بيروت | Clouds 28.7 c

"المستشرقون ودورهم الاستعماري"/ بقلم محمد المشهداني

 

"المستشرقون ودورهم الاستعماري"/ بقلم محمد المشهداني

الشراع 26 كانون ثاني 2023

 

في عام 1882وصل رجل إلى وادي سدر في سيناء متنكرا ومتخفياً في زي تاجر سوري اسمه عبد الله افندي ،ومعه شخص آخر متنكراً في زي شيخ أزهري مصري يدعى محمد ،ومعه مجموعة من البدو في الطريق ،علم البدو ان مع هذين الرجلين حقيبة مليئة بالنقود فقرروا سرقتها وقتلهما .الهوية الحقيقة لعبد الله افندي كان استاذاًبريطانياً  في قسم اللغات الشرقية في جامعة كامبريدج . يدعى  "ادوارد بالمر". يتقن اللغة العربية اتقانا مذهلا ويعشق المتنبي . اما الشيخ محمد الأزهري فلم يكن سوى "كابتن جيل"  وهو ضابط استخبارات بريطاني .
كان الرجلان في مهمة سرية لرشوة بعض شيوخ القبائل في سيناء وغزة لقطع الطريق على اي قوات تأتي لمساندة ثورة "احمد عرابي" على الاحتلال البريطاني.
"إدوارد بالمر" هو أحد نماذج المستشرقين الذي كان بعضهم مثل.  "حصان طروادة" تحت قناع الثقافة والدراسة العلمية دخلوا العالم العربي والإسلامي لمعرفة أحواله وظروفه السياسية والإجتماعية لكن الهدف الأساسي لهم كان تسهيل احتلال هذه البلاد ومعرفة من يصلح للتعاون ومن يشكل تهديدا او مقاومة محتملة وإليك مثلا.
عند دخوله واحتلاله مصر حرض نابليون بونابرت على تنفيذ ثلاث أشياء. 
١_ إبقاء غزوه سرا تحسبا لمهاجمة الأسطول الانكليزي له في البحر المتوسط. 
٢_ بمجرد ان وطأت قدمة الإسكندرية ارسل سفراء إلى إسطنبول لتجنب عداوة الدولة العثمانية. 
٣_ بعد يوم واحد من استقراره في القاهرة سحب السلاح الشخصي من المسلحين المسلمين وهدم بوابات الأحياء. 
هذه الخطوات الثلاث كانت توصيات من شخص 
"الكونت جي فولني" رحالة فرنسي كان حاقد ومعاديا للإسلام بقوة ومطلعا على أحوال المنطقة بالقوة نفسها .
وفي كتابه "رحلة في مصر وسورية "عام 1787شرح العقبات التي يمكن أن تواجه اي حملة فرنسية في تلك الأراضي وصنفها كالتالي. انكلترا و الباب العالي والمسلمين أنفسهم وهو ما ركز عليه نابليون بونابرت في تنفيذ حملته بالتسلسل نفسه وإليك مثالا آخر. لمستشرق من هولندا كان أخطر من فرقة عسكرية كاملة عام 1873شنت هولندا حملة عسكرية على سلطنة مسلمة تسمى "اتشيه" الواقعة ضمن الارخبيل الإندونيسي ,لكنها واجهت مقاومة عنيفة وشرسة من الشعب المسلم هناك ,والذي رفض الاستسلام استعانت هولندا برجل اسمه "كريستيان هورجريني" والذي قضى عاما ونصف في "مكة" وادعى أنه أصبح مسلماً وسمى نفسه "عبد الغفار" لكن الحكومة العثمانية طردته بتهمة التجسس ،
بمجرد عودته إلى هولندا كتب المقالات عن خطر الإسلام وأتباعه في "اتشيه" على أملاك هولندا ويقصد المناطق التي غزتها هولندا هناك إستطاع 
"كريستيان" بمساعدة ابن احد الأعيان من "اتشيه" ان يكشف الحياة الاجتماعية ونقاط الضعف التي يمكن أن يدخل منها الاحتلال الهولندي ،ويقضي على المقاومة ليحتل المناطق بأقل الخسائر والتكاليف.
وفي نموذج آخر في العراق . "غيرتورد بيل" او الخاتون كما يلقبها محبو وأنصار العهد الملكي "مس بيل" وتحت غطاء دراسة الآثار كانت تعمل لصالح مكتب الاستخبارات البريطانية بالتعاون مع "لورانس العرب" لفهم العرب وكيف التعامل معهم ،والسيطرة عليهم وتعبئتهم ضد العثمانيين وتشجيعهم على الانضمام إلى جانب الاحتلال البريطاني ،ومع ان البعض يدعى ان " مس بيل " سحرتها الثقافة واللغة في المنطقة ووقعت في غرامها لكنها وبعض المستشرقين غيرها ساهموا في شكل مباشر في تمهيد الطريق أمام الاحتلال .
ومع وجود بعض الاختلافات بينهم لكن اغلبهم اشتركوا في رغبة راسخة لامتلاك السلطة الفكرية على الشرق ، وتوكيد التفوق الغربي ،ودونية الشرق الذي نهبت دولهم ثرواته.

محمد المشهداني _ الشراع