علوية الجيش في عهد حافظ الاسد
الحلقة الثالثة من كتاب الزميل حسن صبرا
سقوط العائلة- عودة الوطن
الشراع 19 كانون الأول 2024
كان الجيش واجهزة الامن في عهد حافظ الاسد ،صندوقاً مغلقاً لا احد يملك مفتاحه غيره. صحيح ان البداية في علوية المفاصل الأساسية في الجيش والامن كتبت قبل تسلمه السلطة اثر انقلاب 1970 ،لكنه كان واحداً من الذين كتبوا البداية منذ العام 1963.
كان حافظ الاسد ملك الشكل والمضمون معا :اعطى السنة رئاسة المؤسسات فكان الشكل منسجماً مع الواقع الاجتماعي والطائفي في سورية .
رئيس الحكومة سني لكنه لا يتجاوز صفة الموظف عند الرئيس سواء كان اسم الموظف عبد الرؤوف الكسم او عبد الرحمان خليفاوي او محمود الزعبي او محمود الحلبي او..
رئيس مجلس الشعب سني لكنه ينفذ اوامر السيد الرئيس سواء كان اسم المنفذ محمود الحلبي او عبد القادر قدورة او قاسم الابرش.
وزير الدفاع سني لكنه لا يملك ان يتصرف بنقل جندي او ترفيع ضابط واسمه طيلة نحو 30 سنه هو مصطفى طلاس.
رئيس الاركان سني حكمت الشهابي في معظم الاحيان لكنه لا يرى السيد الرئيس الا اذا سمح له الرئيس بذلك.
عندما مرض حافظ الاسد عام 1983 ،شكل لجنة بإدارة شؤون البلاد رسمياً ضمت القيادات السنية عبد الرؤوف الكسم ، عبد الحليم خدام، حكمت الشهابي، محمد زهير مشارقة، محمود الحلبي. لكن احدا من هؤلاء لم يكن قادرا على نقل جندي من مكانه لان السلطة الفعلية كانت عند علي دوبا، علي حيدر، شفيق فياض، ابراهيم صافي، محمد الخولي. وكلهم علويون كانوا يحمون نظام حافظ من محاولة اخيه رفعت استعجال وراثته. .
او ضد اي محاولة من خارج النظام للشك مجرد الشك بمجرد التفكير بإطاحته ، ومجرد التفكير هنا هو انتحار مع كامل الاصرار !!
لم يكن احداً من وجه السحارة التي اختارها الاسد للحكم مؤهلاً له ( إلا ما ندر )لكنهم نجحوا في ان ينفذوا اوامر السيد الرئيس ،حتى لو ادى انعدام الكفاءة الى حالة هريان شاملة في سورية :في الإدارة، في التعليم، في الطبابة، في الزراعة، في الصناعة، في التمثيل الدبلوماسي.
أعدم حافظ الاسد سورية سياسياً، فلا نخبة سياسية الا ما يراها السوريون في الاعلام المحنط الناطق ببطاريات فارغة الشحن ،ولا احزاب الا التي ورثها السوريون من عهود ستالين وموسوليني وفرانكو.. ولا نقابيون الا الذين يبالغون في النفاق في كل مناسبة يريد السيد الرئيس ان يشاهدها عبر الاعلام تسليته المفضلة، وهو سجين قصوره الرئاسية كما جلسات مجلس الشعب كما احتفالات البعث واتحاد الكتاب.
كل السلطة للأسد.. ولا سلطة لغير الاسد.
اجهزته التي اختار قياداتها بعد تمحيص وتدقيق واختبار، واغرقها بالفساد ليفتح لها ملفاتها ساعة يشاء.. كانت هي نفسها غير موثوقة بالكامل.
تختار اجهزة الامن المرشحين لمواقع الحزب.. الشعبة في كل منطقه للفرع.. للمؤتمر القطري الذي يسارع نفاقاً بإعطاء السيد الرئيس حق وضع لائحة المرشحين لعضوية القيادة القطرية 21 وللجنة المركزية ال90 فيتم انتخابهم بالإجماع.
طيلة 30 سنة من حكمه امسك السيد الرئيس بمفاصل السلطات الحزبية والسياسية والعسكرية والأمنية والنقابية والمهنية والدبلوماسية.
كان رئيس الجهاز الامني الذي يقمع الاعتراض او النقد في اختصاصه الجغرافي او المهني او السياسي ،هو الذي يتمتع بأكبر قدر من الثقة في قلب حافظ الاسد. ومع هذا فان فوق كل رئيس جهاز امني اخر او اكثر يراقب افعاله حتى لا تسول له نفسه الانحراف عن الهدف الذي اختاره الاسد له ،فهو له حق الانحراف الاخلاقي والمالي وله ان يرتشي وان يسرق وان يغتصب ارضاً او امرأه او يعذب وان يقتل ..لكن يا ويله ويا سواد ليله اذا تلكأ في خدمة سيده.. او حلم من دون ارادته في تولي السلطة او حتى الطموح إلى منصب لم يمنحه اياه السيد الرئيس!!
افضل هوايات حافظ الاسد هي التأكد من احترافه الغليظ القلب لكيفية الامساك بالسلطة ،من خلال الامن والجيش تلك الهواية التي احترفها عام 1963 ثم اصبح ملكها بعد 1970.
في عهد حافظ الاسد دخلت مرحلة علوية الجيش السوري وطبعاً اجهزة الامن منعطفاً خاصاً من رسم حافظ وعقليته الأمنية البحتة.
المدخل دائما في الانتماء الى الكلية العسكرية وهي من اختصاص علي دوبا الرجل الاكثر قرباً للأسد مع محمد الخولي. وكان مدير مكتب دوبا احمد عبود العلوي ايضا ( وهو ابن شقيقته )مدقق في لوائح المنتسبين لهذه الكلية وكان موضع ثقة علي دوبا فاذا وقع احمد عبود لائحة المنتسبين شاطباً منها من يريد مضيفا اليها من يريد ،يوقع بعده علي دوبا فاذا وجد حكمت الشهابي كرئيس اركان توقيع علي دوبا وقع من دون نقاش ويصبح توقيع مصطفى طلاس كوزير للدفاع بعد ذلك تحصيل حاصل.. لأن ابو فراس كان ذكياً كفاية ليعلم انه إذا اعترض ، فهو يعترض على السيد الرئيس!!
سألنا نائب الرئيس عبد الحليم خدام الم يكن حكمت الشهابي يقرأ ان 90% من المنتسبين الى الكلية العسكرية هم من العلويين؟ يجيبك : نعم كان يعرف ذلك لكنه كان يسكت ،حتى لا يتهم بالمذهبية او الطائفية. اما العماد مصطفى طلاس فإن نباهته جعلته يحسن تقييم مكانته في نظام ربطه صاحبه مع مصالح اجهزة الاستخبارات في دول العالم الكبرى فلم يكن احد يتوقع منه اي اعتراض.
وجاء وقت اصبح فيه معظم قاده الفرق والافواج والألوية والكتائب من العلويين ،فكلما خرج ضابط سني الى التقاعد جاء محله علوي بحكم الأكثرية في القيادات العليا.
اشتكى بشار لعبد الحليم خدام مرة بانه اراد ان يجري تشكيلات في الجيش ،لكنه وجد ان كل الضباط الذين يجب ان يشكلوا علويون !!فقال خدام هذه مشكله ابوك ،وليس على احمد عبود، كان الرئيس حافظ يرى اللوائح والخلل واضح فيها ولم يفعل شيئا.
يضيف خدام سبباً اخر فيقول ان معظم الضباط المسرحين في عهدي الوحدة والانفصال عادوا بعد تسلم البعث السلطة ومعظمهم علويون.
ضباط الاحتياط الذين اجلوا خدمة العلم كانوا يستدعون كل فترة للعمل ،وكان العلويون هم الاكثر استجابة للعودة. كان القبول في العسكرية لا يتجاوز 300 قفز في عهد حافظ الى 3000 معظمهم من الساحل. فحافظ كان يخشى اذا تم القبول على اساس نسبة التعداد الطائفي للسكان ان يمسك السنة بالجيش بنسبة اغلبيتهم الساحقة في المجتمع. وهذا قد يفتح المجال لحصول تحول في المستقبل.
كان كل ضابط من ضباط الاسد العلويين يدخل جماعاته من قريته او من عشيرته الى الجيش ليشكلوا عصبية حوله ..وحيث ان معلمهم يوالي ويبايع السيد الرئيس فهو ولي نعمتهم وجاههم وسلطتهم ومالهم ..فمن الطبيعي ان يوالي بقية الضباط حتى الجندي العادي السيد الرئيس الى الابد.
لكن هذا لم ينطبق على اي من الضباط السنة ناجي جميل، حكمت الشهابي، مصطفى طلاس ( مع الاعتراف باستثناء القاعدة في حالة طلاس الذي ادخل عشرات ضباط الرستن الى الجيش لتوكيد ولاء الرستن وحمص للسيد الرئيس فكان هذا الإجراء الذكي سلاحاً ذو حدين حيث كان ابرز ضباط الثورة عام 2011 هو عبد الرزاق طلاس الذي ادخله العماد مصطفى الجيش ).
وكم برر الشهابي وطلاس رفض انشاء تكتلات في الجيش حرصاً على وحدته ،لكنهما أدركا وكانا شهود اً على تكتل الجيش السوري بعصبيته العلوية ضد الشعب السوري كله.
اتخذ حافظ الاسد قراراً ان يكون كل من وزير الدفاع ورئيس الاركان عضوين في القيادة القطرية بينما يكون كبار القادة العسكريين اعضاء في اللجنة المركزية بجانب كونهم اعضاء بلجنة الحزب العسكرية ،وتقلدهم وظائف حزبية رئيسية اخرى للقوات المسلحة كأمناء فروع وقطاعات الحزب العسكرية.
ونتيجة لهذا التدبير اصبحت بنية السلطة الحقيقية داخل القوات المسلحة وتنظيم الحزب العسكري منعكسة بوضوح في تكوين مؤسسات حزب البعث العليا الرسمية ،اكثر ما كان عليه الوضع اثناء وجود اللجنة العسكرية البعثية الخماسية.
في احصاءات 1985 ان حزب البعث كان اقل انتشاراً في المدن الكبرى كدمشق وحلب قياساً بالقرى والريف لكن النزوح الكثيف لأهل القرى والريف من مناطقهم الى المدن عزز الوجود الحزبي فيها.
كان كل ضابط من ضباط الاسد العلويين يحرص على ادخال اكبر عدد ممكن من عشيرته ومنطقته واقاربه الى الجيش بينما لم يدخل حكمت الشهابي احدا من شباب حلب التي ينتمي اليها الى الجيش او الامن، ومن دخل من هذه المدينة وريفها عن طريق اخر داخل النظام يقدمون له الولاء او الرشوة ويرسلونها الى قطاع عسكري لا قيمة له في مفاصل النظام.
اما مصطفى طلاس فكان اكثر دهاءاً وذكاء من الشهابي. فاقنع الاسد بإدخال العديد من الرستن ليكونوا العصب السني الذي يحتاجه النظام لتغطية اغراق مؤسسات الجيش والامن بالعلويين في المفاصل الحاسمة.
الشهابي
وردا على اتهام حكمت الشهابي انه لم يكن فاعلاً في الجيش السوري، بدليل عجزه او تعففه عن ادخال الحلبيين الى قطاعاته كما فعل مصطفى طلاس حين نجح في ادخال 1200 ضابط الى هذا الجيش وبموافقة حافظ الاسد نفسه ..
يقول نائب لبناني كان وما زال على صلة بالشهابي الذي يعيش في لوس انجلوس.( توفي الشهابي بعد ذلك )
ان شباب حلب انفسهم كانوا كأبناء دمشق وجدوا ان مستقبلهم لم ولن يكون في المؤسسة العسكرية، بل في العمل الحاضر والخاص الذي بدأت ابوابه تفتح بعد حرب تشرين اكتوبر 1973 ،فهو اربح واسلم واكثر فاعلية في المجتمع السوري. كان شعار هذا الجيش في الفترة الممتدة نهاية نكسة 1967 واحتلال اسرائيل للجولان حتى عام 1974 حين وقع حافظ الاسد اتفاقية وقت النار مع اسرائيل ، مدمةًحتى النصر. وقد خدم شباب سوريون في جيش بلادهم سبع سنوات اقتطعت من حياتهم طلاباً ومهندسون واطباء ومحامون وتجاراً..
.. الجنود العلويون المميزون
والعلوية لم تقتصر على دورات الكلية العسكرية منذ الستينات ،كما بات معروفاً وما لم ينشر هو علوية الخدمة الإلزامية للشباب السوري.
كان مركز تجمع الجيش العربي السوري ملتقى لكل الشباب السوري المدعو لأداء الخدمة الإلزامية، والى هذا المركز الذي يبدو مفتوحاً لكل السوريين من كل المذاهب والمناطق والطبقات، عدا الذين استجابوا في فترات لاحقة لدفع البدل ،مما يعني ان الاغنياء لم يخدموا في الجيش.
يأتي قادة القطاعات الاخرى في الجيش من مدرسة السواقة الى المطبخ العسكري وبينهما البحرية الى المدفعية والقوات الجوية وقطاع الصواريخ والمدرعات، الى مركز تجمع الجيش وفي يد كل واحد منهم لائحة بأسماء الذين سيختاروهم للعمل في قطاعاتهم، يوهمون الشباب خدام الجيش ان القرعة اختارت الاسماء من دون تدخل من اي جهة، لكن الحقيقة المعروفة ان القرعة هنا هي العين التي تقرا انتماءات العناصر المذهبية، وتختار على اساسها.
كانت اللوائح في كل مرة تختار العلويين للخدمة في القطاعات الأمنية.
1. مدرسة الاستخبارات العسكرية
2. قطاع الصواريخ
3. القوات الجوية
4. المدرعات
القطاعات الاخرى كالسواقة والمطبخ والمشاة وغيرها كانت تعج بالسنة. انشئت مدرسه الاستخبارات العسكرية عام 1978 في منطقة دير العشائر وبعض منها في الاراضي اللبنانية ،وقد اختيرت هذه المنطقه على حدود لبنان او في مناطق التداخل اللبناني السوري بعد بدء اجتياح نظام الاسد الاب للبنان عام 1976 ،والذي استمر 30 سنة.
كان قائد هذا القطاع يومها هو العميد محمود البني وهو سني من دمشق، اما قائد الدورات فهو رائد العربي صبرا ديوب وطبعاً كانت سلطة الرائد العلوي هي التي تحرك المعسكر ،فقد كان هو صاحب القرار ككل القطاعات الامن والجيش والاستخبارات في سورية طيلة نحو نصف قرن.
يخضع الشباب السوري في الخدمة الإلزامية لدورة تأهيل تتراوح بين سته اشهر للرتباء والعرفاء وبين 45 يوماً للعناصر وبعدها يتم توزيعهم حسب "قرعة".
يروي احد عناصر الخدمة الإلزامية في احدى الدورات ان دورته كانت تضم نحو 1000 شاب كان منهم نحو 50 جندياً بخدمة الزامية من السنة والدروز والاسماعيليين والمسيحيين ونحو 950 شاباً علوياً.
كان السنة في قطاعات الخدمات الاخرى التي تقل اهمية عن القطاعات الاساسية من استخبارات الى قوات جويه تحديداً هم الاغلبية الساحقة في المشاة والمدفعية والادارة والتنمية ،بينما العلويون هم الأغلبية دائماً في القطاعات المهمة (استخبارات بكل فروعها، دفاع جوي، طيران حربي) دون ان ننسى ان احداً من هذه المدارس العسكرية لطلاب الخدمة الإلزامية لم يكن يفشل ..فالجميع ناجحون.!!
في الحلقة المقبلة: علوية الادارة