بيروت | Clouds 28.7 c

القراران ١٧٠١ و ١٥٥٩ / العميد غسان عزالدين

 


القراران ١٧٠١ و ١٥٥٩ 
العميد غسان عزالدين 

الشراع 12 تشرين الأول 2024

فجأة وبعد مضي ثمانية عشر عاماً على صدور القرار ١٧٠١ عن مجلس الأمن الدولي ،استفاق اللبنانيون على دعوات المسؤولين اللبنانيين الذين اجمعوا على وجوب تطبيقه !!

ثمانية عشر عاماً وهو نائم في الادراج ،ولم نطبقه نحن بذريعة استمرار احتلال اسرائيل لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا ،واعطينا الذريعة لعدونا لرفضه …

اسرائيل لم تكن منزعجة ابداً من رفضنا تطبيقه !!لأن الولايات المتحدة فرضت يومها ارادتها فرضخت اسرائيل وهي تدرك انه لن يُطبق .

اليوم من بنيامين نتنياهو الى اصغر وزير عنده يقولون صار ١٧٠١ خلفنا .. الرئيس بري يقول ومعه  الرئيس ميقاتي: نعم للقرار ١٧٠١ ،ولكن لا للقرار  ١٥٥٩  الذي  صار  خلفنا !!!

من خلف من ؟؟؟

 

السؤال هنا كيف ذا والقرار ١٧٠١ الذي نطالب اليوم بتطبيقه ،ينص في مقدمته على وجوب تطبيق القرار ١٥٥٩ ؟؟

القراران مترابطان .. احببنا ذلك او كرهناه .

ان الارادة الدولية تفرض في متن القرار ١٧٠١ وجوب تجريد حزب الله من سلاحه، وعدم جواز وجود اي تنظيم مسلح الى جانب الجيش اللبناني ،إستناداً للقرار ١٥٥٩ الصادر في ايلول من عام ٢٠٠٤ .

اننا في خضم تناقض قانوني وواقعي ،ونحن هنا لا نناقش مسألتي الحق والباطل او من هو المحتل والمعتدي ومن هو المُحتلة ارضه ويتلقى ضربات المعتدي الإسرائيلي .

فهذه مسألة بديهية ولا يختلف عليها عاقلان ،ولكننا يجب ان ندرك ان القوة هي الحق المزعوم ،فنحن لا نعيش في مدينة افلاطون، ولا في مدينة الفارابي الفاضلة، بل نعيش العصر الإسرائيلي بكامل تشعباته وتداعياته ودمويته واجرامه …

وهذا العصر ما كان ليستمر لولا الدعم الاميركي المفتوح ،وكذلك تواطؤ كافة دول اوروبا وغير دول اوروبا ايضاً !!.

عندما نعلن عن استعدادنا لقبول تطبيق اي قرار دولي صادر عن مجلس الأمن ،فهذا يعني اننا نسلّم

بما تريده الولايات المتحدة الاميركية … انها الحقيقة التي يبغضها اللبنانيون . ان الزجل هنا لا يفيدنا بشيء فنحن لا نملك لا التكنولوجيا المتقدمة التي يملكها عدونا، ولا نملك طائرة واحدة تشبه المقاتلة القاذفة الأحدث في العالم وهي الأف ٣٥ ،ولا نملك حاملات طائرات

ولا غواصات الدولفن المسلحة بصواريخ التوما هوك او الكروز القادرة على حمل رؤوس نووية ..

نحن لا قِبَلَ لنا برؤية ما تخفيه صفحات مياه البحرين المتوسط والأحمر والخليج العربي ،ولكننا ندرك بحدسنا وبواقعنا: ان غواصات الدولفن الإسرائيلية وهي احدث ما انتجته المانيا المعروفة بأنها ام حروب الاعماق وابيها …تسرح وتمرح وتراقب الجميع .. هذا اذا لم نتكلم عما يطوف على السطح !!

انني اتوجه الى عقول الناس ،وأنبّه اننا لا نملك ترف الخيارات المفتوحة، فنحن هنا لسنا في احد مطاعم المحبة ( انشأها الراحل شارل حلو مع بعض الرهبانيات وكانت تقدم وجبات مجانية  للمعوزين والفقراء )

يدخل المُعْسِرُ الى المطعم ويتناول

ما يُقَدمُ له ،فلا مجال للإعتراض على نوعية الطعام او جودته، اي لا غنج ولا دلال ،فحاله لا تسمح له بأن يتفوه بكلمة  ،وان يتغطرس ويتبرطع  ويطلب  ان يأكل وفق لائحة المانيو أو :A’ La Carte!!

بل يكون ملزماً بما يُقدم له على جاري المثلين

الإنكليزي القائل :

Take it or leave it

واللبناني بالدارج :

شو ما اعطاك عمك خود منه …

انها الواقعية المرّة … انه كأس الشراب المحنظل الذي يُفرض علينا تناوله والا الخراب الشامل …

نحن نواجه عدواً قتل وما يزال اكثر من خمسين الفاً من ابرياء غزة ،وهو متعطش لنقل التجربة الغزاوية وتطبيقها قي لبنان ،لا يردعه رادع ولا يرده وازع .

علينا الخروج بأقل قدر ممكن من الخسائر ،وهذا ليس استسلاماً  للعدو .. ايران النووية تنحني لمرور العاصفة حتى تمر وتمضي .. فلتكن لنا فيها  اسوة حسنة .

ان لب المشكلة وجوهرها يكمن في مزارع شبعا التي لا يمكن اغفالها في اي بحث يتناول القرارين ١٥٥٩ و ١٧٠١ . الجانبان الاسرائيلي وخلفه الاميركي يعتبرانها اراضٍ اسرائيلية ويتصرفون على هذا الاساس .

اعتقد كفانا شعارات ببغائية ولِنَلِجَ الى الأصل في الجوهر :

 

تمتد المزارع بطول ٢٤ كلم وبعرض يتراوح بين ١٣ و١٤ كلم وترتفع ١٢٠٠ متر عن سطح البحر . هي خزان مياه الكيان الاسرائيلي الذي انشأ عدة مراصد عسكرية على قممها بغرض التنصت والمراقبة اهمها :مرصد الفوار الذي يُعتبر الأهم والأضخم في منطقة الشرق الاوسط برمتها ويغطي مساحات كبيرة من اراضيها .

 

بموجب القرار رقم ٣١٨ الذي يلحظ انشاء دولة لبنان الكبير عام ١٩٢٠ الصادر عن المفوض السامي الفرنسي الجنرال هنري غورو ،أُعتبرت المزارع جزءاً لا يتجزأ من قضائي مرجعيون وحاصبيا .

للأسف لم يرسم الانتداب الفرنسي خريطة سياسية للبنان ،ولم يرسّم حدوده الشرقية والشمالية مع سورية ، بل أضطر لتحديد وترسيم حدوده مع فلسطين نزولاً عند الطلب البريطاني ،وكانت اتفاقية

" بوليه الفرنسي والبريطاني نيوكومب " عام ١٩٢٠ التي وقعتها الدولتان المنتدبتان عام ١٩٢٣ ،وصادقت عليها عصبة الأمم عام ١٩٣٢ .

اللافت في الأمر ان قراراً صدر عن المفوض السامي الفرنسي الكونت دامين دو مارتيل عام ١٩٣٦  ،يقضي بتسمية هوية الاراضي المتداخلة بين لبنان وسورية ومنها مزارع شبعا على هوية مالكيها وكان معظم المالكين لبنانيون،وبالتالي أُعتبرت المزارع لبنانية كما كان ينص قرار الجنرال غورو عام ١٩٢٠ .

ظلت الحالة هادئة واللبنانيون يستغلون اراضيهم في المزارع ،وينتقل اليها رعاتهم  مع قطعانهم عند بداية  كل فصل ربيع مستفيدين من المراعي الخضراء المترامية ،ومن عشرات الينابيع والجداول

ولا ينزلون الى شبعا وجوارها الا اواسط الخريف والشتاء …وهكذا دواليك .

خلال ستينات القرن العشرين *بدأ السوريون يرسلون وحدات من الهجانة الى المزارع اخذت تضيق على اللبنانيين معاشهم في ظل غياب شبه كلي لأجهزة الدولة من جيش ودرك وقد ذكرت بعض روايات

يتناولها اهالي شبعا المعاصرين ان مالكي الاراضي اشتكوا للمخفر في شبعا ,الذي اكتفى عناصره قليلو العدد بتسجيل الشكاوى ورفعها من دون اتخاذ اي اجراء لبناني جدي ،خصوصا ًمع تنامي الوجود المسلح الفلسطيني في المنطقة .

بحلول عام ١٩٦٦ كانت الهجانة السورية قد طردت كل اللبنانيين من المنطقة .

عام ١٩٦٧ احتلت اسرائيل الجولان كاملاً، وضمته لاحقاً معتبرة ان مزارع شبعا بما انها ملاصقة للجولان فهي جزء منه . صدر يومها القرار الدولي ٢٤٢ وجاء خلواً من اي تمييز للمزارع او ذكر لها .

 

اشتعلت ثم توقفت حرب تشرين ١٩٧٣ بموجب قرار مجلس الامن رقم ٣٣٨ أعترفت بعدها الولايات المتحدة "بالسيادة الاسرائيلية" الكاملة على الجولان من دون اية اشارة للمزارع التي لم يكن  اللبنانيون  يعرفون عنها شيئاً حينها بإستثناء اصحابها .  ثم صدر قرار عن مجلس الامن عام ١٩٧٤ بعد توقيع اتفاقية فك الإشتباك بين سورية واسرائيل حمل الرقم ٤٩٧ الذي نصّ على تشكيل " الإندوف " لمراقبة التنفيذ وحدد بقعة عمل المراقبين الدوليين ،وكانت خرائطهم تلحظ مزارع شبعا كجزء لا يتجزأ من ارض الجولان !!! ولم تصدر يومها اية اعتراضات لبنانية رسمية ،ولو على سبيل الشكوى او حتى التنبيه او  تسجيل موقف سيادي .

الى ان وصلنا الى ما سُمي بالخط الأزرق في عهد الرئيس اميل لحود الذي رسمته الأمم المتحدة، وهو لا يعتبر حدوداً رسمية بل مجرد نقاط حدودية ،فقد جاء هذا الخط الوهمي ليمر على جبل السماق وشمال قمة جبل روس مبقياً المساحة الكبرى من المزارع  تحت سيطرة الإحتلال الإسرائيلي !!.

 

المشكلة تتعقد اكثر عندما نقرأ التقرير الأممي الصادر بتاريخ ٢٢ إيار من عام ٢٠٠٠ ،الذي يقول ان الأمم المتحدة تلقت  خريطة لبنانية تعود للعام ١٩٦٦ تبين ان مزارع شبعا لبنانية !!! ثم يزعم التقرير

ان لبنان قدم ابتداء من العام ١٩٩٦ عشر خرائط تِظهر ان المزارع ضمن الاراضي السورية .

يومها قال الوزير وليد جنبلاط مشككاً: ان الخرائط التي رفعها لبنان الى الامم المتحدة نظمها ضباط سوريون ولبنانيون .. ثم اضاف ساخراً اننا بموجبها

احتللنا مزارع شبعا ووادي العسل نظرياً …

 

بتاريخ ٧ نيسان من عام ٢٠٢١ نشرت مجلة اميركية هي :

Newlines Magazine

مقالاً للسفير فريدريك هوف ( صاحب خط الترسيم  البحري بين لبنان واسرائيل ) يقول فيه  انه التقى الرئيس بشار الاسد في قصر تشرين بتاريخ :

٢٨ شباط من العام ٢٠١١  ويضيف : " صدمتني صراحة الاسد الذي لم يتردد في القول لدبلوماسي اميركي ان مزارع شبعا هي ارض سورية وليست لبنانية !!…"

 

الخلل في موقفنا والوهن الذي يصيبنا دبلوماسياً وسياسياً يعود لعقود عجاف ،وهذا لا بد وان يسبب

كوارث عديدة على كافة المستويات .. كل الشعارات الرنانة التي رددناها من شعب واحد في بلدين الى وحدة المسار والمصير وغيرها من الشعارات التي تمخضت عن العنوان  الكبير : العلاقات المميزة

التي ابدع منافقونا من السياسيين وغير السياسيين على اطلاقها، وإيكال  المدائح الكاذبة في موضعها وكذلك في غير موضعها توسلاً لمنفعة والتماساً لرضى زيد او عمرو … اوصلتنا للدرك الذي نحن فيه اليوم ،ولو صرف متزلفونا قليلاً من الوقت لحل قضية مزارع شبعا بالإتفاق مع الاخوة السوريين بدل التبخير والتزلف ،لكنا وبأضعف الإيمان احرجنا كل من ينكر حقنا الوطني كلبنانيين في المزارع ،ولترافق عملنا السياسي مع مقاومة الاحتلال .

لا يزايدن احد على احد فنحن محكومون بالتعاون مع الأخوة السوريين بحكم الجغرافيا والتاريخ والمصلحة الاقتصادية والانفتاح على بعضنا والتعاون في كافة المجالات ،وارعن متهور كل من يدعو لعكس ذلك ،ولكن شرط ان تكون العلاقات عبر المؤسسات وليس عبر ضباط العسس والمخابرات من حملة البكالوريا !!!!

وقد اثبتت التجربة فشلها عبر التاريخ ،ولتكن الوحدة السورية المصرية لعام ١٩٥٨ وكذلك الحكم السوري للبنان منذ العام ١٩٧٦ وحتى العام ٢٠٠٥  كافيتين لنتعلم منها كيف نبني مستقبلاً عربياً واحداً  وهذا

هو حلم كل عربي مخلص وكذلك كل سوري ولبناني

في البلدين الشقيقين .

ان تفاهم بلدينا واقرار هوية المزارع اللبنانية ،هو المدخل الوحيد لمواجهة فرض القرارين ١٥٥٩ و ١٧٠١

علينا وعلى سورية.

فلتبدأ رحلة الألف ميل من حلحلة عقدة مزارع شبعا بعيداً من النفاق والكذب والمراوغة .. لقد تأخرنا كثيراً نحن على شفا موت زؤام .. فهلا وعِينا ؟؟

 

———————

* تفيد الشراع ان حكومة خالد العظم في سورية ،اقامت مخفراً متقدماً لعساكر سوريين عند سفوح جبل الشيخ ، حيث تلتقي الحدود اللبنانية - السورية-الفلسطينية بهدف منع التهريب الذي كان يعتمده مهربون بين الدول الثلاث قبل وبعد احتلال فلسطين عام 1948.

* ⁠وتفيد الشراع ان لبنان الرسمي تحدث بعد تحرير المقاومة للأراضي اللبنانية المحتلة  العام 2000 طلب من سورية إعلان لبنانية مزارع شبعا ، وان وزير خارجية سورية يومها فاروق الشرع اعلن لبنانية المزارع ، فلما طلبت منه جهات دولية إرسال وثيقة رسمية سورية بذلك الى الامم المتحدة، لم يجب حتى الآن على الرغم من مرور نحو ربع قرن على هذا الطلب .

* ⁠الشراع كانت كتبت عدة مرات ان مدير عام الامن العام اللبناني جميل السيد رسم خارطتين متناقضتين للحدود اللبنانية- السورية- الفلسطينية :

* ⁠الخارطة الاولى اورد فيها ان مزارع شبعا سورية …

* ⁠بعد العام 2000 وتحرير الجنوب وزع جميل السيد نفسه خارطة تظهر ان مزارع شبعا هي مزارع لبنانية ( وهذا هو الواقع ، لكن السيد رسم الخارطة الاولى بناء على أوامر النظام السوري ، ثم رسم الخارطة الثانية بعد فترة بناء على أوامر النظام السوري نفسه ..ايضاً

* ⁠الشراع