بيروت | Clouds 28.7 c

مقترحاتٌ إسرائيلية بائسةٌ للنجاة بنفسها بتوريط غيرها / بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

مقترحاتٌ إسرائيلية بائسةٌ للنجاة بنفسها بتوريط غيرها
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
الشراع 1 تموز 2024

 

لم يتوقف الحديث عن "اليوم التالي" في قطاع غزة منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي، وبات سؤالاً محيراً وكأنهم كانوا يعرفون ابتداءً أنه سيكون يوماً عصيباً ، ومكلفاًولن يكون وحده قادراً على دفع فاتورتها، ، والتعامل مع نتائجها ، وأن الإجابة عليه لن تكون سهلة ولن يستطيع عليها منفرداً أو يكون فيها حراً، وسيلزمه  للنجاة  منه الكثير من الجهد ، والتعاون والتآمر، والعديد من الشركاء.

لعلهم أكثر من يعلم من خلال التجربة والخبرة، أن أرض غزة التي انسحبوا منها مبكراً، ولعنوها كثيراً خلال سني احتلالهم البغيض، وعانوا فيها وتكبدوا الكثير من الخسائر على أرضها، وعجزوا عن القضاء على مقاومتها، أنها ستكون سبخةً جداً،
حول هذه  المعضلةسال حبرٌ كثيرٌ في بيانه، وجعجع الكثيرون في عرضه واستحسانه، وظنوا أن اليوم التالي لعدوانهم سيكون يوماً صحواً مشرقاً، وكثرت للإجابة عليه الكثير من الأفكار والرؤى، ولكن أياً منها لم ينضج، والكثير منها وصف بالعدمية و، ويبدو أن لا أحدلديه القدرة أو الرغبة في  التعاون معهم، 

تنطع بعضهم فرأى أن إعادة احتلال قطاع غزة، وبسط السيطرة الأمنية والعسكرية عليه، وإعادة بناء المستوطنات، وتشجيع المستوطنين للإقامة فيه، إلى جانب تفعيل "الإدارة المدنية الإسرائيلية" القديمة، وتجديد دورها، الذي  كان لها قبل العام 1993، ومنع نشوء أي سلطة فلسطينية محلية، وطنية أو عشائرية، وعدم السماح بعودة السلطة الفلسطينية،  في غزة، أنه الحل الأمثل .

في حين رأى آخرون أنه يمكن بعد تقويض حكم حركة حماس، والقضاء على قدراتها العسكرية، وتفكيك بنيتها التنظيمية والمدنية، تسليم إدارة شؤون المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة إلى العشائر الفلسطينية، وبعض الشخصيات الاعتبارية المتعاونة معهم، في محاولةٍ لاستنساخ صورة عن "روابط القرى" التي فشلت في سبعينيات القرن الماضي، في ظل احتفاظ جيش الاحتلال بحرية العمل العسكري والأمني في قطاع غزة، ضد أي أهدافٍ يرى أنها تهدد أمنه، للحيلولة دون تمكن المقاومة الفلسطينية من إعادة بناء قدراتها، وترميم قوتها العسكرية، مخافة تكرار "طوفان الأقصى" من جديد.

وخلال زيارة وزير حرب العدو إلى واشنطن اقترح على الإدارة الأمريكية، المساعدة في تقسيم قطاع غزة إلى 24 منطقة أمنية، وخلق فقاعات وغيتوات مغلقة، يدخل إليها ويعيش فيها المدنيون الفلسطينيون، ممن لا علاقة لهم بحركة حماس، أو أيٍ من القوى الفلسطينية الأخرى، يتعهد خلالها جيش الاحتلال بالعمل على مدى سنتين في كل أنحاء قطاع غزة، خارج مناطق العزل والفقاعات الأمنية ضد حركة حماس، بينما تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل تحالفٍ دولي وإقليمي للمساهمة في استقرار الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، وضمان حياة لائقة ومناسبة للمواطنين الفلسطينيين.

أما الإدارة الأمريكية الشريك الرئيس في العدوان على قطاع غزة، فهي تحاول إنشاء وتشكيل تحالف عربي، عماده مصر ( القاهرة سارعت إلى النفي )
والأردن ودولة الإمارات العربية ، يتحمل كامل المسؤولية عن قطاع غزة، ويدير شؤونه ويلقى الدعم المادي والسياسي من المجتمع الدولي، على أن تكون مهمته الأساس إلى جانب إدارة القطاع، نزع سلاح المقاومة، وتفكيك البنى العسكرية، ومنع أي محاولة لبناء القوة وتهديد الأمن الإسرائيلي.

على الرغم من العنجهية الإسرائيلية التي رأيناها وما زلنا، على لسان نتنياهو وأقطاب حكومته اليمينية المتطرفة، وأعضاء مجلسه الحربي الفاشل، ووزير حربه المريض، إلا أن المستويات الإسرائيلية على اختلافها، كانت تدرك أنها في ورطة، وأن الخروج من قطاع غزة لن يكون سهلاً كما كان الدخول، وأنهم في حاجةٍ إلى مخرجٍ من الأزمة، وإلى حليفٍ يمد لهم يده، أو جيرانٍ يتعهدون بالتعاون معهم، ومساعدتهم في سد الفراغ والنهوض بالمهام بدلاً عنهم، ولهذا فقد ارتفعت أصواتٌ أخرى تنادي بالنجاة ولو بالهروب، وتسعى للسلامة ولو بالانسحاب الأحادي، وتفضل الصفقة المُرْضِية على الحلول المَرَضية.

لا يبدو أن أحداً، ممن يرى ضعف الكيان، يبدي استعداداً أو رغبةً للتعاون معهم،  كرمى لهم.

فهم جميعاً يعلمون أن الكيان الصهيوني يغرق، وأنه يخسر، ولا يستطيع البقاء أكثر، أو الصمود أمام المقاومة التي باتت تفاجئه وتقهره، ولا أمام الشعب الذي يصر على البقاء ويصارع من أجل الثبات، وأنه يستصرخ الآخرين للنجاة بنفسه، ويستغيث بهم للخروج من مأزقه، ويطالبهم بمد يد العون له، أمام الشعب ومقاومته، الذي يصر أن يكون اليوم التالي يوماً فلسطينياً خالصاً له ولا شريك معه، بصناعةٍ فلسطينية، وبأيدي ووجوهٍ وطنيةٍ فلسطينية، صادقةٍ مخلصةٍ، وحرةٍ مستقلةٍ.
 
استانبول في 30/6/2024
moustafa.leddawi@gmail.com