بيروت | Clouds 28.7 c

إلى الذين ما زالوا يدافعون عن الهمج عن مجازر آل الاسد في حماه هذا ما حدث معي عام ١٩٨٢ كتب: وضاح ابراهيم الكيلاني

 

إلى الذين ما زالوا يدافعون عن الهمج عن مجازر آل الاسد في حماه
هذا ما حدث معي عام ١٩٨٢
كتب: وضاح ابراهيم الكيلاني

الشراع 3 شباط 2025

 

كنت مهندساً في شركة المياه بمشروع شبكة مياه دمشق،
وحدثت المجزره في حماه ولما جاء يوم ثورة ٨ آذار خرجت دمشق عن بكرة ابيها ترقص في الشوارع مع وفود من جميع المحافظات، جموع هائله من البشر ترقص وتهلل وتزغرد وتهنىء المجرم حافظ بنصره المؤزر على العزل في حماه،
نزلت مع المهندسين وسرنا على طول شارع العابد باتجاه ابو رمانة ،لنلتقي مع جموع المسيره امام قصر الضيافة
وصلنا هناك لنتفاجأ بدرج بشري ارتص وبني من اجساد المنحبكجيه من أرضية الطابق الأرضي للقصر الى الشرفة.
جاء حافظ اسد وصعد على اجسادهم يطؤهم بحذائه ،حتى وصل الشرفة وبدأ خطابه.
احسست بآلام لاتطاق في منطقة العجز بظهري ،فجلست على طرف الرصيف لاحظت ان مدير الفرع للشركة يرمقني بنظرات غاضبة نظرات نارية ،ثم جاء احد الموظفين طالباً مني المغادرة فغادرت باتجاه السيارة.
في اليوم الثاني استدعاني هذا المدير، قال لي لقد انتهى تأجيلك من العسكرية يجب أن تسلم نفسك للتجنيد، او انني سأبلغ عليك قلت له كيف سألتحق بالعسكرية ؟َحماه مغلقة ودفتر العسكرية بحماه ؟قال لي هذا ليس شأني
اذهب الى المديرية العامة وسلم نفسك، قلت له انهم يقتلون الحموية على الهوية!!
رد هذا لا يعنيني.
خرجت من مكتبه لأصادف مهندساً صديقاً هو أبو خالد قال لي بامكاننا النزول لحماه دعنا نحاول، ركبنا سيارة الشركة وتوجهنا الى المدينة المنكوبة . 
لما وصلنا ونزلنا بنزلة شارع العلمين، كان هناك سيارة "زيل" عسكرية توزع الخبز على الناس والناس رجالاً ونساءً واطفالاً يركضون وراءها ،وهناك ثمانية عساكر اربعة على كل طرف بأيديهم اكبالاً رباعية يضربون الناس ضرباً اجرامياً ،كلما حاولوا الاقتراب من "الزيل "وهناك واحد في مؤخرة السيارة يقف وكل من يقترب منه ان كانت امرأة
يقول لها بدك خبز؟
تجيب نعم
يقول لها طالعي بزازك وتعي بوسيني من تمي لاعطيك الخبز، ان كان الواصل رجلاً
يقول له بوس بصطاري كي تأخذ الخبز!
بدأ الرجال يزيحون النساء ويتقدمون ليبوسوا البصطار ويأخذوا الخبز.
تابعنا طريقنا ..البنايات مهدمة محروقة على الطرفين ،ثم اتجهنا الى بيت ابي خالد انزلته وَعدت ادراجي الى الشريعة، الي بيتنا ركنت السياره ولم ادخل البيت وانما سرت لأرى ماحدث في حماه 
وصلت إلى جسر العبيسي ،وتابعت باتجاه الحاضر .البنايات كلها محروقة منهارة وهناك جرافة  قد شقت طريقاً بعرض شفرته لفتح طريق بين الركام.
مناظر لا تصدق رؤوس ارجل اياد تظهر من خلال الردم والهدم والانقاض ،والقطط والكلاب تنهش بها وجموع هائلة من اهالي الريف يسرقون وينهبون ويستخرحون كل شيء من بين الانقاض ،وسياراتهم وتراكتوراتهم تصطف لتملأ من البرادات والغسالات والعفش والفرش واللحف والسجاد.
لاحظت انني وصلت عند مبنى شعبة التجنيد ،كان مهدماً محروقاً صعدت فوق ركامه لاجد نفسي صاعداً هابطاً في بيوت محروقة مهدمة في الزنبقي والعصيدة الشمالية واللصوص يسرقون وينهبون وينبشون بمعاولهم وكريكاتهم واشلاء القتلى  بين الانقاض َفي كل مكان.
كنت مذهولاً مما أرى، ولم أشعر الا وانا فوق انقاض *قصر الطيارة الكيلانية* كل شيء منهار مهدم محروق والهدم واصل الى ثلث جسر بيت الشيخ ،نزلت فوق الركام لأصل للجسر واتابع بحانب جامع النوري المحروق المهدومة مئذنته ،وطلقات الدبابات والرصاص على جدرانه وعلى كل المباني حوله ،سرت في شارع ابي الفداء كل شيء محروق حرقاً ،حتى وصلت إلى بيت صبحي العظم ،الناس تركض ويصيحون يالطيف !!كانت هناك جثتان لرجل وامرأة محروقتان متفحمتان على السرير مقيدتان قالوا انهما لآل العظم، ركضت مع الراكضين باتجاه حمام العثمانية وياهول مارأيت
النساء تولول والأطفال تصرخ والرجال يصفِقون كفاً بكف ويحوقلون لقد كسروا باب الحمام ياساتر يارب
هناك أكثر من اربعمائة قتيل  رجالاً ونساءً واطفالاً محروقون كلهم بالفوسفور الأبيض ،ولكم ان تتخيلوا علامات الألم الرهيب على وجوههم ومن افواههم المفتوحة على آخرها وهم يصرخون ويحترقون ويلفظون انفاسهم الاخيرة.
بدأ إطلاق رصاص عنيف جداً وبدأ الناس بالفرار وفررت مع الفارين لنصل الى ساحة العاصي عند قهوة الروضة ،كان هنالك ثلاثة بواكر "بوكلين "وسيارات قلاب "وتركسات "تقف في ساحة النجمة امام الحزب ،كسروا درابزون الشارع على العاصي  وبدأت البواكر بمد بوماتها وسطولها الى العاصي ،تغوص للعمق ثم تخرج محملة بالجثث هذا معلق بأسنان السطل من رقبته وهذا من خاصرته وذاك من بطنه كلهم محروقون متفحمون.
يرفع السائق البوم ويدور بباكره حتى يصل إلى الشارع وينفض سطله ويطوحه يميناً ويساراً لتسقط اشلاء القتلى  وليسمع صوت ارتطامها بالاسفلت ،وتمزقها الى اشلاء
تتقدم سيارات القلاب لتفرغ حمولتها من النحاتة فوق الأجساد الطاهرة ،ثم تتحرك "التركسات "لتجرف النحاتة بمن فيها من القتلى  َترميهم داخل القلابات التي تنطلق الى مدافن جماعيه في مقبرة سريحين.

في الاول من شهر نيسان، بعد ان التحقت بكلية الدفاع الجوي ،اعطونا مبيتا خميسا َوجمعه
نزلت الى حماه بملابس طلاب الضباط ،وصلت حماه الساعه الثالثه عصر الخميس ،وقلت لنفسي ساتفرج على ماجرى ويجري بحماه..
كانت شركات الإنشاءات كلها تعمل جاهدة لرفع الانقاض من حماه ،وجرف كل شيء وصلت إلى حارة الكيلانيه كانت تقريبا قد جرفت وسويت بالارض ،وبمكان الزاويه هناك هرمان كبيران من المجلدات والكتب والوثائق التاريخيه التي عمرها يمتد الى أكثر من ثمانية قرون ،سيارات عسكريه شاحنه متوقفه وعساكر ينقلون هذه المجلدات والكتب
أشاهد وارقب وفجاة بدا الركض بكل اتجاه وبدأ الضباط والعسكر يصرخون بالناس الذين لاذوا بالفرار اقتربت من مكان الصياح رايتهم يصرخون لقد َوجدنا الشيخ اديب، كانوا يحملون جسدا باكفانه والتراب يغطيه ويركضون به إلى إحدى سيارات الإسعاف ،وضعوه بها وانطلقت السياره مسرعة باتجاه الوطني وعلمت بعدها انها ليست للشيخ اديب ،وانما عمرها ست مائة سنه لرجل متوف ومكفن ،وهو من بيت الكيلاني سليم كما هو ،كأنما دفن يوم وجدوه
انطلقت باتجاه شارع ابن رشد كل شيء محروق منهوب مسروق ،والمباني بكاملها محروقه دخلت سوق الحدادين وتَوجهت الى سوق الطويل وهناك رأيت ويا هول مارايت :دكان بائع السيالات بتم سوق الطويل استطاع الناس خلع الغلق وبدأ الصراخ والصياح والتكبير مددت رأسي لأشاهد فتيات اعمارهن بين الأربعة عشر والتمانيه عشرة سنه عاريات تماما ،ومذبوحات ذبحا ،وراح الناس يرمون عليهن بمعاطفهن ليستروهن وركض احد الناس إلى عسكري انتزع منه روسيته وأطلق عليه النار وعلى جنود بجانبه فسقطوا كلهم قتلى، وبدأ صلي الناس بنيران مدافع رشاشه ولذنا بالفرار ولكن الي اين ؟فالسوق كله محروق منهار مهدوم ..ركضت مع الراكضين الي سطوح السوق من الزقاق الذي فيه عيادة الدكتوره يمن الفرا، الناس يركضون وانا معهم من الراكضين ،حتى وصلنا الى جامع الأشقر كل شيء محروق منهوب ثم دلفنا الى حارة الشيشكلي وسوق الصاغه المنهوب عن آخره،
والكل يقول ويحكي
رفعت اسد بنفسه قام بالسرقة والكثير اقسم انهم رأوه بأم عيونهم وهو يفرغ محتويات سوق الصاغة بسيارات  ومصفحات تعود لسرايا الدفاع.

وضاح ابراهيم الكيلاني