بيروت | Clouds 28.7 c

لبنان في عنق الأزمات والرهان على هدنة مرحلية تجنبه الاسوأ /  خاص – الشراع

 مجلة الشراع 24 آب 2020

كشف مسؤول لبناني كبير انه طلب  من نائب وزير الخارجية الاميركي دافيد هيل لدى استقباله له خلال زيارته  الاخيرة الى لبنان  فتح حوار  وبدء التفاوض مع طهران, معتبرا ان مجرد بدء الحوار بينهما من شأنه حل  الازمة في لبنان, وان على الاميركيين ان يحلوا مشكلتهم مع ايران وان لا يستخدموا لبنان ساحة لتصفية الخلاف معها.

وحسب المسؤول الكبير نفسه فان دافيد هيل قال له بصراحة ان بلاده عرضت التفاوض  اكثر من مرة مع ايران الا انها رفضت.

كلام هيل ليس جديدا, الا ان الجديد فيه هو انه يرد على لسان مسؤول اميركي كبير معني بما يدور في المنطقة ومن ضمنها لبنان. وهو يعّبر من بين ما يعبر عنه الاعتراف بان أزمات لبنان المتلاحقة هي من نتاج التوتر لا بل الصراع الاميركي- الايراني المحتدم في هذه المرحلة.

كما يعني- ضمناً- كما يقول مصدر معني بالامر مباشرة ومحسوب على حزب الله:

" ان واشنطن او الصقور فيها وعلى رأسهم وزير الخارجية مايك بومبيو ومساعده لشؤون الشرق الادنى دافيد شينكر والفريق المكلف متابعة الوضع في لبنان  يعتقدون ان تضييق الخناق على حزب الله من خلال  تعريض اللبنانيين  لما يتعرضون له منذ اكثر من عام من  حصار وعزل وأزمات ومشكلات يمكن ان يدفع ايران الى التراجع وتقديم ما هو مطلوب منها من تنازلات في ملفات اقليمية عديدة".

 فايـــــران، وكما هو معروف، رفضت  ومنذ قيام الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالغاء الاتفاق النووي الذي وقع في عهد سلفه باراك اوباما .. رفضت مراراً محاولات قام بها البيت الابيض من اجل معاودة التفاوض معها لفرض شروط جديدة عليها , ولم تتراجع عن موقفها لا بل ازدادت تمسكاً بموقفها على الرغم من كل الخطوات التصعيدية التي قامت بها واشنطن ومن ضمنها تشديد الحصار عليها واغتيال الجنرال قاسم سليماني ، وصولاً الى العمل بكل الوسائل من اجل ضرب ما تسميه الولايات المتحدة أذرع ايران في المنطقة وفي مقدمتها حزب الله.

و لذلك – كما يتابع المصدر نفسه – فان لبنان على هذا الصعيد يدفع حالياً ثمن ما قامت به واشنطن لجهة العمل على تحويله الى ساحة لضرب حزب الله , باعتباره حسب نظرها، احد اهم اوراق القوة في المنطقة من جراء امتلاكه وسائل واسلحة على رأسها الصواريخ الدقيقة التي تهدد أمن الكيان الصهيوني . وقد  اقدمت واشنطن على ذلك دون الالتفات الى ان ما تقوم به يطال كل لبنان، ومصالحها فيه اضافة الى حلفائها , وهو ما حذر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون نظيره الاميركي منه ، طالباً اعادة مراجعة للسياسة الاميركية حيال لبنان كما هو معروف , وهو ما تعهد به ترامب الذي أوفد دافيد هيل للاطلاع عن كثب على ما ابلغه به ماكرون. وهذه التحركات من زيارة الاخيرالى بيروت ، الى  زيارة هيل وما تخللهما واعقبهما  من زيارات لموفدين عرب واجانب ولدت مناخات جديدة ،  لتبدأ مرحلة جديدة في بلاد الارز يؤمل لدى بعض اوساط متابعة لملف العلاقة الاميركية – الايرانية  ان تكون مرحلة مهادنة اميركياً من خلال تجميد العمل بخطة تحويل لبنان الى ساحة مفتوحة لكل انواع تصفية الحساب بين واشنطن وطهران.

وقد اعقب ذلك كما هو معروف ان دافيد هيل الذي لم يشأ الدخول في لعبة التسميات والشروط اللبنانية المعهودة حول رئيس الحكومة الجديد وتشكيلة هذه الحكومة, اصدر موقفاً لافتاً تعبيرا عن المناخات الجديدة (مرحلة المهادنة) اكد فيه ان بلاده تعاونت مع حكومات لبنانية سابقا وكانت تضم اعضاء في حزب الله, وهو ما فسر بانه اشارة خضراء من واشنطن لتشكيل حكومة جديدة, كونه ينفي بطريقة واضحة كل ما قيل على لسان حلفائها بانها ترفض تمثيل حزب الله في الحكومة الجديدة.

فهل دخلنا فعلا مرحلة مهادنة اميركية – ايرانية في لبنان بعد انفجار الرابع من اب – اغسطس الجاري , ومبادرة ماكرون لتحييد لبنان عن الاستخدام كساحة ؟

السؤال مطروح بقوة اليوم , كون الاجابة عليه يمكن ان تجيب ايضا على اسئلة اخرى مطروحة وتتعلق بالكيان اللبناني نفسه فضلاً عن مصير الدولة العاجزة والمثقلة بملفات كثيرة وشاقة ليس الانهيار المالي والاقتصادي وتدهور سعر قيمة الليرة الا احد مظاهرها ,في ظل الارقام المخيفة عن الازدياد الخطير لاعداد اللبنانيين  الذين يعيشون اليوم تحت خط الفقر المدقع ، وفي ظل تفشي البطالة والسعي الجارف في صفوف الشباب للهجرة...الخ.

كما ان الاجابة نفسها يمكن ان تجيب حول ما اذا كان تشكيل حكومة جديدة ممكنا  في هذه الفترة، لجهة الاتفاق على اسم رئيس الحكومة  قبل الزيارة المقررة لماكرون الى لبنان في مطلع شهر ايلول – سبتمبر المقبل او بعدها ,وصولا حتى الى الاجابة الى اسئلة اكبر واعمق من نوع   مصير اتفاق الطائف الذي اوقف الحرب في لبنان وتمت ادارة البلاد بموجبه منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي وحتى الان على الرغم من عدم تطبيق عدد من ابرز بنود الاتفاق وعلى رأسها العمل لبناء الدولة المدنية كما يطالب الرئيس نبيه بري .

لا اجوبة شافية حتى الآن , وإن كان التعثر الواضح حتى الأن في الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة ،يشير بوضوح الى انه ليس هناك حتى هذه اللحظة ما يشير الى وجود ارادة قوية تضغط على الفرقاء للتخلي عن لعبة الشروط والشروط المضادة المعهودة .ارادة دولية تعيد لبنان -على الاقل- الى مرحلة سابقة كان يتم خلالها ادارة الخلاف او الصراع على ساحته بين واشنطن وطهران من دون الوصول الى التصادم او العبث بكونه مساحة مشتركة ولو على قاعدة التباين والتناقض والتصارع.

واذا لم تتجسد مثل هذه الارادة ,اقله من خلال تحرك الرئيس الفرنسي العامل بنشاط على خط واشنطن وطهران من اجل الوصول الى ذلك, فان كل المقاربات والتخمينات لما ينتظر العلاقة الاميركية – الايرانية في الشهرين المقبلين تشير الى ان مشهداً اكثر توتراً وتأزماً ينتظر المنطقة ، مع بدء العد العكسي لاجراء الانتخابات الرئاسية الاميركية في تشرين الثاني- نوفمبر المقبل, خصوصاً اذا شهدت انتهاء مرحلة امتصاص الضربات الاميركية من قبل ايران، وبدء مرحلة العمل على اسقاط دونالد ترامب والحؤول دون بقائه في البيت الابيض، لمصلحة منافسه الديمقراطي جو بايدن الذي تعهد باعادة العمل بالاتفاق النووي مع ايران بعد انتخابه.

فهل ينجح ماكرون وسط هذه الظروف في اخراج لبنان من عنق الزجاجة وتكريس ما يشبه الهدنة في لبنان تطور مرحلة المهادنة التي نجح في الوصول اليها بد تفجير الرابع من اب – اغسطس الجاري ، لتجميد القرار الاميركي الرامي الى تحويله  الى ساحة جديدة للصراعات المحتدمة ، وتجنيبه ما هو اسوأ واخطر خلال الاشهر الثلاثة المقبلة؟

 

الوسوم