بيروت | Clouds 28.7 c

نصرالله في دائرة الاستهداف الأمني والاجتماعي والقانوني والمالي / كتب زين حمود

نصرالله في دائرة الاستهداف الأمني والاجتماعي والقانوني والمالي / كتب زين حمود

 

  • *اغتيال نصرالله هو أحد الخيارات البديلة للحرب الاسرائيلية على لبنان
  • *تدابير استثنائية تحوطاً لغارة تستهدفه او صواريخ تطاله عن بعد
  • *تنقلات نصرالله وتجواله بين الأحياء تراجع بشكل كبير تحسباً لإستهدافه
  • *مكافحة الفساد ستحرك جيوشاً من المتضررين ضد نصرالله
  • *انتقادات لـ((بكائية)) نصرالله ورفض لها ممن يعتبرونه عنواناً لـ((الانتصارات))
  • *المحكمة الدولية قد تُضمّن حكمها إدانة للجهة الآمرة بعد إدانة المتهمين الخمسة
  • *العلاقة بين نصرالله وبيئته الحاضنة أمام اختبارات صعبة

 

 

هل حاول الاسرائيليون اغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله؟

السؤال ليس جديداً، فطالما كان هذا الأمر هدفاً دائماً لتل ابيب, بعد ان قامت بالمحاولة مرات عديدة في سنوات سابقة بعضها معلن وبعضها غير معلن, ما فرض على أمين عام الحزب اتخاذ اجراءات أمنية غير عادية في سكنه او مقر اقامته وفي تنقلاته, لتشمل هذه الاجراءات حتى افراد اسرته, كما ان الاسرائيليين قاموا باغتيال الأمين العام السابق السيد عباس الموسوي ولم يتركوا فرصة لاغتيال قيادي فاعل في حزب الله إلا واستغلوها, وعلى رأس هؤلاء عماد مغنية القيادي غير العادي في مسيرة الحزب.

نصرالله المح في اطلالته العاشورائية الأخيرة الى ذلك وبدا كمن يفاخر ضمناً بتظهير عجز الاسرائيليين عن استهدافه او النيل منه جسدياً, نافياً ان يكون قاطناً في نفق كما تروج تل ابيب, ولعله بذلك يشير الى أسبقية أمنه وأمن الحزب على استخبارات الاسرائيليين وموسادهم في قطع الطريق على خطة التخلص منه.

وزاد الشكوك في وجود مثل هذه الخطة لاغتيال نصرالله هو انه خالف توقعات بالحضور شخصياً لمخاطبة المحتفلين بذكرى عاشوراء ولم يحضر كما كان يفعل في مناسبات سابقة عندما كان يفاجئ الجميع بحضوره ويخاطبهم ولو باختصار مباشرة وليس عبر شاشة مرئية, وما يشير الى ذلك هو ان كثيرين من المحتشدين حاولوا التقدم الى الصفوف الأمامية للحشود من أجل ان يكونوا قريبين من نصرالله في حال قرر الحضور مباشرة الى مكان الحشد, وخاب أملهم بذلك.

ورغم ذلك, فإن لا معلومات كشفت حتى الآن حول وجود خطة لاغتيال نصرالله في ذلك اليوم, في ظل التكتم المعهود للحزب حول هذا الأمر, الا ان مسؤولاً أمنياً في جهاز أمني رسمي ليس فقط لا يستبعد وجود مثل هذه الخطة, بل ويرجح وجودها، مستنداً بذلك الى ما يعرفه عن طريقة أداء الحزب في مثل هذه الحالات, سواء باتخاذ احتياطات وقائية لأي عملية قصف بطائرة موجهة او بصواريخ ذكية بعيدة المدى للمكان المحتمل لظهور نصرالله, او باتخاذ تدابير غير عادية في أكثر من مكان بعضها تمويهي وبعضها فعلي لحماية أماكن تواجد أمين عام الحزب في هذه المرحلة, علماً ان المسؤول نفسه يضيف ان نصرالله الذي كان يتجول بشكل كثيف في مرحلة سابقة, لوحظ في الآونة الاخيرة ان خروجه او تجواله في أماكن أحياناً مكتظة ومزدحمة في بعض أحياء الضاحية أصبح نادراً لا بل شبه معدوم.

واذا صدقت هذه القراءات لوضع استهداف نصرالله في رأس أولويات الموساد والأجهزة الرديفة له, فمعنى ذلك ان الاسرائيليين صرفوا النظر في هذه الفترة على الأقل عن امكانية شن حرب على الحزب في اماكن تواجده لا سيما في لبنان, من جراء تبلور قناعة باتت شبه راسخة في أذهان أصحاب القرار في تل ابيب عن ان مثل هذه الحرب اضافة لكونها غير مضمونة النتائج وكذلك غير سريعة وستكون باهظة الكلفة على الكيان الصهيوني وبشكل غير مسبوق ويتجاوز ربما قدرة هذا الكيان على تحمله بسهولة, وذلك وفقاً لتقارير عديدة صدرت عن مراكز اسرائيلية متخصصة, وقد جاء كلام نصرالله في اليوم العاشر لعاشوراء عندما تحدث عن ((الأمر المنجز)) واكتمال الاستعدادات وزيادة التسليح ليؤكد المؤكد اسرائيلياً.. وهو ما دفع ببنيامين نتنياهو الى الرد في محاولة للتخفيف من وقع خطاب نصرالله ولكن بطريقة عبرت عن ان واقعاً استراتيجياً قد نشأ وان أي حرب لم تعد مجرد قرار يتخذه الكيان الصهيوني وما على الآخرين إلا تلقي ضرباتها.

الواقع الاستراتيجي الجديد, لم تنجح تهديدات بنيامين نتنياهو في الامم المتحدة في تغطيته بغبار التعمية التي حاول ممارستها عبر كلام مزعوم عن مواقع صواريخ في محيط مطار بيروت الدولي, لا بل بدا بوضوح انه يحاول ان يبدد ما أثاره كلام نصرالله الاخير حول انجاز الجهوزية، في الكيان الصهيوني من مخاوف, خصوصاً وان المعادلة الجديدة التي رسمها أمين عام الحزب جاءت وفق معلومات خاصة بـ((الشراع)) بعد ان كشف الحزب ((شيئا ما)) رصدته طائرات الاستطلاع والتجسس الاسرائيلية، ليعطي لما قاله نصرالله صدقية عملية وفعلية فلا يبقى مجرد ((بهورة)) اعلامية او شعبوية.

((شيء ما)) يتكتم الحزب عن كشفه, وفق المعلومات نفسها, إلا انه يندرج ضمن الشيفرة الخاصة المتبادلة في الصراع بين الحزب والاسرائيليين, وهذا ((الشيء)) يراد من خلاله إبلاغ تل ابيب بأن الحزب في كامل الجهوزية لصد أي عدوان جديد وأنه ينتظرها اذا ارادت شن مثل هذا العدوان, ولهذا السبب فإن ((همروجة)) نتنياهو في الأمم المتحدة جاءت تعبيراً عن القلق إزاء ما تم الكشف عنه من قبل الحزب بشكل متعمد.

ولا يعني ذلك, ان احتمالات الحرب غير مطروحة, إلا انها ليست الخيار الوحيد لا سيما كما ورد آنفاً مع كلفتها الباهظة اضافة الى انها غير مضمونة النتائج بالنسبة لإسرائيل, لا بل قد تحمل في حال اندلعت نتائج معاكسة لما تتوخى حكومة نتنياهو تحقيقه في مقابل خيارات بديلة قد تحقق ما يريده الكيان الصهيوني ولكن بأساليب أخرى.

ومعنى ذلك ان الاسرائيليين يفكرون بإستهداف نصرالله مباشرة من ضمن الخيارات التي سيعتمدونها كبديل عن شن حرب مباشرة ضد الحزب في لبنان تحديداً، وخصوصاً وأن من شأن ذلك إحداث صدمة من نوع الزلزال غير العادي وذلك مهما تحدث قياديو الحزب ومنهم نصرالله عن ان الحزب سيستمر مهما حدث بدليل انه خسر سابقاً كبار القادة وعلى رأسهم الأمين العام السابق ((عباس الموسوي)) وقائده العسكري والامني العام ((عماد مغنية)).

فإستهداف نصرالله يعني اليوم استهداف الحزب رغم ان الأخير ليس حزب الشخص او القائد, إلا ان سيرة الأمين العام الحالي للحزب تركت بصمتها في كل صغيرة وكبيرة في الحزب, وعلى كل  وحداته وقطاعاته كافة وخلال عقود وليس خلال سنوات, فضلاً عن ادارته واستراتيجيته وسياساته والتعاطي بسرعة قياسية مع ما يطرأ من تطورات ومستجدات. وهذا الموضوع سيكون لـ((الشراع)) في الأسابيع المقبلة حيز او ملف خاص للحديث عنه.

هذا التوصيف لحضور نصرالله الفاعل والحيوي في جسم الحزب, ليس كل ((الحكاية)) على حد تعبير أحد السياسيين المخضرمين, ممن يعتبرونه ظاهرة تاريخية حفرت منحوتاتها في الأحداث عميقاً, وجسدت بشكل جلي وواضح لا لبس فيه نظرية ((دور الفرد عبر التاريخ)),كما يضيف معتبراً ان نصرالله صار جزءاً من وجدان وتطلعات وأحلام محبيه وانصاره ومحركاً للأحداث بشكل ليس من السهل حدوثه مع آخرين, سواء ((أعجبنا ذلك ام لم يعجبنا)) كما يتابع, ليصل الى القول ان الحزب سيكون أمام مشكلة كبيرة جداً جداً جداً, في حال تعرض نصرالله لما يعمل الاسرائيليون له.

والواقع ان عملية استهداف نصرالله على المستوى الجسدي او الشخصي ,كانت لسنوات طويلة هدفاً مباشراً لخصومه وأعدائه, سواء بسبب الخصومة او العداوة المشار اليهما او بسبب أخطاء ارتكبها الأمين العام للحزب او المحسوبين عليه من داخل الحزب وخارجه.

ومن خلال استعراض سلسلة من التغيرات التي حصلت خلال العشرين سنة الماضية فإن نصرالله تعرضت صورته لخدوش كبيرة, نقلته من واقع كونه زعيماً كبيراً على امتداد العالمين العربي والاسلامي أضحى في حرب تموز / يوليو العام 2006 الزعيم الأول بفعل ادارته للمعركة في وجه حكومة ايهودا اولمرت الاسرائيلية, الى زعيم جهوي او مذهبي او تابع لإيران وينفذ أجندات مشروعها في سورية والعراق واليمن ودول أخرى, وأصبح في تصنيفات عدة زعيماً لمجموعة إرعابية تقوم بشتى أنواع الجريمة وتهريب المخدرات وتبييض الاموال, والكل يتابع بين الفينة والأخرى أخبار توقيف مرتكب او مهرب او مبيض أموال تابع للحزب في غير دولة, هذا عدا عن تصنيف الحزب من قبل جهات دولية وعربية وازنة بأنه منظمة إرعابية وقد بادرت هذه الجهات وعلى رأسها الولايات المتحدة الى اتخاذ تدابير بفرض عقوبات مالية واقتصادية ضد الحزب منها ما أعلن ومنها ما هو قيد الاعلان عنه قريباً.

وبمعزل عن دقة ما ينشر ويذاع لجهة صحته او عدمها, فإن نصرالله اليوم هو في قلب مرمى السهام الموجهة من قبل الخصوم والاعداء الى  المحور الذي ينخرط فيه, أكثر من اي شخص او قائد آخر حتى لو كان السيد علي خامنئي.

وهذا بالطبع, من دون اغفال ما يمكن ان يصدر عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري, وما اذا كان الحكم سيقتصر على إدانة المتهمين الخمسة من حزب الله أم أنه سيشمل من يسمون ((الجهة الآمرة))، خصوصاً بعد ان تم طرح اسم المعاون السياسي للأمين العام حسين خليل مؤخراً. وفي حال تم هذا الأمر فان نصرالله سيكون معنياً مباشرة باعتباره أعلى سلطة في الحزب.

وبالتوازي مع هذا الأمر, فإن أمرين أساسيين يدخلان أيضاً في عملية الاستهداف المباشر لنصرالله, اذا سلمنا بأن ما يتعرض له مع حزبه هو حرب بديلة عن الحرب الاسرائيلية المباشرة, لا سيما وأن معسكر خصومه بات يمتد في العالم ليشمل الكرة الأرضية كلها, خصوصاً بعد تدخله العسكري المباشر في سورية وأزمات أخرى في المنطقة.

الأمر الأول يتعلق بما تحدث عنه نصرالله مطولاً  مؤخراً ويتناول محاولات فصل الحزب عن بيئته الحاضنة, وتحريضها عليه, وهو أمر لا يمكن رمي مسؤوليته على الآخرين من دون الحديث في الوقت نفسه عن مسؤولية الحزب في حماية حقوق الناس والعمل على تأمينها وتوفيرها في كل المجالات. وقد يكون هناك ما يصح وصفه بالمبالغة في تحميل الحزب مسؤولية تفاقم الأزمات في أوساط الناس إزاء قضايا حيوية مثل المياه والكهرباء وفرص العمل والانماء إخ, إلا ان ذلك لا يعفي الحزب من مسؤوليته في العمل بشتى السبل للمساعدة على التخفيف من معاناة كل اللبنانيين.

ولا يكفي الشحن التعبوي و((العقيدي)) من أجل الحفاظ على دعم الناس وتأييدهم او لمنع إحداث شروخ في العلاقة بين الحزب وبيئته كما حاول نصرالله جاهداً خلال اطلالاته العاشورائية ان يفعل, خصوصاً وأن لسان حال الكثيرين في هذه البيئة  اليوم هو ((ولا تنسى نصيبك من الحياة الدنيا)), او ((اعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)). ولعل هذا ما جعل كثيرين يتحدثون بطريقة نقدية لبعض ما ورد في يوميات  نصرالله  الأخيرة  على شاشة ((المنار)) عندما ركز على الموت والحساب والآخرة دون إيلاء قضايا مباشرة ويومية في حياة الناس ما تتطلبه من اهتمام.

ولعل ((بكائية)) نصرالله التي وزع شريطها  المصور بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي جاءت لتثير الجدل حول العبرة منها في مثل هذا الظرف باعتبارها تدخل في إطار السعي لجذب الناس, وهي بالطبع ليست متعمدة, إلا انها قد لا تليق عند الكثيرين من الناس الذين يرون في نصرالله  ارادة صلبة لا تلين ولا تنكسر ويمثل الإباء والعنفوان والانتصار وليس البكاء كتعبير عن الضعف والعجز وقلة الحيلة.

وبأي حال, فإن استهداف العلاقة بين نصرالله وبيئته الحاضنة و هو أمر من الملاحظ ان الأمين العام مدرك له بوضوح وحاول مؤخراً مخاطبة جمهوره لتجنب ((الكثير من الأخطاء)) لا سيما على صعيد وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الاستهداف سيكون في المرحلة القريبة المقبلة امام اختبارات من نوع جديد وربما أشد قساوة مما كان سابقاً.

أما الأمر الثاني الذي سيكون حكماً في دائرة الضوء في المرحلة القريبة المقبلة فيتعلق بعنوان الفساد الذي وعد نصرالله بحمل نبراس مكافحته, خصوصاً بعد ان قدم الاسبوع الماضي خطة منهجية تبدأ بالتشريعات لوقف الهدر والفساد أولاً ومن ثم  الانتقال الى استئصاله واجتثاث جذوره الضاربة في قلب النظام اللبناني ومؤسساته.

لا يمكن التقليل مما يمكن ان يتعرض له نصرالله في حال أقدم على المضي في تنفيذ خطته التي وصفها الكثير من المراقبين بأنها علمية وواقعية وجادة, فثمة جيوش وليس جيشاً من المتضررين  الفاسدين سيجد نصرالله نفسه في مواجهته, ولا نتمنى بالطبع ان يأتي وقت يلعن فيه نصرالله ساعة قرر فيها دخول معترك مكافحة الفساد, بل نأمل كما كل اللبنانيين ومن كل الأطياف والمناطق ان يتم العمل بشكل فعلي وحقيقي على تنفيذ ما ورد في خطة نصرالله وما قد يضاف اليها من ملحقات, خصوصاً بعد ان أصبح الفساد جرحاً متقيحاً يصيب كل أعضاء الجسد اللبناني نظاماً ومجتمعاً ويهدد بما هو اسوأ من أي حرب وغزو واجتياح.

في الخلاصة, فإن نصرالله مستهدف اليوم أكثر من أي وقت مضى, انطلاقاً من موقعه المؤثر بشكل فعلي وحاسم في كثير من المسارات, وهي حقيقة لا بد من الوقوف عندها سواء أحببت نصرالله او كرهته, وسواء تمنيت إحباط كل محاولات استهدافه او تمنيت نجاحها.

زين حمود

 

الوسوم