بيروت | Clouds 28.7 c

جبران وحلم وراثة بشير/ بقلم: مدحت عبيد

جبران وحلم وراثة بشير/ بقلم: مدحت عبيد

مجلة الشراع 28 حزيران 2019 العدد 1906

 

لا يريد الوزير حبران باسيل الاقتناع بفكرة ان السباق على نيل رئاسة الجمهورية، هو ((سباق المسافات القصيرة)) من فئة الـ((مائة متر)) وما دون، كما كان يقول غابي لحود، بل ((هو سباق المئة سنتمر)).. باسيل يمارس سياسة المنافسة على رئاسة الجمهورية وكأنه عداء أفريقي يشارك في سباقات المسافات الطويلة المارتونية. وكأن باسيل لم يسمع الأمثولات التي أطلقها كبار الشخصيات المارونية المرشحة لرئاسة الجمهورية، حيث كان بعضهم ينام ولقبه فخامة الرئيس وفي اليوم التالي يستيقظ ليجد في قصر بعبدا شخصاً آخر غيره، وقد وصل إليه لقب فخامة الرئيس.. وكل الفكرة هنا هي ان السباق على رئاسة الجمهورية يبدأ في ربع الساعة الأخيرة قبل موعد إجراء انتخاباتها، بل في الثواني الأخيرة من موعد عقدها، حتى قال ريمون إده: رئاسة الجمهورية لأصحاب الحظوظ وليس لأصحاب العقول.. 

لقد أخطأ رئيس الجمهورية ميشال عون عندما قال في اول عهده بأن جبران باسيل هو الأوفر حظاً بين المتسابقين على رئاسة الجمهورية. ليس من الحذاقة السياسية ان يقول رئيس جمهورية بدأ عهده للتو ان الصراع على خلافته في رئاسة الجمهورية قد بدأ، في حين ان رئاسته للجمهورية لم تكد تبدأ بعد.. كان سليم اللوزي يقول ان عهود رئاسة الجمهورية هي دهر وليست ست سنوات.. ففخامة الرئيس يحكم كأنه رئيس لكل العمر، ويذهب من قصر بعبدا وهو ينظر خلفه الى مقعده الذي يظن انه سيبقى خاوياً بمعنى الانتاج من بعده.. لقد عانى شارل الحلو من شبهة ان عهده هو عهد حلبة للصراع. بين انصار العهد الشهابي السابق والداعين لعودته وبين أعداء العهد الشهابي السابق والداعين لعدم عودته. وفي كل مرة كان يحدث فيها استحقاق  في عهد شارل حلو، كانت أحزاب لبنان وإعلامه تنقسم بين مؤيد لموقف العهد الشهابي السابق والمرجو عودته من هذا الاستحقاق ومعارض لموقف عهد شهاب السابق وكاره لعودته من هذا الاستحقاق. 

.. اليوم يحصل مع الرئيس عون ما كان حصل مع الرئيس شارل حلو، حيث ان احداً في لبنان، لا يقول بشأن مجمل الاستحقاقات المطروحة، انه  مع موقف فخامة الرئيس من هذه الاستحقاقات، او انه ضد موقف فخامة الرئيس منها،  بل الجميع ينقسم بين قائل انا مع موقف باسيل او انا ضد موقف باسيل.. وبذلك يبدو لبنان في عز عهد الرئيس عون، وكأنه يعيش السياسة اليومية الراهنة على ايقاع الانقسام بين من مع رئاسة باسيل المقبلة التي يريدها الأخير لنفسه وبين من هو ضدها، حتى صار عهد الرئيس عون هو مجرد مختبر للرئاسة الباسيلية التي معها فقط سيبدأ العهد الجديد المستمر عملياً منذ وصول فخامة الرئيس الحالي الى قصر بعبدا.. 

وبهذا المعنى فإن سلوك باسيل السياسي يؤذي عهد عون أولاً قبل ان يؤذي خصومه.. كما ان سعيه لإبقاء نفسه في الصورة الاعلامية 24 ساعة على 24 ساعة في اليوم، أدى الى إخراج عهد عون من الصورة الاعلامية .. وأدى الى افتعال سباق رئاسي مبكّر جداً على رئاسة الجمهورية، وذلك على نحو يظهر وكأن عهد الرئيس عون انتهى فعلياً رغم ما تبقى له من زمن يعتبر مديداً، حسب حساب سليم اللوزي للعهود التي تقاس بالدهور وليس بالسنوات. 

ليس واضحاً ما اذا كانت كل الملاحظات حول سلوك باسيل السياسي تصل الى مسمع قصر بعبدا او حتى الى مسامع ناصحي باسيل نفسه.. واذا كان ذلك لا يحدث، فثمة فائدة في نقلها إليهما: 

اولاً - في البداية كان هناك إطراء على سمة النشاط التي يمتاز بها الوزير جبران باسيل.. كان يعترف له خصومه قبل أنصاره بأنه يعمل طوال نهاره وجزءاً ليس قصيراً من ليله. لكن النظرة الى سمة النشاط في حركة باسيل تبدلت الآن وأصبحت معادلتها تخضع لنظرية ((يعمل كثيراً ويخطئ أكثر)). بات العمل الدؤوب له صفة الأخطاء الكثيرة الناتجة عنه، حتى ان أحد الدبلوماسيين في بيروت قال ان باسيل يعاني من مرض الحركة المفرطة وليس من النشاط الدؤوب. وثمة فرق بين النشاط والضجة . والواقع ان البحث عن البقاء في قلب الصورة الاعلامية لا تعتبر نشاطاً بل هو نوع من سباق الفراشة مع الضوء ، حيث النور يغتالها. 

ثانياً - لا يمكن تجاهل تهيؤات وأحلام باسيل الباحثة عن فرصة إدخال صورته داخل إطار صورة بشير الجميل المسيحية. وليس هنا المجال لمحاكمة تجربة بشير الجميل بل تجربة الساعي للتشبه به، أي جبران باسيل. فبشير الجميل هو ابن مرحلة الحرب الأهلية، فيما المرحلة الراهنة هي مرحلة اتمام الجمهورية الثانية. وأخطر خطأ يقع فيه باسيل هو انه يتصرف وكأن اللحظة الشعبية المسيحية التي أمسك بها بشير بفعل تداعيات الحرب الأهلية، ما تزال صالحة ليتم استعادتها والإمساك بها في زمن جمهورية الطائف السلمية. ويقدم سلوك باسيل هذا شعار حقوق المسيحيين، وكأنه محل إنكار من قبل المسلمين، وان زمن قيادة بشير الجميل للمسيحيين في زمن الحرب الساخنة، يمكن له استنساخها من خلال تصوير نفسه للمجتمع المسيحي بأنه يقودهم في زمن الحرب اللبنانية الباردة .. 

ثمة مثل بريطاني شهير يقول: أخشى ان تتحقق أسوأ أمنياتك.. ويبدو ان خطاب باسيل السياسي المتميز بنبرة طائفية لافتة، كما بدأ يظهر كتسريبات على وسائل التواصل الاجتماعي، قد يقود البلد، وليس هذه المرة باسيل فقط، الى تحقق أسوأ تمنيات باسيل!! 

ثالثاً - يخطىء باسيل اذا اعتبر ان التسوية الرئاسية هي طريق سريع باتجاهين الأول صالح للعهد العوني والثاني صالح للعهد الباسيلي القادم. والصحيح ان التسوية الرئاسية الراهنة لا تكاد تحمل عهداً واحداً، فكيف سيكون وضعها فيما لو حاول باسيل تحميلها عبء طموحاته الرئاسية. 

وواقع الحال في هذه اللحظة يؤشر الى ان البلد يحتاج للخروج من دوامة السؤال: من مع باسيل ومن ضد باسيل؟؟ وبدل ذلك يجدر طرح السؤال على نحو منتج وهو من مع العهد وفخامة الرئيس عون ومن ضد العهد وفخامة الرئيس عون؟؟ ومن مع التسوية الرئاسية بين عون والحريري ومن ضدها، وليس مع نظرة باسيل، ومصلحة طموحات باسيل داخل التسوية الرئاسية ومن ضدها؟؟. 

المطلوب تصحيح الأسئلة السائدة راهناً في البلد، حتى يصبح العهد موجوداً ولو أقله على شكل سؤال!!.       

مدحت عبيد

 

 

الوسوم