التنظيم الطليعي، العدوان الثلاثي ألهم عبدالناصر بإنشائه
التنظيم الطليعي، العدوان الثلاثي ألهم عبدالناصر بإنشائه
*أدرك جمال ان مصر لا تستطيع ان تأخذ دورها إلا عندما تكون طليعة النهضة العربية المنشودة
*ماهية مشروع جمال عبدالناصر ومضمونه ما زال قائماً وملحاً
*غاب القائد الرمز.. والخطر اليوم هو مشاريع التجزئة
*جمال عبدالناصر فاتح علي صبري وهيكل وسامي شرف وأحمد فؤاد بإنشاء التنظيم الطليعي في حزيران/ يونيو 1963
*لم يحضر حسين الشافعي اجتماع إطلاق التنظيم الطليعي رغم انه كان أميناً عاماً للإتحاد الاشتراكي العربـي.. وغاب كل زملاء ناصر القدامى
*قال جمال: علي صبري وهيكل أكثر من تأثر بفكري..
*الجهاز السياسي ورد في الميثاق.. وتشابه في ما بعد مع رابطة الشيوعيين اليوغسلاف
*التنظيم الطليعي سري لحمايته من الأعداء ومنع تسلل الانتهازيين
*عبدالناصر اطلع عامر على التنظيم فكلف المشير شمس بدران بتكوين جهاز سري داخل الجيش
*كان ابراهيم سعدالدين معزولاً سياسياً لكن هيكل أقنع عبدالناصر بضمه الى طليعة الاشتراكيين
*المهمة الاولى لأعضاء التنظيم كتابة التقارير عن كل شأن من شؤون الحياة في مصر لرفعها الى عبدالناصر
*أصبح التنظيم الطليعي جهازاً من أجهزة السلطة
*خرج شيوعيون من السجن مباشرة الى التنظيم الطليعي
*كل مسؤول في إدارته شكّل تنظيماً طليعياً بأمر من عبدالناصر
*شعراوي جمعة هو الوحيد الذي بدأ عمله التنظيمي بإنشاء المعهد الاشتراكي في السويس مستعيناً ببلدياته محمد عروق
*السوفيات اخترقوا الطليعة فعمد التنظيم الى ((تخريم)) نشراته
يتغنّى بعض الأحزاب العربية وحتى الأجنبية خصوصاً الشيوعية.. و((البعث)) بوجودها وسعيها لتسلم السلطة ونجاحها بالوصول الى الحكم.. وتنظر الى ثورة تموز/ يوليو 1952 في مصر على أنها حركة جاءت من فوق.. وأنها افتقدت الى ما صارت اليه الدول التي أنشأتها الأحزاب.
وعندما أسس جمال عبدالناصر الاتحاد الاشتراكي العربـي عام 1962 قالوا ان السلطة أنشأت الحزب بينما أحزابهم أنشأت سلطات لذا فشلت تجربة عبدالناصر التنظيمية.. والقصد هو الإيهام بأن تجاربهم التنظيمية نجحت.
فلنقرأ في هذه العجالة واقع هذه الأحزاب:
حزب ((البعث)) تسلم حكم العراق وسورية منذ اكثر من نصف قرن وأحال الدولتين الى جزر متناحرة ومذاهب متصارعة وقتل فيها الوطنية والعروبة والإنسانية، من اجل البقاء في السلطة.. وتحول من حزب نشأ للعروبة تعبيراً وهدفاً وآمالاً الى حزب يخدم الحاكم وتسوقه أجهزة الاستخبارات كمن يقود قطيع أغنام من أمينه العام المساعد الى الرفيق عند حاجز التفتيش في ملابس النساء وحفاضات الاطفال.. وفشل في كل القضايا الوطنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. تسلّم دولاً وها هو يسلم العراق وسورية أشلاء.. تغنّى بالعروبة وها هو يلحن بالفارسية عملاً وقولاً، ثقافة ومذهباً وعداء شرساً للعروبة.
والأحزاب الشيوعية التي أقامت الاتحاد السوفياتي في روسيا وما حولها، وتسلمت السلطات في دول اوروبا الشرقية وغيرها في كثير من دول العالم.. أقامت فعلاً تنظيماً حديدياً.. أحاط بالمجتمعات فحوّل بلادها الى معسكرات اعتقال.. وقتل كل حس إنساني بإسم الحزب، واستباح كل محرم بإسم التنظيم.. وهو صار فعلاً قطيع استخبارات يمجد الحاكم الفرد في كوريا الشمالية..
هذا الكلام ليس دفاعاً عن اي تجربة، انما هو مقدمة للحديث عن تجربة خاضها جمال عبدالناصر لإنشاء تنظيم سياسي.. بدأت فكرته خلال العدوان الثلاثي على مصر (هجوم بريطانيا – فرنسا – اسرائيل على ارض الكنانة بعد تأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس في 26/7/1956) واستلهم فيها جمال فكرة التنظيم من خلال عمل وكفاح شباب واجهوا العدوان.. لكنه لم يضع الفكرة موضع التنفيذ إلا بعد ان بدأت مصر في عصره التحول العظيم نحو مجتمع اشتراكي عربـي.. وإن كانت سبقته محاولات عديدة هي هيئة التحرير 1954 قبل العدوان الثلاثي.. والاتحاد القومي بعد العدوان.. ثم الاتحاد الاشتراكي الوعاء السياسي الذي سيواكب التحول الثقافي الذي بشّر به الميثاق الوطني.. وصولاً الى التنظيم الطليعي.
عن التنظيم الطليعي كتب أحد أقطاب اليسار الوطني المصري – كما يحب ان يطلق على نفسه – جمال سليم مؤلفه عن التنظيمات السرية في عصر جمال.
اقتطفنا من الكتاب أحد فصوله.. عن التنظيم الطليعي.. حذفنا بعض العبارات ولم نتدخل في اضافة اي فكرة او واقعة او خبر.. لنضيف أمراً جوهرياً وهو ان أنور السادات ما نجح في انقلابه على ثورة تموز/ يوليو وفكر ومنهج قائدها عبدالناصر إلا بعد ان نجح في القضاء على التنظيم الطليعي.
وسيكتب التاريخ عن أخطاء قادة التنظيم الذين مكّنوا السادات من انقلابه.. لكن يجب ان يسجل للتنظيم أنه كان محاولة جدية للمساهمة في البناء الناصري الثوري.. تكالبت عليه قوى عديدة قبل ان ينهيها السادات من الشيوعيين الى عبدالحكيم عامر وأجهزة الاستخبارات الى الانتهازيين النفعيين.
أمر آخر يسجل لهذا التنظيم ومؤسسته الشابة منظمة الشباب الاشتراكي، انها قدمت لمصر منذ نصف قرن نخبة قياداتها السياسية والادارية والثقافية والاعلامية والقانونية التي شكلت إطار العمل والحركة في مصر عقوداً طويلة من الزمن.
تكونت ((طليعة الاشتراكيين)) او ((التنظيم السري)) او ((الجهاز السياسي)) للإتحاد الاشتراكي في حزيران/ يونيو 1963 باجتماع عقده جمال عبدالناصر ودعا اليه علي صبري ومحمد حسنين هيكل وأحمد فؤاد وسامي شرف الذي قام بسكرتارية الاجتماع..
وكان عبدالناصر قد ذكر في الفصل الخامس من الميثاق ان ((الحاجة ماسة الى خلق جهاز جديد داخل إطار الاتحاد الاشتراكي العربـي يجند العناصر الصالحة للقيادة وينظم جهودها ويبلور الحوافز الثورية للجماهير ويتحسس احتياجاتها ويساعد على إيجاد الحلول الصحيحة لهذه الاحتياجات..)).
وعندما عقد جمال عبدالناصر هذا الاجتماع في حزيران/ يونيو سنة 1963، كان حسين الشافعي هو الأمين العام او المشرف العام على الاتحاد الاشتراكي، وكان يرأس الوزارة وقتذاك علي صبري..
وكان من الطبيعي وجمال عبدالناصر بصدد إنشاء ((الجهاز السياسي)) للإتحاد الاشتراكي وباعتباره هو – اي جمال عبدالناصر – رئيس الاتحاد الاشتراكي، ان يدعو حسين الشافعي امين الاتحاد الاشتراكي الى هذا الاجتماع.. لكن حسين الشافعي لم يكن موجوداً لأنه لم يطلب اليه ان يحضر.. كذلك لم يحضر أحد من أعضاء مجلس قيادة الثورة القديم!
ومن الملاحظ ان هذه المجموعة التي اجتمع بها عبدالناصر كانت ذات ميول متباينة وقد استفسر احمد فؤاد من جمال عبدالناصر عن مدى التجانس بين أفراد هذه المجموعة، فقال له عبدالناصر: ان علي صبري وهيكل هما اكثر الناس تأثراً بفكري، وانهما برغم أصولهما الفكرية البعيدة عن الاشتراكية إلا انهما يعبران مرحلة من مراحل التحول الفكري الى الاقتناع بها..
وفكرة الجهاز السياسي داخل الاتحاد الاشتراكي تتشابه مع رابطة الشيوعيين اليوغسلاف داخل الاتحاد الاشتراكي في يوغوسلافيا، وقد أطلق عليها في مصر اسم ((طليعة الاشتراكيين)) وحتى التنظيم نفسه انتقل من البرتغال الدولة الفاشية الى مصر..
وقد طلب عبدالناصر ان يتصل كل واحد من الحاضرين بمجموعة من الذين يثق بهم وأن يشكل منهم خلايا لا يتجاوز عدد أفراد كل خلية عشرة أفراد فقط، واشترط ان يكون التنظيم سرياً، وألا يقبل الأعضاء فيه إلا بعد عرض الاسماء عليه للموافقة عليهم، وكان هذا يعني ان هذه الاسماء سوف تعرض على أجهزة أمن خاصة كالمباحث العامة او الاستخبارات.
وأوضح عبدالناصر في مؤتمر المبعوثين الذي عقد بالاسكندرية في آب/ اغسطس سنة 1966 ان السرية كانت لسببين:
أولهما: لمنع هجوم الرجعية على العناصر المختارة والاساءة الى سمعتها.
ثانيهما: الحيلولة دون انضمام الانتهازيين اليه، ومنع استغلال المنضمين اليه.
وقد اتفق في هذا الاجتماع على تكوين لجنة من:
1- أحمد فؤاد.
2- احمد حمروش.
3- د. عبدالمعبود الجبيلي.
وبدأ كل واحد يتصل بأقرب الناس اليه، وقد علم المشير عبدالحكيم عامر بخطوات التنظيم الطليعي من عبدالناصر، فاتصل بدوره او كلف شمس بدران بتكوين الجهاز السري – بالأمر (!!)، داخل القوات المسلحة واتصل شمس بدران – ايضاً – بعباس رضوان الذي بدأ تشكيل مجموعة كان من أعضائها شعراوي جمعة.. اما علي صبري فقد اتصل بالوزراء عبدالمنعم القيسوني وأحمد توفيق البكري وعبدالقادر حاتم وعبدالمحسن ابو النور وعبدالعزيز السيد ومحمد فائق وعبدالمجيد فريد وسامي شرف وفريد عبدالمجيد ومحمد ابو نار.
كما شكل هيكل مجموعة في الاهرام من: د. محمد الخفيف، د. ابراهيم سعدالدين، د. ابراهيم الشربيني، د. عبدالرازق حسن.. علماً ان د. ابراهيم سعدالدين كان معزولاً سياسياً وفي سنة 1964 فوجىء بدخوله الاتحاد الاشتراكي وتعيينه عضواً بالأمانة العامة.. وكان الذي أبلغه بالتعيين هو محمد حسنين هيكل..!!
وانتهى التشكيل الفوقي للجهاز السري في مرحلته الاولى الى عدد من الشخصيات المحيطة بعبدالناصر بمسؤولية تجنيد أشخاص او اختيار الاعضاء وهم:
1- علي صبري.
2- احمد فؤاد.
3- كمال رفعت.
4- عباس رضوان.
5- هيكل.
ثم تكونت امانة للجهاز السري برئاسة شعراوي جمعة وفي القمة بالطبع عبدالناصر وعلي صبري.
كان مقر أمانة التنظيم السري في سراي الامير طوسون بالزمالك، ثم انتقلت الى مبنى قيادة الثورة بالجزيرة.
وكان النشاط الشديد هو طابع عمل أمانة طليعة الاشتراكيين، كانت الاجتماعات تعقد اسبوعياً للمجموعات التي كانت بدورها ترفع تقاريرها السياسية الى المستويات الأعلى وبدورها ترفع الى جمال عبدالناصر وتعود بتأشيراته في اليوم نفسه لترسل الى الوزراء والمختصين، وكانت قيادة التنظيم السري تصدر نشرة دورية مرقمة بطريقة تكشف عن صاحبها اذا ما فقدت منه او انتقلت الى شخص آخر او تسربت هنا او هناك..
والواقع ان نشرة طليعة الاشتراكيين لم تكن هي النشرة السرية الوحيدة التي كانت توزع على أعضاء التنظيم السري.. كانت توزع عليهم ايضاً نشرات المكاتب التنفيذية.
اهتم عبدالناصر بالتنظيم السري وضم اليه بعض الضباط المقربين اليه منهم:
1- امين هويدي وزير الاعلام.
2- حلمي السعيد وزير الكهرباء.
3- عبدالمجيد فريد أمين القاهرة.
4- سامي شرف سكرتير الرئيس للمعلومات.
5- محمد فائق سكرتير الرئيس لشؤون افريقيا.
6- علي السيد علي ممثلاً للعمال.
وتغيرت الأمانة بحيث أصبحت مشكلة من 7 ضباط خمسة منهم عملوا بالاستخبارات واربعة من المدنيين.
ونتيجة لهذا الوضع كانت كتابة التقارير لمركز السلطة هي السند الرئيسي للشخصيات المختلفة.. ولم يكن مهماً، بل لعله كان مطلوباً ان تقدم كل المعلومات والأخبار المتيسرة حتى ولو أساءت الى المقربين..
وانعكست هذه الحالة داخل كل من الاتحاد الاشتراكي وطليعة الاشتراكيين، وكادت تصبح كتابة التقارير عن اتجاهات الرأي العام هي أهم نشاط للأعضاء، وذلك نتيجة لتولي ضباط الاستخبارات السابقين المسؤولية السياسية الجديدة..
وعيّن شعراوي جمعة أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكي وأمين أمانة طليعة الاشتراكيين وزيراً للداخلية فتجمعت سلطات الأمن السياسي وغير السياسي في يده..
وهكذا أصبح التنظيم السري جهازاً لنقل المعلومات واتجاهات الرأي العام الى السلطة. وتحولت اجتماعاته الى لون عصري من نفاق السلطة، بالتقارير والموافقة والتأييد والتبرير لكل من أعمالها وكل إجراء من إجراءاتها، وهذا أثر طبيعي في التنظيمات السلطوية.
وهذا لم يكن يدينه بقدر ما يدفع أعضاءه الى محاولة تقويمه وتنقيته، ولا يغيب عن البال ان قيادات التنظيم الطليعي كانت قيادات مختلطة، تجمع بين السلطة والحزب، وهو وضع فريد، إلا اذا كان الحزب قد وصل الى السلطة في عملية نضالية، اما وهو قد وصل الى السلطة في ثورة عسكرية قام بها رجال يستهدفون الاصلاح.. وليست لديهم نظرية للتغيير فهو ما لا يشفع لهم بتكوين حزب، اذ يعني هذا – وهذا ما حدث في الاتحاد الاشتراكي بشكل واسع وفي التنظيم الطليعي بشكل ضيق – ان يصبح التنظيم او الحزب جهازاً من أجهزة السلطة، وعلى أحسن الفروض يصبح بوقاً للسلطة ومبرراً لها، ومنافقاً اذا تطلب الأمر كذلك، وقد يختلف التنظيم الطليعي السري عن ذلك، او قد يشذ عن هذه القاعدة اذا ما كانت السلطة تمثل سلطة اشتراكية وتؤمن بالمبادىء التي يؤمن بها الحزب، وتطبق ما تراه ملائماً في الظروف المناسبة.. ويجب ألا نتأثر كثيراً بما نشر وما قيل وما أشيع عن التنظيم الطليعي – من خلال المحاكمات، ومن خلال الصورة التي قدمت من طرف واحد بعد ايار/ مايو سنة 1971 والتي تعطي انطباعاً بأنه التنظيم ذو الوجه القبيح.. وأن هذا التنظيم كان يعيش في بيت سيىء السمعة هو: الاتحاد الاشتراكي.
والواقع يختلف عن هذا كلية. كان على رأس التنظيم جمال عبدالناصر.. وكان يضم أعضاء مجلس قيادة الثورة جميعهم عدا الذين خرجوا قبل تموز/يوليو سنة 1963.
وكان التنظيم السري الذي يعمل في الصحافة يتبع جمال عبدالناصر شخصياً، ثم آلت تبعيته فيما بعد إلى علي صبري ثم توزعت هذه المسؤولية بين علي صبري وشعراوي جمعة وكمال الحناوي وأمين هويدي.
وكانت فكرة التنظيم السري قد راودت جمال عبدالناصر خلال عدوان سنة 1956، عندما أفرج عن اليساريين للإشتراك في المقاومة الشعبية – فقد عهد إلى كمال رفعت وخالد محيي الدين وكمال الحناوي وأمال المرصفي بتنظيمهم.. واختير لهم معسكر في قرية ((طويحر)) مركز أبو حماد الشرقية، وكان المعسكر يضم 150 شخصاً، وكان محمود المنيسترلي وشقيقه ابراهيم المنيسترلي الضابطان بالجيش هما المسؤولان عن الدروس العسكرية، وكان عبد المنعم الغزالي والكاتب في الطليعة فيما بعد ((حكمداراً)) للمعسكر.
وكان عبد الناصر قد سرح طلبة كليتي الشرطة والحربية للاشتراك في المقاومة.. وكانت كل مجموعة تضم خمسة منهم: طالب شرطة وطالب كلية حربية وعامل، وفلاح.. ومثقف.
وقد أثمرت هذه التجربة، وحقق هذا التنظيم أعمالاً عظيمة خلال العدوان الثلاثي.
لقد استرجع عبد الناصر هذه الفكرة من جديد عندما بدأ يكتب الميثاق الوطني، فعلى عادته كان قد كلف مجموعات من الضباط والمثقفين والصحافيين بوضع تصور لمشروع ميثاق وطني.. ففي سنة 1962 كانت مجموعات من الضباط والصحافيين يعكفون على وضع الخطوط العامة للميثاق.. لم يكن أحد منهم يدري ما يقوم به الآخر..
ويذكر كمال الحناوي الوزير في عهد الوحدة الثلاثية وأمين الاتحاد الاشتراكي للوجه البحري انه كان ضمن لجنة مكونة من أحمد بهاء الدين واحسان عبد القدوس لوضع تصور للعمل الوطني.. وبعد ان أتموا هذا العمل وقدمه كمال الحناوي للرئيس ناصر، فوجىء بأن مجموعات أخرى كانت تقوم بالعمل نفسه.
في إحدى هذه المجموعات ورد اقتراح بتشكيل تنظيم سري داخل الاتحاد الاشتراكي.. ومن هنا جاء النص عليه في الميثاق الذي صدر فيما بعد.
يذكر فهمي حسين القصاص والصحافي بمجلة ((روز اليوسف)) انه في خلال عام 1963 جاء إليه وسيم خالد الصحافي المختص بالشؤون الاقتصادية بجريدة ((الجمهورية)) التي كان يتولى رئاسة مجلس إدارتها كمال الحناوي.. وكان وسيم خالد صديقاً لأنور السادات وهو الذي عيّنه في الجمهورية، وترجع هذه الصداقة إلى مقتل أمين عثمان سنة 1947 حيث كان وسيم أصغر المتهمين في القضية.
يذكر فهمي حسين أن وسيم خالد جاء إليه وقال: لقد قرأت لك مقالاً بعنوان ((درس مستفاد من المقاومة الشعبية)).. ان الافكار التي جاءت في المقال سوف تتحقق.. سوف يطلبك غداً كمال الحناوي للتحدث في هذا الموضوع.
وذكر محمد كاظم وكان رئيس قسم الشؤون الاقتصادية بـ((الجمهورية)) ان وسيم خالد ذهب – أيضاً – إليه وحدثه عن مقابلة تمت بينه وبين أنور السادات. وان أنور السادات طلب منه ترشيح عدد من الاسماء للإنضمام إلى تنظيم سري قائده عبدالناصر وسكرتيره العام أنور السادات، فلما سأله كاظم: ليه تنظيم سري.. ما هو السادات في السلطة.. وعبد الناصر زعيمنا كلنا..؟
أجاب: الانتهازيون كثر في البلد.. ((شوف الاتحاد الاشتراكي شكله ايه دلوقتي..!)).
يعود فهمي حسين إلى القول بأن كمال الحناوي لم يطلبه إنما طلبه شخص آخر لم يكن على البال هو أحمد فؤاد.
وذهب إليه فهمي حسين في مكتبه ببنك مصر، وقال له أحمد فؤاد: انني مكلف من قبل الرئيس عبدالناصر شخصياً بترشيح أعضاء لتنظيم سري تحت قيادته، ولذا أريد منك أن تقدم لي أسماء ناس مخلصين تثق فيهم.
ويذكر فهمي حسين انه قدم أسماء كثيرة منها: يوسف ادريس، جمال سليم – كاتب هذه المذكرات – يوسف صبري، فوزي عطا الله، عبد العزيز فهمي، جلال السيد، صلاح زكي وجلال معوض.
ثم قدم عدداً آخر من الاسماء أصحابها كانوا في المعتقل منهم: الفنان حسن فؤاد، الفنان زهدي.. واعترض أحمد فؤاد وقال: هو احنا نعمل تنظيم في السجن؟!
فأجابه فهمي: الاشتراكية لا يبنيها إلا الاشتراكيون.. ودول – اشتراكيين .. ليه ما يخرجوش ويبقوا معانا؟!
وظلت حركة الترشيحات قائمة على قدم وساق في دور الصحف فقد كان التنظيم فيها أسبق واسرع من المؤسسات الأخرى إلى ان جاء شهر ت1/اكتوبر سنة 1963 وعندئذ أبلغ المسؤولون بأن ما قدموه من ترشيحات قد قبلها عبدالناصر جميعها ولم يرفض أحداً.
وكان عبدالناصر بدوره قد كلف كل وزير وكل ضابط من الضباط الأحرار، وكل مسؤول.. بإقامة تنظيم في منطقته أو مؤسسته أو وزارته.. فمثلاً كان علي صبري وقتها رئيساً للوزارة فأنشأ التنظيمات في الوزارات والقطاع العام.. وكانت هذه التنظيمات تنتهي إليه.. وكان زكريا محيي الدين مشرفاً على الجهاز المركزي للمحاسبات وعلى الشباب قبل إنشاء المنظمة فقام بإنشاء تنظيمات داخلها. وكان السادات رئيساً لمجلس الأمة فاختار عدداً من الاعضاء وجعل منهم شعبة للتنظيم السري.. وكان منهم حافظ بدوي وعدد من نواب الوجه القبلي..
وكان عباس رضوان مسؤولاً عن التنظيم في الصعيد وكانت جامعة القاهرة تتبعه باعتبارها تابعة للجيزة إحدى محافظات الصعيد، وقد ضم إليه في التنظيم الدكتور محمد أنيس رئيس قسم التاريخ وقد ظل أنيس يطالب مراراً بنقله من تنظيم عباس رضوان إلى تنظيم كمال رفعت المسؤول عن الثقافة والفكر في الاتحاد الاشتراكي..
وقد بدأ التنظيم السري ((نوعياً)) بمعنى انه كان ينقسم إلى قطاعات. الصناعة، والزراعة والصحافة، والثقافة.. والخدمات.. الخ.. ثم أصبح ((جغرافياً)) بمعنى ان يكون العضو تابعاً للتنظيم في المنطقة التي يعمل فيها أو التي يسكن فيها.. وكان التنظيم في الصحافة هو الاستثناء الوحيد.. فقد ظل نوعياً لا يضم سوى العاملين في المؤسسات الصحافية.
شعراوي الاشتراكي
وكان شعراوي جمعة هو الحالة الوحيدة الشاذة، فقد بدأ تنظيمه مبكراً عندما كان محافظاً للسويس، وهناك أنشأ المعهد الاشتراكي وكان يدعو الصحافيين والكتاب لإلقاء المحاضرات هناك والتعايش لمدد مختلفة مع الفلاحين والعمال.
وتطلب الوضع أن يستعين شعراوي بالرجل الثاني في إذاعة ((صوت العرب)) وهو محمد عروق. والواقع ان محمد عروق من الشخصيات التي أدت دوراً مؤثراً في التنظيم السري فقد كان يجلس فوق منجم من الشباب المتحمس في الاذاعة والتلفزيون.. ومن هذا المنجم اختار عدداً من الشباب لكتابة نشرة التنظيم السري، والبيانات المطلوبة والخطب العاجلة..
وكان محمد عروق قد أصبح مديراً لـ((صوت العرب)) ومديراً – في الوقت نفسه – لمكاتب شعراوي جمعة عندما اصبح وزيراً.. وصار الرجل القوي في الاذاعة والتلفزيون.
(التخريم)!!
وكانت الاجتماعات تعقد أسبوعياً لكل شعبة ويتم الاجتماع في بيوت الاعضاء بالتبادل، ويكتب محضر بما يدور في الاجتماع ويسلّم إلى ما يسمى بضابط الاتصال وهو عضو يقوم بتوصيل التقارير إلى المسؤول الأعلى ويتسلّم منه النشرة، أو أي شيء يريد توصيله إلى أعضاء الشعبة.
وكان الموضوع الأساسي الذي يناقش في الاجتماعات السرية يأتي من المستوى الأعلى، ثم تناقش بعده الموضوعات التي يطرحها الاعضاء.
وكانت نشرة التنظيم السري المسماة ((طليعة الاشتراكيين)) تصل إلى أعضاء التنظيم كل أسبوعين تقريباً إلا في بعض الحالات الاستثنائية.. وكان كل عضو يوقع بالاستلام النشرة على كشف يسلّم إلى المسؤول الأعلى.
فجأة.. وعلى اثر زيارة شو إن لاي القاهرة وصلت إلينا النشرة مرقمة بطريقة ((التخريم)) وأصبح لكل منا رقم، وقيل لنا انهم لجأوا لأسلوب ((التخريم)) حتى لا تتسرب النشرة إلى خارج التنظيم.. فإذا تسربت عرف على الفور عن طريق من تسربت.
اختراق سوفياتي
وكان السبب ان نشرة عن زيارة شو إن لاي وزعت على أعضاء التنظيم، وكانت تحتوي على بعض الآراء التي تناهض السوفييات.
كانت النشرة تقول انه من الممكن أن تستفيد مصر من التناقض الصيني السوفياتي.. ومن أجل ذلك لا بد من الترحيب بالضيف الصيني، ولا بد من تعبئة الجماهير للاحتفال به..
وتسربت النشرة إلى الملحق الثقافي السوفياتي بالقاهرة فأرسلها بدوره إلى موسكو التي اعتبرت ان هذا موقف غريب من عبدالناصر ومن القيادة السياسية في مصر..
وكنا قد ناقشنا محتويات هذه النشرة، وأجمعنا على أن هذا موقف يتناقض تماماً مع سياستنا.. ذلك انه في هذا الوقت كان عبدالناصر يعلن ان صداقتنا مع السوفيات ((صداقة استراتيجية)) كما أننا كنا ندرك ان مصر لن تستطيع الاستفادة من الصين فثقلنا السياسي محدود.. وقوتها الاقتصادية محدودة أيضاً والتكنولوجيا الصينية لا يمكن أن تقف بجانب التكنولوجيا السوفياتية.. فالقول بإمكان الاستفادة من التناقض الصيني السوفياتي قول يفتقر إلى الواقعية..
لكن ماذا كانت الأفكار التي تدور في أذهان الذين أمسكوا بزمام التنظيم السري.؟ هل كانوا يريدونه تنظيماً قوياً يخدم ثورة 23 تموز/يوليو أم تنظيماً سرياً يخدمهم ويحولهم إلى مراكز قوى لخوض صراع السلطة..
والواقع ان صراع القمة كان حاداً فيكفي ان زكريا محيي الدين عضو مجلس قيادة الثورة والرجل القوي في ثورة يوليو، وكان مشرفاً – في هذا الوقت – على الجهاز المركزي للمحاسبات.. كان زكريا يرى ان علي صبري رئيس الوزراء عندئذ رجل ليس فوق مستوى الشبهات.
ويؤكد هذه الحقيقة ما ذهب إليه زكريا محيي الدين في تقرير له ان الفساد كان قد استشرى حتى كان علي صبري وهو على قمة السلطة – رئيس الوزراء – يتستر على الفساد والانحراف ويحميهما، وكان تعيين زكريا محيي الدين لرئاسة الوزارة في تشرين الأول/اكتوبر سنة 1965 قد تم بعد فترة كان مسؤولاً فيها عن الجهاز المركزي للمحاسبات، وتكشف له خلال عمله كثير من الاخطاء والانحرافات في أجهزة الحكومة والقطاع العام، وكان الدكتور ابراهيم سعدالدين وقتها وكيلاً للوزارة في الجهاز.
((ويقول زكريا محيي الدين انه كان يرفع تقارير إلى جمال عبدالناصر ببعض الحقائق التي تثير القلق وتوجب الحيطة، ولكنها كانت تضيع بلا صدى إذ يتم تحويلها إلى علي صبري – رئيس الوزراء – فيحولها بدوره إلى الجهة المسؤولة عن الانحراف.
ومن عجب ان يحدث بعد ذلك تغيير وزاري فيتولى علي صبري منصب الأمين العام للاتحاد الاشتراكي وهو التنظيم السياسي الوحيد في البلاد.. وأن يتولى في الوقت نفسه عضوية اللجنة القيادية (لطليعة الاشتراكيين كأنما قد خلت مصر كلها من قيادة أخرى تقود العمل السياسي).
جمال عبدالناصر: ورد نص في الميثاق على ((ان الحاجة ماسة إلى خلق جهاز جديد داخل إطار الاتحاد الاشتراكي العربي))
علي صبري وثق به عبدالناصر.. شكك فيه زكريا محيي الدين هيكل أكثر من تأثر بفكر ناصر مع علي صبري
حسين الشافعي خارج الصورة
أنور السادات: طليعي في مجلس الأمة
شعراوي جمعة: بادر من نفسه لتشكيل المعهد الاشتراكي
محمد عروق: كان فوق منجم من الاعلاميين الثوريين
عبد الحكيم عامر: أطلعه جمال على الطليعة فكلف شمس بدران بتشكيل تنظيمي طليعي داخل الجيش
عبدالناصر في اليمن: دور قومي وحماية للأمن المصري