للمجتمع الأرثوذكسي المتشدد في الكيان تشمل تمويل مدارسهم الدينية وطلابهم ،وحتى تزويد الأسر بقسائم غذائية .وعلى الرغم من انهم يشكلون من عبء على المجتمع ..أضحوا يمثلون الآن أكثر من 14 بالمئة من المستوطنين اليهود في الكيان الصهيوني ، وأما نسبتهم في الكنيست فوصلت إلى 16 بالمئة ،وبلغ عدد ممثليهم 18 عضوا من أصل 120 مشكلين قوة سياسية كبيرة في الداخل الصهيوني . 
وفي 30 أبريل/ نيسان العام 2021. قتل 45 مستوطنا متطرفا وأصيب أكثر من 100 شخص آخرون في حادث تدافع في جبل الجرمق ،أثناء إحتفال ديني سنوي للحريديم و بعد مرور ثلاث سنوات نشرت لجنة التحقيق الرسمية تقريرها محملة رئيس وزراء العدو الإسرائيلي بنيامين نتانياهو المسؤولية بدعوى أنه وافق على طلب الحريديم إقامة طقوسهم  في الموقع على الرغم من علمه بأنه غير مؤهل لإستقبال إعداد كبيرة .وأعطت هذه القضية لمحة عن حقيقة العلاقات بين بنيامين نتانياهو و "الحريديم" ،و رأت من خلالها أوساط سياسية إسرائيلية أنه لا يرفض لهم طلبا ،وأنه يخضع لابتزازهم حفاظا على حكومته ..وهذه علاقات تتجلى بصورة أوضح في الائتلاف الحكومي الذي يجمع بنيامين نتانياهو بحلفائه من اليمين المتطرف وعلى رأسهم "الحريديم "الذين ينقسمون إلى حزبين إثنين :
١-حزب بهدوت هتوراة ، ولديه سبعة مقاعد 
٢-حزب شاس الحاصل على 11 مقعدا في الكنيست . 

وفي العام 2015. ألغت المحكمة العليا للعدو الإسرائيلي قانونا يقضى  بإعفاء "الحريديم "من الخدمة العسكرية عملا بمبدأ المساواة ،وعلى الرغم من ذلك واصل الكنيست تمديد إعفاء "الحريديم" من الخدمة العسكرية ويتمكن هؤلاء  من تجنب التجنيد عند وصولهم إلى عمر 18 عاما ،وعبر الحصول على التأجيلات المتكررة لعام واحد بحجة الدراسة الدينية إلى حين بلوغهم عمر الإعفاء من التجنيد، وهو في عمر 26 عاما وعقب حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة ..طالبت عدة قوى شعبية وسياسية إسرائيلية  بضرورة تجنيد "الحريديم" أسوة  بأبنائهم الذين يقتلون في الحرب .وفي شهر مارس/ آذار من العام 2024. إنتهى سريان أمر أصدرته حكومة بنيامين نتنياهو   بتأجيل تطبيق التجنيد الإجباري على "الحريديم"بما دفع المحكمة العليا للعدو الإسرائيلي إلى الضغط على بنيامين نتنياهو لإصدار أمر يطالب فيه توضيح سبب عدم تجنيد "الحريديم "وفي 10 من شهر يونيو / حزيران صوت الكنيست لصالح أحياء مشروع قانون التجنيد يمنح فيه "الحريديم "إستثناءات تخص الخدمة العسكرية ومن شأن مشروع القانون الجديد الذي تجري مناقشته أن يخفض عمر إعفاء "الحريديم "من 26 إلى 21 عاما. و مما أثار موجة غضب حادة في الداخل الإسرائيلي وإتهامات لبنيامين نتنياهو وصلت إلى حد التخوين له . 
وإن المعارضة وصلت إلى أبواب حزب الليكود الذي يقوده  نتنياهو في إعلان يائير  بركات وزير الإقتصاد إعتزامه وأعضاء من الحزب رفض القانون مما دفعت التهديدات إلى الطلب من شركائه في ضبط النفس والحفاظ على إئتلافهم.  

و مراكز اليهودية الحريدية موجودة في مدينة القدس المحتلة في حارة مئة شعاريم ، وفي حارات يهودية أخرى، في مدينة بني براك المجاورة لمدينة تل أبيب من جانبها الشرقي، وفي بعض حارات مدينة نيويورك.

و لم يكن  اليهود الحريديون من مؤسسي الحركة الصهيونية والكثير منهم عارضوها بشدة في مراحلها الأولى ،لاعتبارها حركة علمانية تهدد الحياة اليهودية التقليدية. أما اليوم فمعظمهم يؤيدون دولة إسرائيل ويتعاونون معها، باستثناء مجتمعات معينة مثل حركة "ناطوري كارتا "ما زالت معارضة بشدة لمؤسسات الدولة وترفض التعاون معها. وكان أحد قادة ناطوري كارتا الحاخام موشيه هيرش وزيرا في السلطة الوطنية الفلسطينية ويعمل في الشؤون اليهودية. 
الأغلبية الساحقة من اليهود الحريديين يفضل عدم الخدمة في الجيش الإسرائيلي، أما الدولة فتوافق على إعفاء أبناء الطائفة من الخدمة العسكرية، مع أن هذه السياسة تثير الجدل في المجتمع الإسرائيلي، غير أنه تم إنشاء كتيبة في جيش الدفاع الإسرائيلي تحت بيرق نهال ويمسى بنهال حريدي خصصت هذه الكتيبة للمتدينين الراغبين في الخدمة العسكرية كحل وسط من الحكومة حيث تراعي هذه الكتيبة متطلبات الحياة الدينية للمتدينين. 
من ناحية أخرى الأصوليون اليهود ليسوا قدريين بمعنى أن اليهود يؤمنون بضرورة أن يكونوا عوناً لله في عملية إصلاح العالم، ولذلك فمن العناصر الأساسية في رؤيتهم للعالم ،اعتقادهم أن نجاح الجهود الرامية إلى تحقيق بعض الأهداف السياسية الضرورية للخلاص يتوقف على رؤية القادة اليهود وإحساسهم بمقتضيات الحياة ولاسيما الإيمان الأعمى ،والانضباط الروحي للشعب اليهودي ككل. ويترتب على ذلك أن كل الاتصالات السياسية بالبيئة الدولية لا تفسّر كفرص سانحة لتكيف الموارد مع الأوضاع المتغيرة، بل اختبارات لبصيرةاليهود.

الحريديم والعلمانيون 
————————
الجذور التاريخية لهذا الصراع ،بدأت من مرحلة ما قبل قيام الكيان ، وقد وجدت هذه الصراعات بسبب الأمر الواقع الذي بدأت دولة الشر إسرائيل عند قيامها فيما يتعلق بترتيبات الدين وممارسة الشعائر الدينية، فالقوانين التركية والبريطانية تركت قوانين الأحوال الشخصية في يد الزعماء الدينيين لكل طائفة، وهو الأمر الذي استمر عند قيام "إسرائيل، "بما يتضمن أن قوانين الزواج والطلاق تخضع للقانون الديني ،في حين لا يوجد زواج مدني، ولا زيجات مختلطة. هذا الأمر يتضمَّن أيضاً أن يوم السبت عطلة رسمية، وأن المطاعم المدعومة من الدولة ستلتزم بالقوانين الغذائية اليهودية، وأن لجميع الآباء الحق في إرسال أبنائهم إلى المدارس العامة أو إلى المدارس الدينية، وأن طلاب الأخيرة لا يخدمون في وحدات الجيش. 
و من مميزات هذا الصراع أنه صراع طويل جعل كلا المجتمعين، الديني والعلماني، يسعى إلى تحصين عالمه على نحو يمكنه من العيش وفق رؤيته هو لا وفق رؤية الطرف الآخر، وهذا يعني محاولة كل طرف الوصول لمرحلة انعزال كل مجتمع عن الآخر، والتوقف عن محاولات التأثير والاستقطاب بين المجتمعين، وهو ما أوصل المجتمع الإسرائيلي في نهاية التسعينات إلى الاتجاه أكثر نحو الفصل التام بين المجتمعين، وتخصيص مناطق سكن معزولة "للحريديم "خصوصا في القدس. كل هذه الأمور تجعل قراءة مستقبل المجتمع الإسرائيلي وهويته بين الدين والسياسة أمراً صعباً، لأنها تجعل من إسرائيل دولة غير قادرة أن تكون دولة يهودية ضمن المفهوم الديني، ولا أن تكون دولة علمانية وفق ما تتطلبه العلمانية من مفاهيم. فالطرفان حاربا من أجل الأهداف نفسها وفق ما ترويه التوراة والتلمود والتراث اليهودي، وما يحدث هو محاولة لإدارة الصراع على شكل الدولة والهوية، ولم تشهد "إسرائيل" أو الحركة الصهيونية أيّة محاولة لإنهاء أو حسم الصراع الديني العلماني. 
ولا شك أن هناك كمية كبيرة من العزلة الاجتماعية تتميز بها العلاقات الاجتماعية العامة في الكيان  بين المتديّنين وغير المتديّنين، كلا الفريقين يفضل الاتصالات الاجتماعية مع أشخاص من مستويات مماثلة من التديُّن. 
يعتبر "الحريديم "أنفسهم أقلية عددية بين اليهود، لذلك فهم يرغبون بالانسحاب من الحياة العامة من أجل الحفاظ على نقاء هذه الأقلية، وتسعى إلى بقاء مجموعتها. أما على المستوى السياسي فهم لا يريدون الحصول على الحقوق كأقلية دينية، إنما يسعون لتغيير تعريف الدين ودوره في الحياة لتطبيقه واعتماده من قبل الدولة. 
المناوشات تستمر بين المعسكرين وتتصاعد بشكل دوري من الأقوال إلى الأفعال لتشمل استخدام الأسلحة والحرق وأعمال الشغب وتدمير الممتلكات العامة والعديد من الأعمال التي من شأنها الإضرار بالنظام.

أحزاب الحريديم السياسية
و يمثل جمهور المتدينين الحريديم عدة أحزاب بناء على الأصول الإثنية للحريديم،  أن الحريديم الأشكناز تمثلهم كتلة يهودية التوراة أو يهودات هتوراه المنبثقة من أغودات إسرائيل التاريخي وهديجل هتوراة  والحريديم الشرقيين الحريديم الشرقيين يمثلهم حزب شاس. 
وقد حققت يهودات هتوراه التي تم تأسيسها عشية إنتخابات العام 1992، في إنتخابات الكنيست العام 1992 ب4 مقاعد، وفي العام 1996 ب4، وفي 1999 ب5، وفي 2003 ب5، وفي 2006 ب6، وفي 2009 ب5 مقاعد. لكنها في الوقت نفسه ترفض الكتلة المشاركة بأيّة مناصب وزارية، لكنها تشارك في الحكومات الائتلافية من خلال تولّي منصب نائب وزير، أو لجنة برلمانية مهمة. ويعود السبب في رفضها تولي حقائب وزارية إلى عدم رغبتهم بأن يكونوا شركاء في المسؤولية السياسية عن قرارات تتناقض مع مضامين الشريعة اليهودية المتشددة.


محمد المشهداني _ الشراع