مولد الرحمة المهداة رسول الله صلى الله عليه وسلم/ بقلم: الشيخ أسامة السيد
الشراع 12 ايلول 2024
الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.
قال الله تعالى:{لقد منَّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم ءاياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبلُ لفي ضلالٍ مبين} سورة آل عمران.
وقال تعالى أيضًا:{لقد جآءكم رسولٌ من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رءوفٌ رحيم} سورة التوبة.
وعن واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله اصطفى كِنَانة من ولَدِ إسماعيل واصطفى قريشًا من كِنَانة واصطفى من قريشٍ بني هاشم واصطفاني من بني هاشم" رواه مسلم.
فهو صلى الله عليه وسلم خِيارٌ من خِيارٍ من خِيارٍ كما دلت عليه النقول والأخبار والآثار
ومع مرور الأيام وتوالي الأعوام يتجدد على مرِّ التاريخ مجد سيدنا محمد وينسى الناس عبر طول الزمان مآثر فلانٍ وأخبار فلانٍ ولا تنسى أمتنا فضل سيدنا محمد وتغيب في طيَّات الدهر اسماءٌ كثيرةٌ ويتألق دومًا اسم سيدنا محمدٍ ويبقى الأول والأعظم والأنبل والأفضل منذ بداية الدنيا إلى نهايتها سيدنا محمد وإذا ما ادلهمت الخطوب وعصفت بنا المحن واشتدت وطأة المآسي نتوسل متضرعين إلى الله بجاه سيدنا محمد فهو القائد إذا اشتد الظلام وهو الملاذ وسيد السادات وهو القدوة وإمام كل إمام هو نور الدنيا وأكثر حبه يجمعنا وحياتنا حب محمد أعظم العظماء وكل ما فيه عظيم لا يرقى رقيَّه أحدٌ ولا يُعادل مقامه نبيٌ ولا ملك، فصلى الله وسلم كل حينٍ على عظيمنا وقدوتنا سيدنا محمد الذي هدى الله به الأمة وكشف به الغمَّة وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور.
وها هو هلال الشهر الثالث شهر ربيعٍ الأول يهلُّ من عليائه فتغمُر الفرحة قُلوب المؤمنين بقدوم شهر المولد الشريف شهر مولد النعمة العظمى والرحمة المهداة خير الأنام من قال الله تعالى فيه: {وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين} سورة الأنبياء.
لقد ولُد الحبيب محمدٌ صلى الله عليه وسلم والمجتمع في جاهلية عمياء إذ كان الكفر يعمُّ الأرض وإبليس يصول ويجول بين عقولٍ خَربةٍ وقلوبٍ خاويةٍ فكانت الحجارةُ تُعبد من دون الله والقوي فيهم يأكل الضعيف والمرأة تُظلم والبنت الصغيرة تُدفن وهي تحيا وتقوم حروبٌ تستمر عشرات السنين في أسبابٍ تافهة، وُيغني عن سرد تفاصيل حياة الناس في تلك الحقبة أن سُمِّيت تلك المدة من الزمن بزمن الجاهلية لتُدرك في أي بيئةٍ كانوا يعيشون. فتمزقت جحافل الشر وتزلزلت مملكة الشيطان وصاح إبليس ورنَّ رنةً عظيمةً غيظًا وكمدًا وأسًى، كيف لا وقد كان مولده الشريف صلى الله عليه وسلم إيذانًا بانتصار الحق وهزيمة الباطل، كان مولده الكريم نورًا شعَّ في قلب التاريخ فأنعم وأكرم وأعظم به من نبيٍ فاق البرايا.
قديمًا بدا قبل النبيين فضله فإن قُدموا بعثًا ففي الفضل يسبق
فرحةٌ وغصةٌ
وبرغم كل ما كان يلف المجتمع الجاهلي من فسادٍ وما يتخبَّط فيه من ضلالٍ إلا أن الله تعالى حفظ سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم فنشأ نشأة الطُّهر والشرف والعفاف فلم تُعرف عليه رذيلةٌ ولا فاحشةٌ ولا شائنةٌ قط، بل حماه الله تعالى وصانه فألهمه الإيمان والتوحيد حتى قبل النبوة وهكذا شأن كل الأنبياء عليهم السلام فهم مؤمنون بالله قبل النبوة وبعدها وهم معصومون محفوظون وقد مرَّ الكلام في عصمة الأنبياء الكرام في مقالاتٍ سابقةٍ فلينظرها من شاء.
لم يعبُد سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم صنمًا ولم يركع لحجرٍ ولم يتلوث بشىءٍ من أقذار تلك البيئة المنحرفة المتخبطة في شَرَك إبليس، وما زال ربه يحفظه ويرعاه فلمَّا بلغ أربعين سنة وكان قد اعتزل ذلك المجتمع الفظيع وراح يتعبَّد الأيام والليالي في غار حِراء وهو موقنٌ بربه الذي خلق كل شىء فلا يُشبه شيئًا ولا يشبهه شىءٌ كارهٌ لما عليه أهل تلك الجاهلية من ضلالٍ وظلمٍ وإفك نزل عليه جبريل الأمين بالوحي المبين ليكون مرسلًا إلى كافة العالمين هاديًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرا، فهدى الله به الأمة وكَشف به الغُمَّة وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور، فكان ذلك الانقلاب التاريخي المذهل وكان ذلك الخير العظيم الذي أجراه الله على يد خاتم الأنبياء محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وما زلنا رغم مئات السنين نسعى في ذلك النور الذي هدانا الله به، وإنما يُفلح السعداء منا ويدخُلون الجنة وينجون من العذاب الأليم باتِّباع محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وإذا ما كان المرء يُحسن أحيانًا لأخيه فيحفظ له أخوه المعروف ويشكره عليه بل ويُعظِّمه ويمدحه فجديرٌ بنا أن نُعظِّم سيد السادات وإمام المرسلين صلى الله عليه وسلم فإنه ليس أعظم من معروفه الذي منَّ الله به علينا إذ هدانا به إلى نور الإسلام والصراط المستقيم وبالتالي فإن فضله على أمته أكبر من فضل الآباء والأمهات والأساتذة والمعلِّمين وما إظهار الفرح والاعتناء بالمولد الشريف إلا من باب التعظيم لهذا النبي الذي أمرنا الله بتعظيمه فقال:{فالذين ءامنوا به وعزَّروه ونصروه واتَّبعوا النور الذي أُنزل معه أولئك هم المفلحون} سورة الأعراف. ومعنى عزَّروه "وقَّروه وعظَّموه" قاله الطبري في "تفسيره" ولذلك فإننا نرى أن الاعتناء بالمولد الشريف في شهر ربيعٍ الأول إجلالًا للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم بشير خير لأنه يدل على تعلُّق المؤمنين بنبيهم الكريم ومحبتهم لمن أنقذهم الله به من الكفر، وهذا بلا شك من أعظم البركات ولكن تأتي ذكرى المولد هذا العام وفي القلب غصةٌ وفي النفس حسرةٌ إزاء ما يجري على أهلنا وإخواننا في غزة وسائر فلسطين حيث لا يزال شلال الدم يتدفق منذ نحو سنةٍ ولا يزال مسلسل الإجرام الصهيوني يقدم فصلًا تلو فصلٍ من فصول إرهابه المذموم وتحت مرأى ومسمع الدول والأمم والشعوب وكثيرٌ منهم كما قيل:
لقد أسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي
غزة والقدس وكل فلسطين لنا ولو تكالبت علينا كل قوى الظلم فإن ذلك لا يُلغي الحق الثابت لأهلنا وشعبنا ولكن الدنيا دول والله نعم المستعان ولقد قيل:
مهما أعدُّوا كان عَرضًا زائلًا لكنَّ ربك قد أعد جهنما
والحمد لله أولًا وآخرًا.