بيروت | Clouds 28.7 c

اليسار في اميركا اللاتينية: نهاية ايديولوجيا (الجزء الأول) عبد الناصر طه - فنزويلا

 

اليسار في اميركا اللاتينية:
 نهاية ايديولوجيا. ( الجزء الأول) عبد الناصر طه - فنزويلا

الشراع 26 ايار 2023

 

موضوع اليوم شائك ومعقد، أشعر أنني بحاجة إلى تجديد شيء فيه كل يوم، فكرة أو فقرة،  لأن حقيقة الأنظمة الاشتراكية في اميركا اللاتينية لا تبشر بالخير أبدا، فكل نظام منها يغني على ليلاه،  وما كنت اظنّه يجمع بينهم أجده اليوم يختفي من الواجهة ليحل محله نقيضه.  وإلى البداية.

رئيس جمهورية تشيلي،  الاشتراكي " غابرييل بوريك" يتصل بالرئيس الأوكراني " فلاديمير زيلنسكي" ليعرب له عن دعمه في مواجهة " المأساة التي يعيشها الشعب الاوكراني"، بينما يعترف الرئيس الكولومبي " غوستافو بترو"، المحارب الشيوعي السابق، بأن العملية الروسية في أوكرانيا هي غزو، ولكنه يضيف أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها دولة مستقلة للغزو من دولة أخرى، دون أن تتعرض الدولة الغازية لعقوبات قاسية كالتي تتعرض لها روسيا، محددا ان سبب الغزو يحصل بسبب البترول والغاز، وذلك في حديث وجهه إلى الولايات المتحدة الأمريكية؛ في وقت نجد أنظمة يسارية اخرى تؤيد الدولة الروسية ظالمة أو مظلومة ، ومن هذه الدول: فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا؛ بينما ينظر قادة اكبر الانظمة يسارية في اميركا اللاتينية من بعيد إلى صور المعارك الدائرة في اوروبا دون تعليق يذكر.

وفي أمثلة أخرى، نجد تناقضات واضحة في مواقف الحكومات الاشتراكية،  بعضها يواكب الحدث، وبعضها الآخر يتصرف بلا ردات فعل واضحة، مثل مواقفها من إقصاء رئيس جمهورية البيرو المنتخب الفلاّح " بيدرو كاستيو"، أو محاربة حكومة نيكاراغوا لأخصامها السياسيين ونفيهم،( المواقف المهمة كانت من رئيس تشيلي والرئيس المكسيكي فقط)؛ناهيك عن ملاحقة أتباع الكنيسة الكاثوليكية في شوارع العاصمة لمنعهم من اقامة احتفالاتهم الدينية؛ بينما نجد الرئيس الفنزويلي " نيكولاس مادورو" يؤدي الطقوس والعبادات في كنيسة كاثوليكية في العاصمة كاراكاس.

مقدمة تاريخية:

مهدت الثورة الكوبية المنتصرة عام ١٩٥٩م إلى اعتماد الكفاح المسلح وحرب العصابات وسائل مواجهة مع الانظمة اليمينية والعسكرية في معظم انحاء اميركا اللاتينية،  في محاولات لاسقاط الدكتاتوريات المشابهة لنظام " باتيستا" ، إضافة إلى محاربة التسلط الامريكي المتمثل بحكومات تابعة تعمل تحت إمرة الولايات المتحدة الأمريكية ومخابراتها. 

آنذاك، كانت العلاقة مع الاتحاد السوفياتي هي أساس الصمود، ورافعة استمرار التجربة الاشتراكية،  حتى تاريخ سقوطها في عقر دارها ، وسقوط جدار برلين وتفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار منظومة الدول الاشتراكية ودول حلف وارسو.
بالرغم من ذلك الانهيار، لم تسقط التجربة الكوبية أمام الحصار الأميركي المؤازر من دول الجوار في الامريكيتين: الوسطى والجنوبية؛ وظلت صامدة حتى حقبة التسعينات من القرن الماضي،  حين اضطر جميع المتحاربين الى الجلوس حول طاولة حوار أدى في النهاية إلى عودة الديموقراطية إلى معظم دول القارة،  بعد أنهار من الدماء.
ولقد مر الثوار الاشتراكيون بانتصارات في أماكن، وبإخفاقات في اخرى، حتى كان انتصار الثورة الساندينية في نيكاراغوا عام ١٩٧٩م، وصمودها التاريخي في وجه مؤامرات الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت تدعم مناوئي الرئيس " دانيال أورتيغا"، إلى أن سقط الحكم الاشتراكي السانديني في صناديق الاقتراع عام ١٩٩٠م؛ ومن بعض النجاحات كان فوز الحركة البيرونية في الأرجنتين وتقلدها زمام الحكم في معظم الدورات الانتخابية الممتدة من ثمانينات القرن الماضي حتى أيامنا هذه.
أما لجهة الاخفاقات فكان أبرزها فشل نقل التجربة الكوبية إلى دولة بوليفيا،  ومصرع " تشي غيفارا" رمز الثورة الاشتراكية اللاتينية، ثم اجهاض التجربة الاشتراكية الرائدة التي قادها الثائر " سلفادور أليندي" في دولة تشيلي،  وإسقاطها بشكل دموي إجرامي على يد الجنرال " بينوتشيه" ورفاقه العسكريين؛ وتعتبر تجربة تشيلي هي الاكثر إثارة وتميزاً ، وتستحق دراسة واسعة وشاملة.