بيروت | Clouds 28.7 c

همجيتها تجاه غزة اثرت على سمعة إسرائيل/ باريس من اريك مسرة

 

همجيتها تجاه غزة اثرت على سمعة إسرائيل
باريس من اريك مسرة

الشراع 26 حزيران 2024


—هل تأثرت صورة إسرائيل في العالم بسبب ما ارتكبته من جرائم في غزة؟
لا شكّ أن الإجابة القاطعة على هذا السؤال ليست سهلة او بديهية . على ان مجرد طرحه من قبل الجماعات المناصرة لإسرائيل يعكس،دون شك،قلقاً ينتاب أعضاء هذه الجماعات الذين يلاحظون 
التزايد المستمر لأعداد الذين يدينون حرب الإبادة الجماعية ،التي يشنها جيش الاحتلال ضد فلسطينيي غزة ، والاعتداءات اليومية من قبل المستوطنين اليهود على سكان الضفة الغربية. 
—فعلى الرغم من اقدام بعض الدول الأوروبية (فرنسا،ألمانيا،إنكلترا،
إيطاليا…) منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة،على حظر التجمعات و المظاهرات المتضامنة مع الفلسطينيين، وذهبت (كما حصل في فرنسا) إلى حد توجيه تهمة "تمجيد الأرعاب"،وهي جريمة يعاقب عليها القانون، لكل من لا يدين صراحة عملية "طوفان الأقصى "ويشير اليها كعملية ارعابية.
—وعلى الرغم من لجوء حكومات الدول التي ذكرناها إلى 
توجيه تهمة "العداء للساميّة "دون وجه حقّ لكلّ من يجرؤ على انتقاد سياسات إسرائيل العنصريّة، وتدخل اعضائها،بصفتهم الرسمية ،باستمرار ليبرروا جرائم جيش الاحتلال "بحق "إسرائيل المطلق في الدفاع عن نفسها.
—ومع أن اجهزة الإعلام في أوروبا (التي يملكها  أصحاب مليارات لا يخفون عنصريتهم وكراهيتهم للعرب والمسلمين)تستضيف مناصري إسرائيل وتمنع،في الوقت نفسه، الباحثين وأساتذة الجامعات الذين يملكون معرفة عميقة بتاريخ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني من المشاركة في حلقات النقاش التي تنظمها على مدار الساعة.  
ان كل ما أشرنا اليه أعلاه لم يحل دون اتساع دائرة الاحتجاجات،لا سيما لدى الشباب الذين يتابعون ما يجري في قطاع غزة ( التدمير المنهجي للجامعات و المستشفيات و المساجد والكنائس والأبنية السكنية وكل ما له علاقة بتاريخ غزة، بالإضافة إلى قتل عشرات آلاف من المدنيين ولاسيما الأطفال
دون سبب سوى الانتقام الهمجي ،وأقدام إفراد جيش الاحتلال على نشر فيديوهات تظهر حقيقة تصرفاتهم البربرية المخزية التي لا تقيم ادنى احترام لحياة الفلسطينيين ).
ان هذه الفظاعات التي لم يعتد الكثيرون على مشاهدتها ،جعلتهم يكتشفون حقيقة ما يعيشه الشعب الفلسطيني منذ عقود من الزمن (قتل ،تدمير مساكن، مصادرة املاك وأراضي،توقيف إداري لسنوات طويلة من دون توجيه أي اتهام أو محاكمة … )
ومن ثم فان نظرتهم لإسرائيل ، (التي تقدم نفسها على أنها ضحية أبدية مهددة بالزوال ، و الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط ، والوريث الشرعي لضحايا "المحرقة
النازية")قد بدأت تتغير .
ان هذا التحول يشكل مصدر قلق لدى إسرائيل و مناصريها، على الرغم من انهم يملكون وسائل ضغط وتأثير عديدة ، و يسمحون لأنفسهم بتجاوز حدود الموضوعية و المنطق والتصرف بإزدراء و عدوانية
ازاء كل من يجرؤ على انتقادهم او معارضتهم. 
وهم بالاضافة إلى ذلك ، يتقنون إلى حد كبير استغلال "عقدة الذنب" لدى الأوروبيين لتذكيرهم بمعاملتهم لليهود اثناء الحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك فإن أعداداً متزايدة من المواطنين في الدول الأوروبية لم يعودوا يصدقون ما تروج له الدعاية الإسرائيلية، واكتشفوا غطرسة الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين وعنصريتهم ، وفي مقدمتهم المسؤولين السياسيين الذين ينظرون 
للفلسطينيين على أنهم 
"حيوانات بشرية"  ، ولا يترددون في التعبير عن إصرارهم على الاستمرار في حرب الإبادة ضدهم ،لاجبارهم على مغادرة بلادهم من دون رجعة.
كما أنهم لا يخفون احتقارهم للقانون الدولي 
وقرارات  الأمم المتحدة وسائر الفروع التابعة لها، وتوجيههم الشتائم  لكل المسؤولين فيها ابتداء من الأمين العام للمنظمة.
على الرغم من ذلك كله ، فأن إسرائيل عودتنا كدولة ، ومنذ عقود من الزمن، على استغلال عامل الوقت والكذب المستمر، وانتظار حصول تطورات جديدة تجعل الرأي العام  ينشغل بها وتبعده عن متابعة تطورات الوضع في المنطقة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أنّ وصول اليمين العنصري المتطرف إلى السلطة في العديد من الدول الأوروبية 
(إيطاليا،السويد،هولندا، هنغاريا، تشيكيا،سلوفاكيا، وربما فرنسا…) هو عنصر 
ايجابي يدعم دون شك 
استراتيجية إسرائيل التي اصبحت في نظر قطاعات 
واسعة من هذا اليمين نموذجاً للدولة العنصرية التي يطمح الى بنائها.
على الرغم من ذلك فإننا نعتقد ان هذه التطورات لن تؤدي كما يأمل الإسرائيليون الى دفن القضية الفلسطينية نهائياً  ،ودفع الرأي العام الى 
النظر اليها كقضية هامشية، وذلك لسببين على الأقل:
أولا : ان وجود شبكات تواصل عالمية تسمح بتوثيق أعداد لا تحصى من المعلومات والفيديوهات والوثائق…إلخ هي عامل يساعد على الحفاظ على   
ما جرى لسنوات طويلة. 
ثانياً: ان قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، 
كريم خان، الطلب من قضاة المحكمة إصدار مذكرات توقيف بحق  بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل ووزير الدفاع 
يواف غالانت بتهم ارتكاب جرائم حرب و جرائم ضد الأنسانية، هو تطور استثنائي وخطير لأنه للمرة الأولى منذ تأسيسها يضع إسرائيل في مصاف الدول الأخرى (وهي التي اعتادت على  التصرف منذ البداية كدولة فوق القانون )
الشراع