مركب انقاذ " لبنان"... بين دفّتي: الإصلاح والعفو العام...
بقلم الشيخ حسن حمادة العاملي
الشراع 17 كانون الأول 2024
مركب في مهبّ الأزمات العاصفة، تتقاذفه الأمواج العاتية ،وسط بحر هائج ،وفيما ارتدى المعنيون سترات النجاة ولجؤوا إلى الزوارق المطاطية لإنقاذ أنفسهم.. وقف ركاب المركب متفرّجين يهللون لهم ويصفقون متلهّين ببقايا كسرات خبز تُركت لهم... فنجا المعنيون وغرق المركب والمهلّلون... هكذا لبنان... واللبيب قد فهم...
يمرّ لبنان الرازح تحت وطأة الأزمات المستعصية بظروف دقيقة تضع اللبنانيون جميعاً أمام امتحان مصيري صعب، بعد عدوان صهيوني غاشم وحرب ضروس دامت لأكثر من شهرين، بانتظار جلسة التاسع من كانون الثاني 2024 حيث يفترض انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية... لنملأ بذلك شغوراً قاتلاً شلّ البلد لأكثر من عامين... على أمل أن تتشكل حكومة تنهض به وتضعه على سكة التعافي والإنقاذ. وهذه مهمة صعبة للغاية تحتاج الى تظافر الجهود بين جميع مكونات المجتمع ،وبالتالي فإن بعض الخطابات النارية الفتنوية التي يتلفظ بها بعض الأبواق المأجورة بين الفينة والأخرى، لا تؤدي حتماً إلى الغاية المنشودة وعليه نطالب جميع القيمين والمعنيين في هذا البلد الحبيب بالقيام بما يلزم لمحاسبة كل من يعمل على إيقاظ الفتنة، في بلد أثبت أبناؤه وحدتهم ووطنيتهم وانتماءهم في أحلك الظروف.. فالفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
ومن ضمن الأزمات التي تفاقمت ،وأصبح لا بد لها من حلّ جذري لارتباطها المباشر بكرامة الانسان وحريته وحقوقه هي أزمة السجون... فالسجون التي أنشئت بهدف إصلاح الفرد (المجرم) وإعادة تهيئته تمهيداً لإعادة دمجه مع المجتمع .. باتت وكراً لتنامي الإجرام وتدبير الجريمة ومعتقلاً للمستضعفين من أبناء الطبقة الفقيرة، لدرجة أنك لو جلت بين أقبية السجون لوجدت أن معظم السجناء هم من ابناء الطبقة الفقيرة المحرومة ،في مشهد يعكس الواقع السياسي الذي يعيشه البلد اليوم ،ولا عجب من ذلك فالاصلاح والتأهيل لا يبدآن بالسجن بل بإصلاح ما أفسدته الطبقة الحاكمة وإلا فكيف لفاسد أن يؤهل مجرما؟؟؟ أليس الإفساد جرماً؟؟؟ أم أننا أمام طبيب يداوي الناس وهو عليل؟؟؟ ولعل ما قرأناه عن السيد المسيح (ع) في إنجيل يوحنا 1:8-11عندما جيء إليه بامرأةٍ أمسَكَها بَعضُ النّاسِ وهيَ تَزني قال لهم: "مَنْ كانَ مِنكُم بِلا خَطيئَةٍ، فَليَرْمِها بأوّلِ حجَرٍ". إنما أراد بذلك أن يعلّمنا أن الإصلاح يبدأ من أنفسنا وينطلق منها للمجتمع.
وهذا الظلم الناتج عن الحرمان الذي يعانيه أغلب أبناء الوطن بسبب فساد الطغمة الحاكمة التي ضمنت الحماية –سابقاً- للمجرمين الكبار ونقلتهم من حواجز القتل والنهب والترهيب إلى مقاعد السياسة والنيابة والوزارة ,طبعاً بعد أن بدّلت ملابسهم الملطّخة بدماء اللبنانيين بـ "طقم وربطة عنق " وزجّت بخيرة شبابنا "المحرومين" في السجون بسبب مخالفات وجرائم -لا نبرّرها- ولكن ابحثوا خلفها عن إهمال وتقصير وحرمان سببه -مع شديد الأسف- سياسات الدولة لعقود من الزمن.
هذا ان دل على شيء فإنما يدلّ على استهتار الدولة ومن خلفها من المسؤولين بشبابنا وحياتهم ومستقبلهم وبالتالي مستقبل لبنان. وإلّا فالحدّ من الجريمة يجب أن يكون شغلهم الشاغل، وهذا لا يكون إلا من خلال بناء دولة قوية وعادلة، وإنماء متوازن، ومنهج تعليمي عالٍ، ومحاربة البطالة من خلال خلق فرص عمل، ودعم اليد العاملة اللبنانية، فضلاً عن تحسين واقع السجون بحيث تصبح بالفعل مراكزاً للتأهيل والإصلاح.. وهنا لا بد من التنويه إلى أن المواطن اللبناني لم يكن يوماً هاوي جرائم بل كان ولا يزال مثال الإنسان المثقف الطموح الذي أينما حلّ في بلدان الاغتراب ترك أثراً طيّباً في رصيده ورصيد الوطن.
لذا فإننا نناشد أهل الحلّ والعقد في لبنان من سياسيين، وقضاة، وأمنيين، وقادة أحزاب، وجمعيات حقوقية، ومنظمات أممية... وضع ملف المطلوبين والموقوفين على طاولة المعالجة، للوصول إلى حلّ عادل يعزز ثقتهم بالدولة، ويفتح لهم المجال لإعادة رسم حياتهم من جديد في لبنان المنشود.. دولة الانسان...
أنقذوا شبابنا من فساد دام لعقود واتخذوا قراراً إنسانياً وأخلاقياً مشرفاً بالعفو العام، الذي ينتظره كل موقوف ومطلوب لبناني والذي سيكون بصيص أمل نحو مستقبل مشرق وأفق لا محدود.
آن الآوان لأن يرسو المركب (لبنان) على مرفئ الأمن والأمان والإستقرار إنما يكون ذلك بتكاتف الجميع وتعاونهم كل ضمن مسؤولياته. كما قال رسول الله محمد (ص) : "كلكم راعٍ، وكلكم مسئولٌ عن رعيته". والنتيجة كما جاء في رسالة بولس الرسول الى اهل غلاطية - الأصحاح السادس: "فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ".
عشتم وعاش لبنان قوياً بتكاتف أبنائه