الحب بين القصص الخرافية والحياة الواقعية / كتب الشيخ حسن حمادة العاملي
الشراع 14 شباط 2025
هي قصص العشق المغشوش التي تخالج عقول أغلب الفتيات قصص لا تعدو كونها خيال يسرحن فيه فيرسمن حياة وردية وهمية بعيدة كل البعد عن فلسفة الحياة الواقعية حياة مزيّفة لا وجود لها إلا في بطون بعض الكتب والروايات والأساطير وما ان يستيقظن من سباتهن العميق حتى يصطدمن بواقع مرير لا يمت لأحلامهن بصلة.
بانتظار فارس أحلامها القادم على حصان أبيض، تقبع الفتاه (المتأثرة بحكايات الأميرة النائمة وسندريلا وبياض الثلج) في بيت ذويها وما ان يتقدم لخطبتها صاحب النصيب حتى تطلق لمخيلتها العنان نحو مستقبل خارج حدود الواقع، مستقبل لا يعدو كونه سراباً يتلاشى شيئاً فشيئاً أمام حقيقة الحياة الممزوجة بعبء المسؤولية وعرق التعب وبذل التضحيات، ليتحوّل -غالباً- الحب نفسه الذي اعتقدت به إلى كابوس يلاحقها طيلة حياتها.
امتحان شاق يصعب تجاوزه ما لم تفهم الفتاة وكذلك الشاب معنى الحياة وفلسفة الزواج والغاية المنشودة منه وحجم المسؤوليات المترتبة عليه. وهذا الدور(التوعية والتوجيه والإرشاد) يقع على عاتق الأهل إبان مرحلة البلوغ والمراهقة وأهل الاختصاص من رجال دين واعلاميين ومختصين...
ومع غياب أو تغييب هذا الدور لأسباب عديدة (أبرزها تردّي الأوضاع الاقتصادية والأمنية وانعكاسها على المجتمع) نرى غالبية الشباب والشابات غارقين في وحول الجهل مما يؤدي إلى رفع نسبة العنوسة وزيادة حالات الطلاق وانتشار للأمراض النفسية المؤدية إلى الاكتئاب والإدمان...
زينب امرأة ثلاثينيّة تعرّفت على طليقها قبل عشر سنوات حيث كانت طالبة جامعيّة، وصار يتردّد إلى منزل ذويها بصفته صديقاً لشقيقها الأكبر، تقول: "كان صديقًا لأخي، لم أكن أتوقّع يوماً أنّه سيكون سبب تعاستي. لم أكن أعلم أنني سبب زياراته المتكررة آنذاك، ولكنّي لا أنكر أنني تعلّقت به. لقد بدا لي في بادئ الأمر أنه شاب مثالي تتمنّاه أي فتاة... لم أكن أتوقّع أنه سيتغير يوماً ولكن في الواقع لم أكمل معه حتى شهر العسل لأتفاجأ بطبعٍ غريبٍ عجيبٍ وكأني تزوّجت من شاب آخر... لقد تحوّل حسن الشاب الخلوق المهذّب إلى وحش همجيّ مُعَنِّف. لا أعرف السبب. كل ما أعرفه أنني أسأت الاختيار".
وتضيف : "عندها قرّرت أن أنفصل عنه.لقد فكّرت في الأمر مليّاً، لكن لا، لن أستطيع أن أكمل حياتي معه، وعندما فاتحته بذلك طردني من البيت. ذهبت إلى بيت أهلي وبعد أقلّ من شهر تبيّن لي أني حامل... فرحتي لم تسعني، للحظة ظننت أن هذا الحمل سيصلح ما بيننا من خلافات، وستعود المياه إلى مجاريها، أخبرته بالأمر لكن المصيبة أنه وبدل أن يشاركني الفرحة وجه إلي سؤال كان بمثابة خنجر في ظهري حتى تمنيت أني متّ قبل أن أسمع منه ذلك. حيث من أين جاء هذا الحمل ومن أبوه؟ صُعقت من قسوة الجواب، هل هذا هو الشاب المثالي الخلوق الذي عرفته يوماً وارتبط اسمي باسمه؟ تطوّر الخلاف فيما بيننا؟ طبعاً تبادلنا الشتائم والسباب لا أنكر أني تصرفت بطريقة مجنونة لكنه هو السبب، بقيت في منزل أهلي إلى أن وضعت مولودي كانت سعادتي لا توصف لكنها كانت ممزوجة بغصّة وحرقة عميقة فتنهمر دموعي كلما فكّرت بماذا سأجيب ابني عندما يكبر ويسألني أين أبي؟ ولماذا تركني وحيداً؟ هل هو في عداد الأموات؟"
"بعد أيام جاء حسن. لوهلة ظننت أنّه قد صحا ضميره وعاد إلى رشده. ولكني تفاجأت بأنه جاء لإجراء فحص الحمض النووي للجنين، لم أعارض ذلك أبداً. إنها فرصتي لأثبت براءتي ومظلومتي... بعد فترة وجيزة عاد حسن إلي معتذراً، ولكن عن ماذا؟ عن اتهامه لي بشرفي وعرضي؟ أم عن تركي وحيدة لأشهرٍ كنت فيها بأمسّ الحاجة إليه؟ أم عن شعوري بذنب اختياري الخاطئ؟"
"أصرّيت على الطلاق، ودفعت ثمنه حرماني من حضانة طفلي ومشاهدته. وبعد عامين بدأت عائلتي بالضغط علي كي أتزوّج، وأنا أصلًا كنت أتمنى ذلك هرباً من لعنة الطلاق. فالمطلقة في مجتمعنا تكاد تكون تهمة بل نقمة ولعنة. حيث ينظر إليها البعض –الذكور- على أنها مجرّد وسيلة لتلبية حاجاته الجنسية وافراغ شهواته."
"أخيراً دبّروا لي عريساً مغترباً تزوّجنا وسافرنا. لكن بقي قلبي هنا، وعقلي هنا، مع طفلي، الذي لم استطع أن أكون أماً له."
أمّا عن مصير الطفل فقالت زينب -وهي تمسح دموعها-: "الطفل يعاني مع زوجة أبٍ متسلّطة وأب غير مسؤول"
إلى من يقدمون على الزواج: الزواج ليس فقط للاستمتاع الجسدي، ولا للهروب من بيت الأهل. فالزواج أكبر وأعمق من أن يختزل بعلاقة جنسية (ولو أنها إحدى أهدافه)، وقد نصّت الآية الكريمة على إحدى أهدافه وهي: تحصيل السكينة والطمأنينة والهدوء والراحة النفسية، حيث يقول تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً). هذا إنمّا يحصّله الزوج الصالح من زوجته الصالحة والعكس صحيح. فما أن تتحصّل السكينة حتى تعم حياتهما المودة والرحمة.
بالمحصّلة: للأهل نقول أعدّوا أبناءكم لمواجهة الحياة القاسية، وذخّروهم بالدين والوعي الاجتماعي والعلم والإدراك، وحاولوا قدر الإمكان أن تبنوا معهم علاقة صداقة وأخوّة، سقفها الثقة وعمادها الحب والحنان والوعي والأمان. تقبّلوا أخطاءهم وعالجوها بحكمة، ليصارحوكم بكل شيء، عندها فقط تستطيعون أن تكونوا خط الدفاع الأول عنهم وعن حياتهم ومستقبلهم. أمّا إلى الشباب والشابات: تحلّوا بالعلم والدين والثقافة المجتمعية والمعارف العامة، أحسنوا الإختيار ولا تستعجلوا فتندموا، لأنه لن ينفعكم الندم.