العروبة انتماء وليست ايديولوجيا/ كتب: المحامي فؤاد مطر
الشراع 19 كانون الأول 2024
انطلقت شرارة الحروب النفسية بضراوتها ضد العروبة بعد نكسة حزيران عام ١٩٦٧ ،وخرجت الافاعي السامة من اوكارها تبث اليأس في النفوس،واجتاح اعداء العروبة بطروحات تهدف الى تشويه سمعتها وزرع الشك من جدوى الانتماء إليها،وادانتها على اعتبار ان دعاتها عجزوا عن تحرير فلسطين وازالة الوجود الصهيوني.
ثم اشتعلت نيران دفينة في الرماد بأقصى واشد الحملات المعادية بعد اتفاقية السلام المزعومة كامب -دايفيد ،وتعمدت القوى الشعوبية من خلال انحراف النظام المصري وفي ظل الخلط الرهيب بين خطايا واخطاء الانظمة والحكومات التي تدعي العروبة وبين عروبة الانتماء،تحت اوهام ان العروبة مسؤولة عن الهزائم بغض النظر عن حرب الاستنزاف واستمرار خط المقاومة ،وبان العروبة كدعوة ونهج مسؤولة عن وضعنا الحالي المتردي،وممازاد عللا بروز الاحقاد الشعوبية المقيتة في محاولة اختراع التناقضات بين العروبة والايمان الديني،ومن خلال طرح دويلات طائفية ومذهبية ،وللاسف وقع بعض المثقفين اسرى لحرب التشكيك بالهوية ،وفي شباك الارتجالية والتخبط والضياع.
ولا ننسى ان انشاء دولة اسرائيل ،وكل الحروب التي تمت على الارض العربية،كلها لمنع تحويل العروبة الى سلطة سياسية واحدة،وان تغيير الحدود التي رسمها الاستحمار تواجه بأعتى الحروب ،وبمجرد اعلان الجمهورية العربية المتحدة عام ١٩٥٨ تآمر الاعداء من الغرب والشرق معا لمنع استمرارها كنواة لاعادة وحدة الامة بعد ان مزقها الاستعمار رغما عن ارادتها ،كما انه لا يمكن ان يتم الحكم على هذه التجربة القصيرة قياسا بالزمن خاصة ان اهداف الاعداء واضحة وجلية بمنع وحدة الامة وتحررها وتنميتها واستقلالها ونشوء وحدة سياسية لتحقيق الحرية والعدالة والوحدة بثوابت الايمان والعروبة والاحتفاظ على الخصوصيات بتكامل جامع يوحد ولا يفرق.
ان فقدان السلطة السياسية الواحدة على كل الارض العربية لا يعني بتاتا افتقاد الانتماء للعروبة التي هي علاقة انتماء بين شعب وارض بغض النظر عن واقع الارض والشعب معا،ولايجوز بتاتا ان نحاسب الانتماء للعروبة على ذنوب مدارس علمانية وبسماركية او على امراض طائفية واقليمية لان العروبة تتناقض مع الصهينة والتقسيم ولا تتلاقى مع الطائفية والمذهبية،كما ان العروبة ليست سلطة دستوية ،وليست ايديولوجيا حزبية او دعوة عنصرية ،فلا مسؤولية للعروبة عن ما حدث ويحدث من تجارب مأسوية ،ويأتي بمقدمتها تخازل النظام الساداتي الاستسلامي،او تجربة حكم الحزب الواحد وتسلطه وعلمانيته.
وهل يجوز ادانة العروبة قبل وحدتها?!
ان العروبة هي مؤمنة بطبيعتها،وتجمعها علاقة خاصة مع الاسلام ،وهذا ما يميزها عن باقي الدعوات القومية في العالم،وان اضعاف العروبة هو ضرر واضعاف للاسلام نفسه،لان الحكمة الالهية تقضي ان يحمل ابناء العروبة مسؤولية الدعوة.
اذن لا انفصام بين الاسلام والعروبة ،اما الواقع العربي المتردي منذ سنوات يعود سببه الى استهداف العروبة ،وان وحول الصراعات ومستنقعات الانقسام الطائفي والمذهبي والتطرف والغلو لا تمت الى الاسلام والعروبة بصلة بل تسيء اليهما ،وهما منها براء.
نردد هنا قول الشاعر:
عروبتي في دم الايات منزلة
ما انزل الله لا يلغيه مجتهد