بيروت | Clouds 28.7 c

العدو لن يهزم "الحوثى"/ كتب: عبدالحليم قنديل - الشراع 28 كانون الأول 2024

 

العدو لن يهزم "الحوثى"/ كتب: عبدالحليم قنديل

الشراع 28 كانون الأول 2024 

 

بدا مشهد كيان الاحتلال عبثيا مثيرا للسخرية والاستهزاء ، وهو يعلن عزمه تقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولى ، تتهم جماعة "الحوثى" اليمنية بتكرار "اعتداءاتها" الصاروخية على مدن "الكيان "، وتطالب بتصنيف "الحوثى" كمنظمة إرعابية ، بينما هذه "الإسرائيل" هى أم  الإرعاب والوحشية والهمجية والعنصرية الدموية ، وعبرت مرارا عن احتقارها للأمم المتحدة ذاتها ، وقام مندوبها بتمزيق ميثاق المنظمة الدولية علنا، واتهامها بأنها هيئة إرعابية ، واتهام أمينها العام "أنطونيو جوتيريش" بالعداء للسامية !!، وبالتحالف مع حركة "حماس" ضد "الكيان " ، المدان  بمئات القرارات الدولية ، والمطارد رئيس وزراءه " بنيامين نتنياهو" بقرار اعتقال من محكمة الجنايات الدولية .
  ومن خطاب "المسكنة" إلى خطاب التهديد ، راح وزير خارجية الكيان "جدعون  ساعر "يخلى مكانه لوزير الحرب "إسرائيل كاتس" ، الذى توعد "الحوثى" بالويل والثبور وسخائم الأمور ، وهدد "عبد الملك الحوثى" بمصائر "حسن نصر الله" و"إسماعيل هنية" و"يحيى السنوار" ، وقال متعجرفا ، لقد أسقطنا نظام "بشار الأسد" والدور على "الحوثى" ، وزاد زميل "كاتس" وزير المالية "بتسلئيل سموتريتش" ، وخاطب "الحوثيين" متهكما "إنكم لم تجربوا بعد ثقل ذراع إسرائيل" الطويلة (!) ، مع أن هذه "الإسرائيل" لم تحقق أى نصر فى الحرب على "غزة" أو فى الحرب على لبنان ، ولا نجحت فى إلحاق أذى مؤثر فى الحرب مع "الحوثيين" ، عبر ثلاث حملات قصف جوى شنتها وتفاخرت بها ، وانتهت كلها على طريقة "إيش تاخد الريح من البلاط " كما يقول المثل العامى المصرى ، تماما كما انتهت عشرات غارات حلفاء "إسرائيل" من الأمريكيين والبريطانيين على اليمن ، وكلها لم تفلح فى وقف غلق "الحوثيين" للملاحة فى البحر الأحمر ، ومنعهم أى سفينة متوجهة لموانى "إسرائيل" من العبور ، ومطاردة حاملات الطائرات الأمريكية الضخمة فى عرض البحر ، وإسقاط العديد من الطائرات المسيرة الأمريكية الأكثر تطورا ، بل والتسبب بإسقاط طائرة أمريكية مقاتلة من طراز "إف ـ 18" ، وقد اعترفت واشنطن بسقوط الطائرة ، وإن عزت السبب إلى نيران أمريكية صديقة ، وفى كل مرة إغارة "إسرائيلية" أو أمريكية أو بريطانية ، يأتى الرد الفورى من "الحوثى" ، وتنطلق الطائرات المسيرة من اليمن ، إضافة للصواريخ الباليستية التى يقال أن بعضها "فرط صوتى" ، وتصل فى دقائق إلى عمق كيان الاحتلال ، وتعجز الدفاعات الجوية "الإسرائيلية" والحليفة عن التصدى للصواريخ غالبا ، وإذا تصدت ونجحت فى شطر الصواريخ اليمنية من طراز "فلسطين ـ 2" ، فإن شظايا الصواريخ تلحق أضرارا وإصابات وقتلى أحيانا ، على نحو ماحدث فى تدمير مدرسة بالقرب من تل أبيب ، أو إحداث عشرات الإصابات بالمستوطنين المفزوعين مع إنطلاق صفارات الإنذار ، وتدافع ملايين "الإسرائيليين" إلى الملاجئ ، ومن مناطق الوسط فى الكيان إلى ميناء "عسقلان" ، وقبله ميناء "إيلات" ، الذى توقف عمله تماما بسبب ضربات "الحوثيين" بحرا وجوا ، إضافة إلى خسائر الاقتصاد "الإسرائيلى" المتراكمة ، وزيادة أسعار السيارات والسلع المستوردة من شرق آسيا بالذات ، مع تضاعف تكاليف الشحن البحرى ، واضطرار السفن المتجهة إلى الكيان للذهاب عبر مسارات بديلة طويلة .
  وقد كان استيلاء الجيش المصرى على مضيق "باب المندب" اليمنى مع أول ساعات حرب أكتوبر 1973 ، كان خطوة جوهرية لتحقيق النصر العسكرى ، فيما يتحكم "الحوثيون" اليوم بالنيران فى "باب المندب" ، ويخنقون "إسرائيل" تجاريا ، وقد وجدوا بما فعلوا وسيلة فعالة لنصرة الشعب الفلسطينى فى حرب "غزة" ، وزادوا فى النصرة بإطلاق صواريخهم ومسيراتهم على الكيان ، على الرغم من تنائى المسافات ، وعبور القذائف إلى أهدافها على بعد يزيد على ألفى كيلومتر ، ومع كل غارة "إسرائيلية" على "الحديدة" و"صنعاء" و"رأس عيسى" وغيرها ، يتفاخر العدو بقدرة مقاتلاته الأمريكية والتزود بالوقود فى الجو ، بينما يفعلها الحوثيون ويصلون إلى مدن الكيان ، وعلى نحو أبسط فى وقت قصير عابر ، لا فى ساعتين كما يفعل "الإسرائيليون" ، خصوصا عند استخدام الصواريخ الباليستية بعيدة المدى فرط الصوتية ، التى لا يزيد ثمنها على آلاف الدولارات ، بينما يتكلف كل صاروخ اعتراضى "إسرائيلى" ملايين الدولارات ، وعلى نحو دفع "إسرائيل" مؤخرا إلى رصد 550 مليون دولار إضافية لتأمين المزيد من صواريخ "حيتس" الاعتراضية ، وبهدف تحسين القدرة على صد الصواريخ الحوثية ، إضافة لاستجداء "إسرائيل" المزيد من دعم الحلفاء الغربيين ، ودعوتهم للمشاركة فى ضربة قاصمة ضد "الحوثيين" ، لا تبدو نتائجها سارة لهم إن جرت ، فهؤلاء الحلفاء فعلوا من قبل كل ما يستطيعون ، وأنشأوا ما أسموه "تحالف الازدهار" فى البحر الأحمر بدعوى حماية الملاحة البحرية الدولية من هجمات "الحوثيين" ، ومن دون تحقيق الهدف فى ردع "الحوثيين" ، الذين يعلنون فى حزم ووضوح ، أن الهجمات لن تتوقف إلا إذا توقفت حرب الإبادة الجماعية الأمريكية "الإسرائيلية" فى "غزة" ، وقد صدقوا فيما قالوا حتى اليوم ، ومن دون أن تنكسر إرادتهم ، ولا اهتز قرارهم الصلب ، حتى بعد بوار تراجع فى الموقف الإيرانى المعلن المتنصل غالبا من سلوك "الحوثيين" ، وإيران ـ كما يعرف الكل ـ هى المصدر الأساسى لصواريخ "الحوثيين" وطائراتهم المسيرة ، وهى المورد الغالب لتكنولوجيا صناعاتها إلى اليمن ، وإن كان "الحوثيون" نجحوا على ما يبدو فى اكتساب تكنولوجيا التحدى ، واستطاعوا صناعة وتطوير عدد من طرازات الصواريخ والمسيرات ، وهم لا يخفون صلاتهم الوثقى بالمحور الإيرانى ، وإن بدا طيع العناد اليمنى ظاهرا فى تصرفاتهم ، وحرصهم على إعلان الاستقلال فى القرارات ، وعلى مداومة نصرة الشعب الفلسطينى المظلوم ، وبمزيج من الدواعى القومية والدينية .
  وقد تكون مثلى ، ومثل الكثير من اليمنيين بالذات ، من غير المعجبين كثيرا أو المؤيدين لسلوك جماعة "الحوثى" فى الشأن اليمنى المنهك الممزق ، وبأدوارهم ـ مع غيرهم ـ فى التقسيم الفعلى لليمن العزيز ، وإن كان دورهم فى نصرة الشعب الفلسطينى ، مما يستحق الإعجاب والتقدير ، وكثير من الأطراف الوطنية اليمنية المخالفة والمعارضة للحوثيين ، هم مثل "الحوثيين" فى موقف العداء لكيان الاحتلال ولحماته الغربيين المستكبرين ، ويتمنون لو كانت لهم القدرة ذاتها ، التى يملكها "الحوثيون" فى المواجهة المسلحة لكيان الاحتلال الإرعابى الغاصب ، بل ويفاخر بعضهم بما يفعله خصومهم "الحوثيون" فى الأداء المسلح ضد طغيان العدو الأمريكى "الإسرائيلى" ، بينما يعجز العدو عن ردعهم كأنهم "دولة عظمى" ، ربما بسبب "الطوبوجرافيا" والتضاريس الجبلية الصعبة المميزة لليمن ، وبما يتيح للحوثيين وغيرهم من اليمنيين إن أرادوا ، مقدرة على إخفاء مخازن ومنصات إطلاق الصواريخ والمسيرات ، وتحركات القوات والقتال الشرس ، حتى لو لجأ العدو إلى أساليب اغتيال الزعماء والقادة ، أو حتى دعوة دول مجاورة للمشاركة فى حملة حرب برية ضد "الحوثيين" ، وأغلب الظنون ، أن الدول المعنية لن تقبل المشاركة مع "إسرائيل" وأمريكا فى حرب العار المفضوح ، التى قد لا يتحمس طرف يمنى واحد ـ أيا كان مذهبه ـ للمشاركة فى إثمها ، وهو ما يزيد من مأزق كيان الاحتلال فى التعامل مع التحدى اليمنى ، ربما لذلك ، تفضل أطراف فى الكيان الذهاب لضرب إيران لوأد النار اليمنية ، وهذه قصة أيسر من ضرب الحوثيين ، مع توافر قواعد معلومات استخباراتية "إسرائيلية" عن الداخل الإيرانى مقارنة بانغلاق "الحوثى" ، وإن كان لا أحد يستبعد ، أن تحاول "إسرائيل" الجمع بين المغامرتين ، وبالذات مع تولى "دونالد ترامب" الحكم رسميا فى البيت الأبيض بعد أسابيع ، وقد كان كل ما فعله "ترامب" فى ولايته الأولى ، أن وضع "الحوثيين" فى قائمة المنظمات الإرعابية ، وهو ما عادت إليه إدارة "جو بايدن" ، ومن دون أن يعنى ذلك قليلا ولا كثيرا ، فسلطة "الحوثيين" فى اليمن قائمة بحكم الأمر الواقع ، وليس من اعتراف دولى رسمى بحكومتهم سوى عند إيران ، أى أنهم لن يخسروا شيئا بتصنيفات الإرعاب وسواها ، وقد قدموا بطاقة اعتمادهم للجمهور العربى بنصرتهم الجادة للحق الفلسطينى ، وربما يساعدهم ذلك فى المعادلات اليمنية المعقدة ، وفى كسب مزايا أفضل فى المفاوضات القابلة للتجدد عن الشأن اليمنى ، ودونما خشية ظاهرة من تحرك الآخرين نحو صنعاء ، فقصة اليمن مختلفة بالجملة عن القصة فى سورية، والسند الشعبى اليمنى للحوثيين حقيقى ومرئى ، وهو ما لم يكن متوافر لنظام الأسد المعلق فى هواء ، إضافة لتردد الأطراف الإقليمية المعنية فى استئناف المواجهة مع "الحوثيين ، وهو ما قد يعنى فى المحصلة ، أن أحلام العدو فى ضرب "الحوثيين" قد تظل متعثرة ، وتراوح فى مكانها ، حتى لو جرى اللجوء الخشن لاغتيال قيادات حوثية بارزة ، فلم تستفد "إسرائيل" من اغتيال قادة المقاومة فى فلسطين وفى لبنان ، ولا مبرر للظن ، أن الاغتيالات فى اليمن قد تنفع العدو . 
Kandel2002@hotmail.com