بيروت | Clouds 28.7 c

شعب تونس يضرب عن السياسيين ويختار استاذاً جامعياً / بقلم محمد خليفة

شعب تونس يضرب عن السياسيين ويختار استاذاً جامعياً / بقلم محمد خليفة

مجلة الشراع 20 أيلول 2019 العدد 1917

 

أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في تونس عن مفاجأة لم يتوقعها أي مركز من مراكز استقصاءات الرأي العام في تونس أو خارجها, وهي تدني نسبة المشاركة في الاقتراع الى 35 % وتقدم أحد المرشحين المستقلين والمغمورين هو الأكاديمي الجامعي قيس سعيد, والذي لم تكن له حملة انتخابية تذكر, ولم يكن له ماضٍ سياسي على الاطلاق وعلى الرغم من حصوله على 19% من أصوات الناخبين. وحل بعده في المرتبة الثانية المرشح الموقوف بأمر القضاء منذ بداية الترشيح والحملة والمتهم بالفساد نبيل القروي. وحل في المرتبة الثالثة مرشح حركة النهضة عبدالفتاح مورو, وهو مرشح يحظى بشعبية جعلت الكثيرين يتوقعون فوزه.

صحيفة الشروق التونسية اعتبرت النتائج زلزالاً سياسياً. وقالت إن هذه النتائج أكدت سقوط العائلة الوسطية.

أما صحيفة ((لوموند)) الفرنسية فأكدت إن النتائج ((صاعقة تشطب الطبقة السياسية التونسية التي بقيت في السلطة منذ ثورة العام 2011)), ورأت فيها بداية مرحلة جديدة يكتنفها الضباب في هذا البلد الذي كان من البلدان الأوائل التي شهدت تفجر ثورات الربيع العربي في موجتها الأولى.

كانت التوقعات المسبقة تتأرجح بين مرشح حركة النهضة عبد الفتاح مورو ورئيس الحكومة الأخير يوسف الشاهد, ووزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي, وكان نبيل القروي أحد المرشحين المرجحين الأوائل نتيجة التعاطف الذي كسبه من الناس بسبب المظلومية التي تمثلت في توقيفه وحرمانه من حق المشاركة في التعبير عن برنامجه عبر المحطات التلفزيونية كبقية المرشحين, ولكن المتقدم الأول البرفيسور قيس السعيد لم يكن يحظى بأي حظ أو احتمال في الفوز مما شكل ضربة قاصمة للمعايير التقليدية في حساب التوقعات.

ولا شك أن هذه النتائج المفاجئة لها مغزى وحيد هو إعراض الناخبين عن جميع المرشحين السياسيين والحزبيين من اليمين واليسار ومن الوسط, واختيارهم شخصية علمية وقانونية بلا ماض سياسي ولا موقع حزبي. فلا حركة النهضة ولا حزب نداء تونس ولا حزب الرئيس السابق السبسي ولا أحزاب الجبهة الشعبية أرضت الناخبين, ويبدو أنها لم تعد موضع رهان أو معقد أمل للشارع التونسي الذي تراجع دخله ومستوى معيشته بعد انتصار ثورة 2010 على النظام السابق, وأصبح الناس يعبرون عن خيبة آمالهم بالقوى السياسية التي شاركت في الحكم بعد التغيير الذي حصل قبل تسع سنوات.

وهذه الحقيقة المؤلمة لم تكن غائبة تماماً ولا مفاجئة, فالشارع التونسي خلال الاعوام الأخيرة أعرب عن استيائه من الأحزاب السياسية مراراً عبر اضرابات عمالية وادارية متتالية واحتجاجات مطلبية مستمرة, وعندما ضرب السياسيون عرض الحائط بهذه المؤشرات وأهملوا صوت الشارع, عاقبهم الناخبون بهذه الطريقة القاسية, وهي طريقة تشبه الاضراب السياسي الحازم.

الفائز الوحيد في جولة الاقتراع ونقطة الاشعاع الرئيسية في هذه المرحلة هي الديموقراطية التونسية التي تبدو حقيقة حاضرة وراسخة في الساحة. حقيقة لا يمكن التقليل من شأنها ومن أهميتها, وتعني أن صندوق الاقتراع اصبح هو الحكم والحاكم الفعلي في البلاد المحاصرة من شرقها وغربها بأنظمة ترفض الديموقراطية والاحتكام لصندوق الانتخاب, أو دول تطحنها الصراعات العسكرية والقبلية بسبب غياب قواعد العمل السياسي ولو بالحد الادنى كما هو الحال في ليبيا. ولا بد من الشهادة للانتخابات التونسية بأنها كانت نزيهة ونظيفة الى الحد الذي يسمح بالقول إن الديموقراطية التي ولدت بعد ثورة الشارع عام 2010, تزدهر وتترسخ وتتقدم في البلد الذي يتوسط شمال افريقيا أو المغرب العربي , بحيث لم يعد بالامكان التراجع عنها . وقد اعترف جميع المرشحين بنتائج الاقتراع وأعلنوا احترامهم لارادة الشعب التونسي, ولم يشكك أحد منهم بالنتيجة. ولذلك يمكن اعتبار استحقاق يوم الأحد الماضي 15 أيلول/ سبتمبر عامل إجماع وطني على دفع البلاد نهائياً إلى إرساء التقاليد الديموقراطية ودخول مرحلة جديدة تقوم على تحقيق مطالب الناس والالتفات إلى قضاياهم ذات الأولوية, أي القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وهو ما ميز الحملات الانتخابية للمترشحين الذين ركزوا على المسألة التنموية بشكل كبير, ولم يهتموا بغيرها من المسائل والشعارات السياسية والايديولوجية أو حتى بالمسائل القومية والدولية.

 

 

الوسوم