رسائل وبصمات مشاهير الزمن الجميل
عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري...
حكيم العرب ورجل الحوار والإبداع الأدبي / بقلم عرفان نظام الدين
الشراع 14 كانون الثاني 2025
حاز لقب حكيم العرب في المملكة العربية السعودية والعالم العربي عن حق وجدارة لاعتبارات عدة، ونتيجة لجهود حثيثة وإنتاج ضخم ومثمر في مؤلفات وكتب الفكر والشعر والقيم العائلية والاجتماعية متوّجة بتاج الإسلام، دين المحبة والسلام.
إنه الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري (رحمه الله)، رجل الحوار والكلمة الطيبة والتفاني في خدمة وطنه السعودية وأمته العربية، وله بصمات واضحة على كثير من الإنجازات التي تحققت بإشراف الملك عبد الله بن عبد العزيز، طيّب الله ثراه، وتوجيهاته.
تعرّفت على الشيخ الجليل قبل أكثر من نصف قرن عندما حضرت مع رؤساء التحرير مناورة ضخمة للحرس الوطني السعودي برعاية وحضور الأمير عبد الله (الملك لاحقاً) الذي كان رئيساً له، وإلى جانبه الشيخ التويجري الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الحرس بالوكالة.
وما يهمنا هنا الوجه الثقافي وليس الوجه الرسمي، وهو ما تجلى في دعمه انطلاق مهرجان الثقافة والتراث الذي حقق نتائج مهمة وشارك في حواراتها، خلال ربع قرن، مئات العرب والمسلمين والأجانب، كما شاركت الأديبات والإعلاميات السعوديات بشكل تدريجي إلى أن وصلن إلى مستوى المشاركة الكاملة، ما أثار ارتياحاً كبيراً.
هذا التحوّل النوعي ينسجم مع تطلعات المفكر السعودي ويتجلى في الحوارات التي كانت تدور في مجلسه وفي مضمون كتبه الكثيرة التي تتراوح بين الشعر والتاريخ، من بينها "رسائل إلى ولدي" و"في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء" و"حاطب ليلٍ ضجِر" و"أجهدتني التساؤلات معك أيها التاريخ" و"أبا العلاء ضجر الركب من عناء الطرق"... وغيرها، بالإضافة إلى موسوعتين عن القائد الموحِّد الملك عبد العزير، طيب الله ثراه، "عند الصباح حمد القوم السرى" الذي يضم مئات الوثائق التاريخية عن المملكة وفكر الملك الديني والقومي العربي وعلاقاته مع دول العالم الأجنبي والعربي وأسلوبه وسياسته الداخلية الحكيمة مع أبناء المملكة من أمراء ومسؤولين وعامة الشعب.
وقد أحدث الكتاب ضجة واسعة لتضمنه وثائق مهمة تُنشر للمرة الأولى. إلا أن الجدل الفعلي قام بسبب السماح للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل بكتابة مقدمة الكتاب واعتباره عدواً للسعودية وهاجمها مرات عدة في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر. لكن الضجة سرعان ما هدأت عندما قرأ أصحابها التفاصيل وفهموا مغزى هذه الخطوة، وهي الحصول على شهادة من الكاتب يتراجع فيها عن اتهاماته والاعتراف بدور الملك عبد العزيز والملوك الذين خلفوه في إرساء دعائم الوحدة العربية الوحيدة الصامدة في المنطقة، وفهم المنتقدون هدف التويجري من هذه الخطوة التي أظهرت الحقيقة كدليل آخر على حنكته ودهائه.
أما عن الرسائل، وهي بيت القصيد، فقد كان الشيخ الحكيم يبرز فيها مفاتيح الحكمة والتمسّك بمبادئ الدين الحكيم وأهمية المزج بين الأصالة والمعاصرة. وأملك عشرات الرسائل المتبادلة معه أعرض فيها مقاطع معبرة:
"أشكرك على رسالتك التي أوليتها جهدك، وهكذا أنت مع الحياة ومع المتاعب، وما أخيله فيك دائماً من فضائل النفس تدفع به بسخاء وسعة. واليوم والحياة العامة لا تبرينا وإن رقصت وغنت وقالت: أنا آتية إليكم لأعلمكم الرقص، أنتم أناس جهلة، فهل صحيح أننا جهلة يا أخ عرفان ولدينا أعظم شريعة وأعلى مرتبة إنسانية؟ كيف لا نعي حقائق لا لبس فيها أمامي الآن محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم، يصعد الجبال ويتضرّع إلى الله أن يعيد إليه ثقته به، فيأتي الجواب لمحمد، صلى الله عليه وسلم: ﴿والضحى والليل إذا سجى ما ودَّعك ربّك وما قلى﴾. هذا القسم العظيم الذي يقول لسيدنا محمد: "والنار والكون نواميسي ما قليتك أبداً يا محمد" وأنا مسكين آلمني ما أعجزتني عنه الأيام والجهل بما فيها… إذاً يا أخ عرفان لا يضيق صدرك ولا تهزمك الأيام في غير الناس وإليك تحياتي واحترامي".
وفي مقطع من رسالة أخرى يقول الشيخ التويجري: "أيها الأخ، كم كنت ملتقى لفضائل أخلاقية وأدبية في تعاملك مع الحياة والناس. لمست ذلك ورأيته من اليوم الأول الذي عرفتك فيه، فالأرواح جنودٌ مجنَّدة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. قد لا يحتاج المرء إلى جهد في تكوين فكرة عن إنسان قابله عابر سبيل، فملامح الإنسان قد تعبر وتعطي انطباعاً أول صورة كريمة عنه، أو أخرى باهتة، ولقد علق في ذهني عن الأخ في يوم بعيد عني الآن صورة كريمة…".
هكذا كان الشيخ الجليل التويجري صادقاً في رسائله وكتبه وفي فكره ومجلسه الذي كان يضم خير رجال الأمة والمثقفين والإعلاميين من كل الاتجاهات والأوطان.
بعد غد:
أشرف مروان عميل لإسرائيل أم مخلص لمصر؟