بيروت | Clouds 28.7 c

محضر محادثات الرئيس الجزائري هواري بو مدين مع الزعماء السوفيات عقب هزيمة 1967 /

 

محضر محادثات الرئيس الجزائري هواري بو مدين مع الزعماء السوفيات عقب هزيمة 1967 / كتب : عبد الهادي محيسن

 الشراع 17 شباط 2025

 

كانت زيارة الرئيس الجزائري هواري بو مدين الى موسكو بالفعل أدق وأصعب من أن توضع في برقية شيفرية يمكن كسر رموزها ، كان الرئيس بومدين قد توجه الى موسكو فور انتهاء العمليات بناءً على اقتراح من الرئيس جمال عبد الناصر ، وكان الهدف من رحلته أن يستطلع نوايا السوفيات في المرحلة القادمة ، وصل بومدين الى موسكو في رحلة نفسية سيئة ، وفي لقائه الأول مع القادة السوفيات في الكرملين بعد ظهر يوم 12 حزيران .

بدأ بومدين حديثه بأن قال ل - بريجنيف " إنه يأسف لأنه طلب من سفير الجزائر في موسكو إبلاغ السلطات السوفياتية أنه لا يريد حفلات تكريم على غداء أو عشاء " ، وكان الرئيس الجزائري قد شعر بالاستفزاز عندما أطلعه سفير الجزائر على برنامج أعد لزيارته السريعة الى موسكو يبدأ بحفل عشاء لتكريمه ، وطلب بومدين من سفيره أن يبلغ السوفيات بتأكيد هذا الاعتذار وشرح وجهة نظره فيه ، ولم يلبث أن انفعل وهو يتحدث وقال للقادة السوفيات بضيق لم يستطع أن يخفيه ، أنه لم يجئ هنا لكي يتغدى أو يتعشى وإنما هو يريد أن يفهم ، ورد عليه بريجنيف قائلاً " إنه وزملائه يفضلون أن يسمعوا منه أولاً رؤوس المسائل التي يريد أن يتحدث فيها.

ويبدو أن الرئيس بومدين لم يكن يطلب أكثر من هذه الدعوة للكلام ، فقد انطلق يقول أنه ليس لديه رؤوس موضوعات ، وإنما لديه موضوع واحد يتمثل في سؤال يريد أن يطرحه ويريد أن يسمع جواباً قاطعاً عليه ، وكان القادة السوفيات يركزون انتباههم على ما يريد الرئيس الجزائري أن يقوله لهم ، وجاء السؤال الواحد من بومدين في قوله " إنه يريد أن يعرف ما هي حدود الوفاق بينكم وبين الأميركيين ، وبدا أن الزعماء السوفيات لم يتفهموا المطلوب من السؤال بدقة ، واستطرد بومدين في قوله " إننا نراه وفاقاً من جانب واحد ، أنتم تتصرفون بأقصى درجات الضعف والآخرون يتصرفون بأقصى درجات القوة ."

وقاطعه كوسيغين قائلاً " إن الاتحاد السوفياتي لا يتصرف بضعف " ورد بومدين قائلاً : بل إنكم تتصرفون بمنتهى الضعف ، إذا كنتم تتصورون أنني جئت الى هنا لكي أجاملكم فإني لن أفعل ذلك ، لقد جئت لكي أحدثكم بالحقيقة ... والحقيقة أننا لسنا وحدنا الذين هزمنا ، وإنما أنتم هزمتم في نفس الوقت معنا - بل قبلنا ، وإذا كنتم لا ترون أن ميزان القوى العالمية قد تحول لصالح الناحية الأخرى فهذه مصيبة ، وإن كنتم ترون ذلك ولا تفعلون شيئاً فهذه مصيبة أكبر ، وأنتم أكثر من غيركم تعرفون مدى الدور الذي قام به الأميركيون مع إسرائيل ، وما كانت لتقدم عليه وحدها لولا هذا الدور .

وتعرفون أيضاً أكثر من غيركم ما الذي يعنيه ضرب القوى التحررية العربية في التوازن الدولي القائم ، كما أنكم تعرفون أن جزءاً كبيراً مما تحملناه كان مقصوداً به وجودكم ونفوذكم المعنوي في المنطقة ، وقد تركتم ما حدث يحدث رغم أنكم أول من حذر منه دون أن يصدر عنكم أي رد فعل إلا بالبيانات والمقالات ، ومرة أخرى كان كوسيغين هو الذي يرد على بومدين فقال له " هل تريدنا أن ندخل في حرب نووية ؟ وهل تقدرون ما هو معنى الحرب النووية واحتمالاتها ؟ ورد بومدين قائلاً " إن هذا كلام ينبغي أن تفكروا فيه قبل الأحداث وليس بأثر رجعي بعدها " وتدخل بريجنيف في الحديث فقال منادياً بومدين ب " الرفيق " : " إن الاتحاد السوفياتي لم يكتف بالبيانات والمقالات ، وإنما قدم لأصدقائه العرب ما يحتاجون إليه من سلاح ولكنهم لميحسنوا استعماله " .

وفقد بومدين أعصابه وقال ل "بريجنيف " : ليكن ، نحن لا نحسن غير أن نسوق الجمال ولا نعرف كيف نقود الطائرات الحديثة ، فتعالوا وأرونا ما تستطيعون عمله " وأضاف أن معلوماته كلها تؤكد أن السلاح الإسرائيلي كان متفوقاً بالنوع والعدد ، وقال كوسيغين : إننا حاولنا أن نستجيب لطلباتكم وقدمنا لكم بأسعار مريحة ، بل إنكم لم تسددوا حتى ربع تكاليف ما حصلتم عليه " .

واستبد الغضب ب " بومدين " وقال له إنه كان يتخوف من مثل هذه الملاحظة واستعد لها بأن طلب من وزير المالية الجزائري أن يعد له تحويلا لصالح وزارة الدفاع السوفياتية بمبلغ 100 مليون دولار ، ثم أخرج بومدين الصك بمبلغ 100 مليون دولار وكان يحتفظ به بملف أمامه ووضعه على المائدة ، واحمر وجه كوسيغين وقال ل " بومدين " إنني لست تاجر سلاح حتى تعاملني بالشيكات " ورد بومدين بأنه لم يبدأ وإنما كوسغين هو الذي تحدث عن نصف الثمن وربع الثمن ، وتكهرب جو الاجتماع واقترح بريجنيف رفع الجلسة لاستراحة قصيرة وبعدها يستأنف النقاش .

وانتهت مباحثات بومدين في موسكو بنوع من شبه التفاهم على أن رئيس الدولة السوفيتي نيكولاي بودغورني سوف يسافر الى القاهرة للقاء مع الرئيس جمال عبد الناصر ، وهناك سوف يقوم بتسوية الأمور وتنسيق الموقف .

عبد الهادي محيسن ... كاتب وباحث .