بيروت | Clouds 28.7 c

قالت العرب بنيت الحكمة على ثلاث فصاحة لسان العرب ورجاحة عقل الإفرنج ومهارة يد أهل الصين

 

قالت العرب بنيت الحكمة على ثلاث فصاحة لسان العرب ورجاحة عقل الإفرنج ومهارة يد أهل الصين / كتب: عبد الهادي محيسن

الشراع 1 تموز 2024

 

لقد قيل في العرب أنهم شعب من الشعراء والأنبياء ، فأينما ذهبوا وجدت شعرهم شاهدا عليهم ، وأن الأنبياء الثلاث كانوا من العرب فالنبي موسى كنعاني عربي والمسيح عليه السلام آرامي عربي والنبي محمد (ص) من العرب العاربة ، هذا عدا من ادعى النبوة من العرب وهم كثر عبر التاريخ ، أما بالنسبة الى الشعر فالقدرة على النظم عندهم علامةٌ فارقة على الرجل المثقف فيهم وحتى اليوم تلاميذ المدارس يحاولون الإنشاء نظما ونثرا .

ففي العراق والشام والأندلس تتدفق أبيات الشعر كما تتدفق في شبه الجزيرة العربية وشمال أفريقيا ، إن السرور المحض بعذوبة الألفاظ وبسلامة التركيب قد تملّكَ المتكلمين بالعربية في جميع العصور ، وقد كان ابن خلدون لا يرى في الشعر شيئا أهم من الأسلوب والوزن والقافية ، ومن مآثر الإمام علي وهو من الخلفاء الراشدين موهبَتهُ الشعرية ، ومثل ذلك كان يصدق على عبد الرحمن الداخل أول الأمراء في الأندلس وعلى نفر من الذين جاؤوا الى الإمارة أو الخلافة من بعده .

والشعراء الذين نشأوا في المغرب قد نشأ فيهم حس مرهفٌ لإدراك جمال الطبيعة فعالجوا الأغراض من الأزهار والأشجار والفصول الأربعة بطريقة لم تُعرف في المشرق ، وجاء هؤلاء بالغزل الجميل اللطيف وبالعاطفة الوجدانية الرقيقة ثم عبّروا عنها بلغة آنق وأحسن صقلاً ، وهذه الخصائص تمثلت في شعر ابن زيدون الذي عاش 1003م 394هجرية الى عام 1070م و463هجرية .

ولد ابن زيدون في قرطبة في أسرة نبيلة يتصل نسبها بالأمويين أمراء الأندلس ، وكان شاعراً موهوباُ حاز الشهرة في الشعر وهو في العشرين من عمره وكان له مثل هذه الشهرة في النثر الفني ، وتولى ابن زيدون الوزارة كما قضى مدة ً في السجن بسبب نشاطه السياسي ثم عاد الى الوزارة والسفارة ، وفي هذه الأثناء كان ابن زيدون قد تيّم بحب ولاّدة بنت الخليفة المستكفي وكانت شاعرة ، فكتب إليها من السجن عددا من أرق القصائد ومنها هذه القصيدة ومطلعها :

إني ذكرتكُ بالزهراء مشتاقا          والأفقُ طلقٌ ووجهُ الأرض قد راقا

وللنسيم اعتلال   في أصائله          كأنما   رقّ   لي   فاعتل     إشفاقا

والروضُ عن مائِهِ الفضي            مبتسمٌ كما  حللتِ عن اللبات أطواقا

ومن أنواع الشعر نوعان اخترعهما أهل الأندلس : الموشح والزجل ، وكلاهما كان وجدانياً مبنيا على مطلع يتكرر في آخر كل دور ويسمى لازمة وكان الغرض الأساسي من الموشح والزجل هو " الغزل " ، والموشح نسبةً الى الوشاح الذي تلف المرأة به كتفيها .

أما الذي صنع الزجل فكان الشاعر الدوار ابن قُزمان القُرطبي المتوفي عام 1160م 555هجرية والذي كان يدور من بلدة الى بلدة يتغنّى بمتع الحب وينشد المدائح في العظماء وهو الذي رفع قول الزجل الى مستوى أدبي له منهجه وأصوله في اللغة العامية كما هو معروف اليوم في بلاد الشام .

وانتقلت عدوى الشعر الزجلي الى شمال إسبانيا وقشتاليا والى جنوب فرنسا ، وقد أثار إعجاب النصارى الإسبان والفرنسيين .

وقد ظهرالشعر الزجلي البروفنسالي ( الفرنسي القديم ) في جنوب فرنسا متكاملاً في أعقاب القرن الحادي عشر للميلاد الخامس للهجرة ، يتغنى بالغزل الأفلاطوني ( العفيف ) في الأكثر ومزخرفا بكثير من الأخيلة البارعة التي توحي بالأثر الشرقي العربي ، وهذا الشعر الفرنسي الباكر ، كان في بنائه تقليدا للأوزان التي جاء بها الأندلسي ابن قزمان في أزجاله .

ثم كثُر هؤلاء الشعراء المنشدون والذين كانوا يُدعون " تروبادور " ، وهكذا نشأ فن الولاء للمرأة في الشعر تقليدا لما كان عند العرب من هذا الفن ثم انتشر في بقية أنحاء أوروبا ، ومع الشعر الوجداني انتقلت الموسيقى أيضا من الأندلس الى فرنسا وإيطاليا ، حيث كان الشعراء المنشدون من المسلمين يحملون آلاتهم الموسيقية ويجولون في تلك المناطق .

ومن هذا الآلات اثنتان : العود والربابة وقد ساعدتا كثيرا في رُقيّ فن الموسيقى في جميع أنحاء القارة الأوروبية ، وقد كان العود بارزاً جدا في العزف المنفرد وفي العزف الجماعي ، أما الربابة وهي آلة موسيقية من ذوات الوتر ، فقد كانت الأب الروحي والسلف الأول للأنواع المختلفة من الكمان الغربي والكمنجة - الفيولين .

ومن الآلات الموسيقية التي تدل أسماؤها على أصل عربي : غيتار وقانون وتمبال من قيثار أو قيثارة ومن قانون وطبلة ، وبينما كان الشعراء المنشدون ينشرون فن الموسيقى في القارة الأوروبية كانت الجامعات في قرطبة ( عاصمة الأندلس ) وفي غيرها من المدن الكبرى تُعلّم النظريات الموسيقية كما استخرجها الكندي والفارابي وابن سينا .

عبد الهادي محيسن ... كاتب وباحث