بيروت | Clouds 28.7 c

مبادرة روجرز وقبول عبد الناصر بها ونقل صوارخ سام الى جبهة القناة/ بقلم عبد الهادي محيسن

 

مبادرة روجرز وقبول عبد الناصر بها ونقل صوارخ سام الى جبهة القناة/ بقلم عبد الهادي محيسن

الشراع 6 شباط 2023

يكشف كيسنجر مستشار الرئيس نيكسون لشؤون الأمن القومي الى أي مدى كانت الإدارة الأميركية مضطربة وغير محددة المواقف إزاء الشرق الأوسط خلال تلك الفترة ، فإن إدخال الأسلحة والقوات السوفيتية بعد حرب العام 1967ثم إقامة حواجز الصواريخ على الضفة الغربية لقناة السويس أحدث إرتباكا كبيرا في الإدارة الأميركية وبينما كان كيسنجر يرى أن هذا هو الموضوع  الأساسي الذي يجب أن تنصب عليه السياسة الأميركية .

كان روجرز وزير الخارجية الأميركية يرى أن تنصب الجهود على محاولة تسوية النزاع العربي الإسرائيلي مع تجاهل التواجد السوفياتي بقدر الإمكان إعتقادا منه أنه سيحل نفسه بنفسه إذا حلت المشكلة الرئيسية ، لذلك فإن كيسنجر سعى شخصيا الى لقاء السفير السوفياتي دوبرينين لتحذيره من تواجد السوفيات في مصر وتدعيمهم لقدراتها العسكرية بينما أصر روجرز على مبادرته الخاصة بوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات .

أما الرئيس الأميركي نيكسون فيبدو من مذكرات كيسنجر أنه لم يكن له موقف محدد ، فقد كان الشاغل الأساسي له في تلك الفترة هو الموقف في الهند الصينية وسعيه لعقد مؤتمر قمة لهذا الغرض ... يبدو من المذكرات أن نيكسون كان يؤيد وجهة نظر كيسنجر سرا في وجوب التصدي الفعال للسوفيات في الشرق الأوسط ولكنه يؤيد مبادرة روجرز علنا لعدم رغبته أو قدرته على مواجهة وزير خارجيته روجرز ونائيا بنفسه عن مشكلة الشرق الأوسط ، وهكذا وافق البيت الأبيض على المبادرة دون إقتناع بها وهو يعلم بفشلها مقدما . 

غير أن جمال عبدالناصر فاجأ الإدارة الأميركية بقبول المبادرة بوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات ، وكان هدفه من ذلك كما دلت التطورات التالية تحريك حائط الصواريخ الى حافة القناة مع الحد الأدنى من المخاطرة ، فقد كان عبدالناصر في قرارة نفسه يرى أن معركة التحرير آتية لا ريب فيها .

وهكذا يمكن تلخيص الموقف إزاء مبادرة روجرز كالتالي :

- أميركا : لا تثق في جدواها وإنما قدمتها فقط تحت ضغط روجرز بصفة شخصية وكمخرج لأزمة الدبلوماسية الأمريكية التي يتولاها روجرز في الشرق الأوسط .

- مصر : لا تثق بجدواها وقد قبلتها فقط لإتاحة الفرصة لها لتحريك صواريخ سام 6 الى الأمام إستعدادا للمعركة القادمة .

- إسرائيل : لا تثق في جدواها وقبلتها تحت ضغط أميركا مع تأكيداتها لها بأنها لن تضغط عليها في المفاوضات ولكي يمكنها الحصول على ماتريد من شحنات الأسلحة الأميركية .

لهذا كانت مبادرة روجرز ستارا وهميا يخفي الأغراض الحقيقية المستترة للأطراف الثلاثة ، وبقي أن نعرف ماذا تم بشأن هذه المبادرة المحكوم عليها مقدما بالفشل !؟ .. إذن قبلت إسرئيل المبادرة الأمريكية بوقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات تسوية مع مصر في 31 تموز 1970 وقد جاءت موافقة إسرائيل عقب موافقة مصر والإتحاد السوفياتي .

لم تكن مخاوف إسرئيل على حد تعبير كيسنجر لا أساس لها ، إذ أن مصر والإتحاد السوفياتي استخدما الفترة السابقة على وقف إطلاق النار لبناء شبكة سريعة من الصواريخ على طول قناة السويس وأن هذه الصواريخ ستكون قادرة على حماية مواقع المدفعية المصرية في الضفة الغربية للقناة وقادرة أيضا على تغطية إنزال مصري في سيناء وفي حالة وقف إطلاق النار ستكون هذه الصواريخ بمأمن من الإنتقام الإسرائيلي .

في 5 آب سارع اسحاق رابين السفير الإسرائيلي في واشنطن الى تقديم صورة كئيبة عن الموقف وإبلغ الأميركيين بأن حوالي 14 موقع للصواريخ قد حُركت مسافة 50 كم من قناة السويس وأن ثلاث قواعد صاروخية قد وصلت مسافة تتراوح الى عشرة كم من القناة وأنه حدث أن بين 25 و27 يوليو أن قامت 30 طائرة يقودها طيارون سوفيات بالإشتباك مع الطائرات الإسرائيلية . 

وأكد رابين تصميم أسرائيل على عدم السماح لشبكة الصواريخ بالتقدم الى الأمام وعلى أية حال فقد امتنعت إسرائيل عن القيام بعمل من شأنه أن يؤثر على الموقف العام وأرسلت الى السلطات الأمريكية تبلغها قبولها لوقف إطلاق النار وفقا للمبادرة روجرز وذلك في 6 آب وسارع روجرز الى إتخاذ التدابير الكفيلة بالتنفيذ قبل أن يغير أحد رأيه .

بدأ سريان وقف إطلاق النار يوم 7 آب في مصير يلفه الغموض والإلتباس وكان الإتفاق ينص أيضا على تجميد النشاط العسكري في منطقه عرضها 50 كيلو متر على جانبي القناة ، إلا أنه في 15 آب جاء السفير الإسرائيلي اسحاق رابين ليبلغ السلطات الأميريكة وكيسنجر مقدما مذكرة من رئيسة وزراء إسرائيل كولدامائير تحوي أدلة على أن 14 من صوريخ سام 2 تدعمها صواريخ سام 3 قد أدخلت الى منطقة التجميد العسكري .

وإن إسرائيل فقدت جراء ذلك خمس طائرات فانتوم وطلبت مائير أن تصل المذكرة الى الرئيس شخصيا ولكن وزارة الخارجية الأميركية التي كان همها الأول دفع المباحثات الى الأمام وجدت ذلك غير ضروري .

غير أن كيسنجر سعى لتدبير لقاء بين الرئيس نيكسون وبين السفير رابين ، وفي هذا اللقاء شكا رابين بمرارة من تردد وكالة المخابرات الأميركية من الأخذ بالشواهد الإسرائيلية على وقف إطلاق النار وأكد الإنتهاكات الحقيقية وكنتيجة لذلك وافق نيكسون على الإسراع في تسليم إسرائيل صواريخ شرايك جو أرض لاستخدامها ضد شبكة الصواريخ المصرية وهكذا يتضح الدور الذي يقوم به كيسنجر كمستشار لشؤون الأمن القومي في خدمة إسرائيل كيهودي مخلص .

عبد الهادي محيسن ... كاتب وباحث .