عوض شعبان.. الروائي،المفكر السياسي / الكاتب الصحافي المحامي فؤاد مطر
الشراع 4 كانون الثاني 2025
سأروي عن الاستاذ الكبير عوض شعبان لأجيال بعض ما يجول في خواطري، التي رسخت مما سمعته منذ زمن طويل ،وتبلور بصور عن حقبة الزمن الجميل.
عوض شعبان،ابن بيروت (المدور-الخضر) نشأ وترعرع في احضانها،من سلالة احدى العشائر العربية التي اعتز بنشامتها ،الضاربة جذورها في اعماق التاريخ ،والتي حملت دور حماة الثغور ،المرابطة على السواحل.
درس في المدرسة العزيزية في البسطة،وتابع تعليمه الثانوي في المقاصد،والجامعي في الجامعة اللبنانية.
سافر في ريعان شبابه بعد ان تحولت منطقته المميزة بجمال سحرها على بحر الحوض الخامس ألى حزام بؤس في مدينته الزاهرة ،عقابا لما قدمته من نضال وطني.
توسعت آفاقه في المهجر رغم صقيع الغربة ومعاناتها،فشل في العمل التجاري،فأكتفى ببيع الاقمشة ،واستحوذت اهتماماته بالاطلاع على انواع الادب العالمي،ومارس حينها الملاكمة التي كانت هوايته المفضلة .
عاد الى منطقته مع زوجه البرازيلية ،حاملا ما كان متأثرا به من طروحات انطون سعادة، التي جاءت تشفي غليله من كيد سايكس-بيكو،وعداوة اليهود للاسلام والمسيحية،حتى بزوغ الثورة الناصرية التي اصبح احد طلائعها الفكرية في لبنان ،وشكل الزعيم كمال جنبلاط محور تطلعاته.
كان يعتبر العروبة طين جلدته،والاسلام درب عقله، الذي لا يقبل الاحتواء بأي قالب محدود في اي زمان ،وفي اي مكان لشموله كل الاقانيم الانسانية الخالدة ،ونظرته الى الاديان بأنها دعوة اشتراكية بمغزاها الاجتماعي ،وبفلسفته للتزاوج بين المادة الزائلة والروح الابدية.
كان يواجه كل العصبيات ،وله ابعاد نمطية سلفية في العادات منبثقة عن تجارب انكساراته جعلته يبغض ما أفرزته المدن من بعض،الانتهازية مفضلا مروؤة البداوة ،هذا ما سمعته منه مرارا،يناصر الفقراء لما يبذلونه من تضحيات ،فهم ملح الحياة ،تفتح لهم ابواب السماء.
فور سماعه نبأ وفاة جمال عبد الناصر العملاق الذي لم يكمل سن الثانية والخمسين ،وفي عز عطائه وخوضه حرب الاستنزاف التي اوجعت العدو،ويستكمل خطة حرب تحرير شاملة،فجاءه القدر....
اصيب عوض شعبان بصدمة ظلت تطارده طيلة حياته ،ويستذكر دائما كيف توجه بعفوية الى منزل عائلة المحامي حسن مطر، الذي كان على موعد قريب مع رفيق دربه الاخ كمال شاتيلا للقاء بملهم الشباب الثائر جمال عبد الناصر ،وهذا ما كان يردده الاستاذ محمد ديب مسؤول لجنة العمل الجماهيري في المنطقة،وتحول منزل آل مطر وساحته الى مهرجان احتشدت به الناس ،ثم ألقى الاخ كمال شاتيلا كلمة من على الشرفة المطلة ،وهذا ما تستحضره الناشطة الاجتماعية السيدة عائشة مطر.
لقد تسنى لي أن ألتقيت به مرات عديدة بحكم صداقتي مع ابنه عبد الناصر ،ولا أنسى والدته تريزا"ام علي" البرازيلية ولكنتها العربية المحببة .
تأثر عوض شعبان وعائلته بمقتل شقيقه خالد ،ثم ابنه البكر "علي"ضحية الحرب العبثية وفق تعبيره.
يتقن عوض شعبان اللغات الانكليزية والبرتغالية والاسبانية والايطالية،كما ترجم اعمال عديدة من الادب الروسي.
عمل محررا في عدة صحف ومجلات ،وكنت أقرأ له على الدوام زاوية"نقطة في بحر"من خلال جريدة السفير .
من مؤلفاته:رواية"الآفاق البعيدة"حكاية المغترب اللبناني في اميركا الجنوبية ومعاناتهه،ورواية زمن التفسخ" رسم فيها نضال منطقته،رواية "الدروب المتقاطعة"،"الرهائن","المغيب في مونتفيديو","عندما يحل الظلام","خزين الذكريات","الموت المجاني"تناول فيها فصولاً من الحروب في زواريب بيروت ومحاولة قتلها البائسة،"درب الجنوب"تحدث فيها عن العلاقة بين الثقافة ومقاومة الاحتلال الاسرائيلي،وغيرها الكثير الذي أغنى بها المكتبة العربية حتى بات احد أعمدة الادب اللبناني.
كان عضوا في اتحاد الكتاب اللبنانيين ،ونال جائزة منه عام١٩٨٨ وعضواً في اتحاد الكتاب والادباء العرب،وعضو اًفي نقابة محرري الصحافة اللبنانية.
أعدت عنه عدة أطروحات دكتوراه وماجستير ودبلوم دراسات عليا.
كانت "جمعية منطقة الخضر الانمائية "على موعد تكريم له إلا ان ظروف البلد الاخيرة قد حالت دون ذلك.
سنقترب أكثر من أبنائك يوسف ،جمال،عبد الناصر،المهندس ربيع،صلاح ،ومع ابناء بناتك أليسار وسوريانا وسميراميس ولارا.
اني ارى ملامح صورتك تتجسد لدى بعضرمن اعرفهم متأثرين بك وفي مقدمتهم الدكتور خالد عمشة،والناشر الكاتب تركي ضاهر وآخرين كثر.
واذا كنت لم تنل ما تستحقه من الدولة ،إلا انك نلت المجد بصدقتك الجارية بما تركته من تراث فكري وادبي لكل الاجيال القادمة.