بيروت | Clouds 28.7 c

الرئيس حسين الحسيني والدمعة الخالدة وللدستور دمعه / كتب: هشام جابر

 

 

الرئيس حسين الحسيني والدمعة الخالدة
وللدستور دمعه / كتب: هشام جابر

الشراع 12 كانون الثاني 2025

 

ابى القلم أن يتحرك، ابى القلم ان يجاريني في الأيام الأولى للخسارة الكبرى. ماذا اكتب؟ إن مجلداً لا يتسع عن ذكرياتي مع ذاك الرجل العظيم. أربعة عقود ونصف مضت على معرفتي بالسيد الرئيس حسين الحسيني. 
لم يكن السيد بالنسبة لي نسيباً، او جداً لأولادي فحسب، بل كان صديقي، رائدي، ومرشدي بفكره، الثاقب ووطنيته الخالصة. وكانت اخلاقه، وعلمه، ومبادئه موضع احترام الناس من الطوائف كافة، وما انا الا واحداً منهم. وكانت مواقفه تحظى بإجلال الحكام، واكرام كل من عرفه او تعرّف به. يوم كان نائبا،ً ويوم كان اميناً لحركة المحرومين،ومرأة للإمام موسى الصدر، ويوم أمسى رئيسا،ً ويوم عاد الى مقاعد المشرعّين، ويوم استقال ويوم اعتكف. 
إذا ذكر الشرفاء، النزهاء وأصحاب الايادي الناصعة ذُكر في مقدمتهم. إذا ذكرت الوطنية ، أبت إلا ان يكون في الصف الأول. وطنية صافية، ناصعة، بلباس ابيض لا بقعة عليه ولا شائية به. 
لم يكن خطابه السياسي يوماً محرضّاً او موجهاً للعواطف والغرائز. بل هادئا،ً ومنطقياً موجهاً للعقول النيّرة لتلتحم وتتوحد. وللعقول التي تحتاج الى إنارة لتسمع وتنتصح. 
هدوءه  المعهود يخفي وراءه  صلابة فولاذية اكدتها المواقف. قال لا. لا. مراراً، وهو مرتفع الرأس. في وقت كانت الرؤوس تنحني مع الكثير من الخنوع والذل. خشية من النافذ، او تزلفاً له. 
كان محاوراً ليّناً يحترم الراي الآخر، والفكر المخالف، دون القبول بالمساومة على الخطوط الحمراء التي هي كرامته، ومبادئه، وكرامة الوطن، ووحدته وديموقراطيته. ولم تكن المصالح  الشخصية واردة لا في ممارسته، ولا في قاموسه. 

هل يعلم اللبنانيون ؟
ان السيد الرئيس الراحل أنقذ الذهب الذي هو فلس الارملة. أنقذه من السرقة، البعثرة والسمسرة، بإصداره قانوناً يمنع التصرف به، الا بقانون، وبأكثرية الثلثين، شأنه شأن القوانين الوفاقية... وإلا لكان تبخر على موائد الميسر، للطبقة السياسية الفاسدة، العفنة التي  قامرت بمقدرات الوطن. 
هل يعلم الشعب العظيم، إن اتفاق ١٧ ايار المشؤوم، واتفاق القاهرة الذي جعل المنظمات الفلسطينية دولة ضمن دولة. كانا لبقياً أشواكاً  في جسد الوطن. لو لم يقم حسين الحسيني يوماً بالغائهما في جلسة واحدة، وبالاكثرية الساحقة محتملاً حقد العدو ومن وراءه . وملامة الصديق ومن يتبعه وينافقه ويخشاه.  

وانه بعد ان تخلى عن رئاسة مجلس النواب، وانتقل من كرسي الرئاسة والمطرقة، وحذّر مع باقة من رفاقه من السياسة المالية العقيمة التي تدفع الخزينة الى الإفلاس ،والى اليوم الأسود المنتظر. وهذا ما حصل بعد ثلاثة عقود، ورأينا في الفيديو "العصابة" التي لا يهمها الشعب والوطن، والرأي العام. مهزلة وطن، يحكمه مقاولون. 
وهل يعلم او يذكر جهابذة الاقتصاد والمال المنظرون، انه في اليوم الذي ترك فيه السيد الرئيس العفيف، الحريص، سدة الرئاسة كان الدين العام 900 مليون دولار وكم بلغ الان؟  
وطن أراده حسين الحسيني موحداً، ودولة مدنية مثالية. هكذا أراد اتفاق الطائف ودستوره تحول الى امارات طائفية، تختزل الطائفة بشخص رأسها وعائلته وزباينه. 
إني أرى ان اكثر الآسفين، والخاسرين لغياب السيد حسين الحسيني هو الدستور، اتخيله يبكي دماً لأنه فقد آخر حماته، وكأنني بدستور الدولة يردد قول الشاعر معروف الرصافي حين قال: "والمرء ما دام حياً يستهان به، ويعظم الرزء فيه حين يفتقد" 
رحمك الله أيها السيد الرئيس، فمكانك  في دنيا البقاء، بلا شك ولا ريب بين الصديقين والابرار الاخيار. هكذا يقول كتابنا الكريم وهكذا يقول الأنبياء والصالحون 
كتبت ونشرت في الذكرى الثانية لرحيل السيد الرئيس حسين الحسيني .