بيروت | Clouds 28.7 c

شفيق الحوت... مناضل وأديب فلسطيني رومانسية الوطن تحولت إلى إحباط ونقمة / بقلم عرفان نظام الدين

 

رسائل وبصمات مشاهير الزمن الجميل

شفيق الحوت... مناضل وأديب فلسطيني 
رومانسية الوطن تحولت إلى إحباط ونقمة / بقلم عرفان نظام الدين

الشراع 12 شباط 2025

 

يقول المثل الشعبي في بلاد الشام: "لا تاخد صاحب إلا بعد قتلة"، ومعناه واضح. وهذا كان حالي مع المناضل الفلسطيني والأديب والكاتب الساخر شفيق الحوت، الذي كان مديراً لمكتب المنظمة وعضواً في القيادة ومنسّقاً مع الدولة اللبنانية خلال وجود المقاومة والعدوان الإسرائيلي، ولعب أدواراً وطنية فاعلة. لكن رومانسيته الوطنية لم تمنعه من رفض الواقع والفساد والخلافات بين الفصائل.

جَمَعَ شفيق الحوت (1932-2009) بين النضال السياسي والعمل الصحافي، وكان في الحالتين صادقاً ومخلصاً حتى العظم. وقد برز اسمه في مهنة المتاعب على صفحات جريدة "المحرّر" اللبنانية، إذ كانت له زاوية ساخرة قصيرة، من فقرة أو فقرتين، بعنوان "على مزاجي" يذيّلها بتوقيع "ابن البلد". وكان قلمه الرشيق يوقظنا من نوم عميق، فيما الأعداء على أبوابنا. 

عرفتُ الحوت، وهو مناضل فلسطيني يحمل الجنسية اللبنانية، خلال إقامتي في بيروت، ولكن تعرّفت عليه أكثر في لندن عندما جاء ليحضر ندوة نظمها مركز الدراسات العربية بمشاركة عدد من الوزراء والشخصيات البريطانية المؤيدة للعرب. وبعد كلمة رئيس المركز عبدالمجيد فريد، يبدو أن شفيق كان يشعر بألم شديد لما جرى في بيروت بعد مذبحة صبرا وشاتيلا ومسؤولية الغرب في دعم إسرائيل ومسؤولية بريطانيا في إعلان "وعد بلفور"، فألقى كلمة نارية هاجم فيها بريطانيا والبريطانيين وغلبته العاطفة فقال: "أنتم السبب في كل ما وصلنا إليه، نكرهكم... نكرهكم...". فتوتّرت الأجواء واستغرب الحضور منه هذه الهجمة، كما فوجئنا نحن بها، لأن جميع الحاضرين كانوا من الأصدقاء المدافعين عن قضايانا، ولكن شفيق أراد أن يتحدث بشكل عام فخانته العبارة فلم يستثن الأصدقاء والمتفهّمين لوضعنا. 

ككان من واجبي المهني أن أنشر ما جرى، خصوصاً أنه أحدث ضجة كبرى بعدما تدخّلت السيدة سهى فريد لتهدئة الأجواء بإلقاء كلمة برّرت فيها كلامه وحاورته قليلاً لتذكره بأن هؤلاء أصدقاء العرب، فتفهّم الوضع وأبدى أسفه لما قال.

نشرت "الشرق الأوسط" ما جرى، فإذا بالأخ شفيق يتصل بي ويعاتبني ويرجو أن أصحح الوضع حتى لا يُسيء ذلك إلى صورته أو مواقفه، فقلت له: "بدلاً من أن نصحّح الوضع، لماذا لا نكسبك عندنا وتكتب مقالاً أسبوعياً؟" (وكنتُ أعرف أن وضعه المالي صعب جداً لأنه إنسان شريف، ولكن مرت عليه ظروف الحرب وكانت منظمة التحرير الفلسطينية أيضاً شحيحة عليه، مع أنه كان في مرتبة سفير، إلى أن قطعت عنه الرواتب  في فترة من الفترات).

وبالفعل التقينا، وبعد حوار اقتنع بدعوتي وبدأ يكتب زاوية أسبوعية كان لها صدى واسع في العالم العربي، نظراً إلى ما يتمتع به قلمه من رشاقة وقدرة على التعبير. وما لبثتُ أن حصلتُ منه على مذكراته وتصالحنا وتصافينا وأصبحنا من أعز الأصدقاء والأخوة. وكان في كل مرة يزور لبنان ألتقيه لساعات في حوار الذكريات وأحاديث الحاضر والمستقبل.

بعد فترة من الزمن التقيته وكان حزيناً وصامتناً على عكس عادته، وعندما حاولت أن أحصل منه على وعد باستئناف الكتابة،  قال لي والدمع في عينيه: "صدقني إني وصلت إلى حالة القرف التام، فقد فقدت شهية الكتابة وشهية الأكل وشهية كل شيء، فالمعاناة قد تدفع الكاتب أو الفنان إلى الإبداع، لكن المعاناة وصلت إلى حالة يصبح فيها الصمت أكثر فأكثر معبّراً عن الألم وجراح الأعداء والأصدقاء، فماذا تريدني أن أكتب؟ ماذا أقول، وما هو المسموح وما هو الممنوع؟ وأين الخطوط الحمر والخطوط الخضر؟".

بعد غدٍ:
رباعية القمة بين عبد الوهاب وأم كلثوم
وفيروز والرحابنة وفريد الأطرش