بيروت | Clouds 28.7 c

روسيا الحاضن الجديد لطائفة طامحة: الارثوذكس في لبنان هل يرثون زعامة الموارنة؟ - خاص الشراع

روسيا الحاضن الجديد لطائفة طامحة: الارثوذكس في لبنان هل يرثون زعامة الموارنة؟ - خاص الشراع

مجلة الشراع 9 آب 2019 العدد 1912

 

  • *روسيا بوتين تسعى لحماية وجودها في سورية من خلال نسج علاقات مع دول جوارها
  • *سعي روسي للاستفادة من البعد الارثوذكسي في المشرق يتناسب مع طموحها للبقاء في ((المياه الدافئة))
  • *الطموح الارثوذكسي لدور مميز بدأ مع غسان تويني ودوائر الموارنة أجهضت تحركه
  • *البديل عن الأحادية المارونية اليوم تجسد في تفاهم مارمخايل
  • *الياس المر حاول بناء علاقة خاصة للارثوذكس مع الروس وابو صعب يتابع
  • *روسيا مستعدة  لحماية الأجواء اللبنانية وعروض بأسلحة وامتيازات
  • *معلومات خاصة بـ((الشراع)) عما عرضته موسكو على لبنان دعماً له
  • *وحدهم الارثوذكس بين الطوائف لا داعم لهم ومحاولاتهم مع الروس مستمرة منذ زمن

خاص- ((الشراع))

 

يعتبر وزير الدفاع اللبناني الياس ابو صعب شخصية مرغوباً بها في موسكو، فالأصول الارثوذكسية لهذا الرجل تلتقي مع نشاط روسي في المشرق العربي لإنشاء بعد مسيحي أرثوذكسي لعودة روسيا الى المياه الدافئة وبناء نفوذ لها في البلدان العربية وغير العربية القائمة على شواطئه..

وزيارة الوزير ابو صعب الى روسيا لها بعدان كلاهما ينظر اليه باهتمام في موسكو المنقادة هذه الأيام من قيصرها الجديد فلاديمير بوتين.

البعد الأول هو كونه أرثوذكسياً ويمثل داخل حصة التعيينات الوزارية في لبنان حصة الأرثوذكس. رغم كونه من المقربين جداً للرئيس ميشال عون والوزير جبران باسيل والبعض يعتبره واحداً من الحلقة الضيقة لرئيس الجمهورية.

والبعد الثاني كونه وزيراً للدفاع وموسكو - بوتين لا تخفي في محادثاتها الرسمية مع بيروت انها تريد بيع أسلحة روسية للجيش اللبناني، ولو بدرجة لا تحرج علاقات الجيش اللبناني التاريخية والاستراتيجية مع الولايات المتحدة الاميركية.

ومنذ خروج نظام الوصاية السوري من لبنان، نشط الروس في جس نبض نشوء صلة نفوذ لهم مع أرثوذكس لبنان..  والبعض يقول ان قانون إيلي الفرزلي الذي سماه ((القانون الارثوذكسي)) كان في جانب من خلفيات اطلاقه، يغازل التوجه الروسي في المشرق الساعي لحصة داخل توزع الدعم الخارجي للطوائف المشرقية العربية. فوق خارطة توزع الطوائف اللبنانية على الدول المرجعية في المنطقة، اذ تلحظ موسكو ان السعودية تدعم المسلمين السنة اللبنانيين، وان ايران تدعم  المسلمين الشيعة، فيما المسيحيون احتكر الغرب وبخاصة فرنسا دعمهم ضمن عنوان ممثلهم الماروني، فيما الدروز انتقلوا بين الحاضن البريطاني ومن ثم الحاضن الفلسطيني  والمصري أيام جنبلاط الأب فالحاضن السوري أيام جنبلاط الابن، ليدخلوا حالياً مرحلة فراغ الداعم الخارجي لهم، علماً ان الكرملين يدعم صداقة المختارة وليس تحالفه معها.

وخلال فترة الاحباط المسيحي بقيادة الموارنة برز دعم من دمشق خلال تواجد سورية في لبنان لعائلة آل المر الارثوذكسية السياسية. وتعاملت سورية مع الارثوذكسية السياسية لآل المر بوصفها ((بدل عن الضائع)) الماروني، وعملت على تكريسها كزعامة ارثوذكسية للمسيحيين في لبنان بدلاً من الزعامة المارونية.

وكان سبق السوريين في هذا التوجه لنقل زعامة المسيحيين في لبنان من الموارنة الى الأرثوذكس،كل من غسان تويني وجامعة البلمند. لقد نظّر تويني نحو عقد من الزمن لأهمية دور الأرثوذكس في زعامة مسيحيي لبنان بالتشارك مع الموارنة على الأقل ان لم يكن على نحو متقدم عليهم.  وقد واجه تويني معارضة شديدة من جزء من الكنيسة الارثوذكسية المرتبط بواشنطن والذي أصر على بقاء التبعية السياسية الارثوذكسية للموارنة. وحتى ان جزءاً من السياسيين الأرثوذكس أداروا ظهورهم لفكرة تويني الذي أسماهم بالارثوذكس  ((المتمورنين)). ومنذ فترة طويلة سبقت وفاة غسان تويني، انقطعت أخبار فكرة الأخير عن تصدر الأرثوذكس في الحياة السياسية اللبنانية، ولم نعد نسمع عنها أية أخبار،كمادة للنقاش يتم تداولها في الصالونات الارثوذكسية البيروتية العامرة. وتبقى في هذا المجال ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي انه عندما بدأ الهمس عن بلورة برنامج تصدر مشروع أرثوذكسي في لبنان يصل لمسامع سفارات غربية في لبنان، وذلك في الفترة الأخيرة التي سبقت بدء عهد الطائف عملياً، تحركت نخب مارونية وفرنسية لتحث مراكز تفكير فرنسية تابعة لوزارة الدفاع الفرنسية من أجل بلورة نظرية تعيد للموارنة اللبنانيين المحبطين دورهم القديم في قيادة الحالة المسيحية اللبنانية.

 وبدأ هؤلاء البحث عن إعادة الدور الماروني المفقود من نقطة الاعتراف بأنه بات يصعب إعادة الدورالقديم للموارنة وأكثر ما يمكن فعله هو ترميمه وإعادة شد عضده. وخلص التفكير الفرنسي - الماروني اللبناني المشترك الى نظرية تقول ان تحالفاً بين الموارنة كطائفة هابطة سياسياً ولكنها تملك طاقات نوعية بداخلها، وبين الشيعة الطائفة الصاعدة سياسياً والمحتاجة لطاقات نوعية، يمكنه ان يشكل قاعدة اجتماعية تاريخية لبناء الجمهورية اللبنانية الثالثة الجديدة.

.. وهنا تجدر الاشارة في هذا المجال الى ان العلاقة بين التيار الوطني الحر وبين حزب الله بدأت قبل عودة العماد ميشال عون من منفاه الباريسي، ففي مرحلة وجود السوريين في لبنان تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر في انتخابات نقابية عديدة، وجرت حوارات بين الطرفين. لكن هذه التجربة لم تصل حينها الى اكتمال الفكرة الفرنسية عنها رغم انها أسست لمعرفة بين الطرفين تم الإفادة منها في وقت لاحق وذلك حينما بدأ التفكير بتفاهم مارمخايل الموقع بين عون وامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله.

والواقع انه بمقابل السعي السوري خلال وصايته للبنان لبناء ارثوذكسية سياسية مسيحية مشرقية في لبنان، حاول الفرنسيون ترميم مناعة الدور السياسي للموارنة في بلد الأرز من خلال دمج طاقاتهم المشتتة بالحيوية السياسية الشيعية.. ولا شك ان تفاهم مارمخايل استكمل هذا المسعى وان على نحو جرى من خارج أصل النسخة الفرنسية الخاصة بهذه الخطة.

وبعد بدء عهد الطائف، وخصوصاً بعد خروج نظام الوصاية  السوري من لبنان في العام 2005، حاولت موسكو استكمال ما بدأه السوريون بخصوص الدفع بالارثوذكس لتصدر الزعامة المسيحية في لبنان . ولقد اعتمد الروس لتنفيذ خيارهم هذا على عدة توجهات:

التوجه الأول هو تعميق العلاقة بين أرثوذكس لبنان والكنيسة الروسية الارثوذكسية، وحصلت عدة زيارات لمطارنة من هذه الكنيسة الى لبنان وجميعها تقريباً ركزت على ان حرب اميركا ضد العراق والنظام السوري أدت الى هجرة مسيحيي سورية والى اصابة الديموغرافيا المشرقية المسيحية بتهديد وجودي.

التوجه الثاني بدأ مع تدخل روسيا العسكري المباشر في سورية، حيث خلاله بدأت موسكو تتطلع لإنشاء علاقات عسكرية وسياسية مع كل الدول المحيطة بسورية، وبخاصة مع تركيا واسرائيل والعراق ولبنان. وبمقابل ذلك شددت اميركا على هذه الدول انه ممنوع عليها انشاء علاقات عسكرية مع روسيا.

وتؤكد معلومات متقاطعة ان موسكو نجحت في تنفيذ خطتها لجذب انقرة، العضو الهام في ((الناتو))، الى تعاون عسكري معها، وذلك من خلال ربط تزويدها بصفقة ((اس)) 400 بالتنسيق السياسي والامني الروسي والتركي في سورية . وهو امر تعزز بعد التعاون الروسي مع رجب طيب اردوغان في احباط محاولة الانقلاب الفاشلة عليه قبل نحو ثلاث سنوات. كما خططت موسكو لجعل اسرائيل تلتزم مع موسكو بقواعد اشتباك عسكرية في سورية وتريد روسيا توسيع قواعد الاشتباك هذه لتشمل لبنان.. وتجدر هنا ملاحظة معطيات عدة مستجدة اهمها انه في وقت لا تشتري فيه اسرائيل أسلحة من روسيا فهي تقوم بتنسيق يومي عسكري مع روسيا في سورية.. وهذا يعني ان موسكو وتل أبيب دخلتا عصر التعاون العسكري الاستراتيجي وذلك انطلاقاً من حاجة الاخيرة للتنسيق الجيو- سياسي الاستراتيجي مع روسيا في سورية.  خصوصاً وان التزام موسكو بأمن اسرائيل لا يقل عن الالتزام الاميركي  به.

وواضح ضمن هذا الاطار ان موسكو تستخدم نفوذها الواسع فوق الميدان السوري لمقايضته بالتعاون العسكري الاستراتيجي مع دول جوار سورية، رغم ان هذه الأخيرة لديها ولدى جيوشها علاقات تسلح تاريخية وعضوية مع البنتاغون، كتركيا او اسرائيل وأيضاً لبنان. وتريد موسكو ان تمتد استراتيجيتها هذه لجذب دول جوار سورية لعلاقات عسكرية سياسية استراتيجية معها، لتشمل لبنان والجيش اللبناني.

وفي هذا المجال افادت مصادر مطلعة لـ((الشراع)) بالمعلومات التالية:

اولاً: موسكو عرضت على الدولة اللبنانية مذكرة تعاون عسكري تشتمل على السماح لروسيا بأن تستعمل الموانئ اللبنانية في مجال حركة القوات الروسية في المنطقة.

ثانياً :عرضت موسكو انشاء علاقة تسليح مع الجيش اللبناني، بدأت بعرض بيع لبنان طائرات روسية، ومن ثم بعد تراجع لبنان عن هذه الصفقة، عرضت ان تقوم روسيا بصيانة وتقديم قطع الغيار لمعدات عسكرية قديمة روسية الصنع يملكها الجيش اللبناني.  علماً ان اول من كان بادر وتحت العنوان الارثوذكسي الى طلب تزويد لبنان بطائرات روسية حديثة هو وزير الدفاع السابق الياس المر.

ثالثاً: روسيا في آخر توجه لها تقوم بمبادرات جس نبض لمعرفة ما اذا كان لبنان يقبل بأن تقوم منصات صواريخ أرض - جو آس300 و400 الموجودة في سورية بحماية الأجواء اللبنانية ومنع الطائرات الاسرائيلية من استخدامها لاطلاق صواريخ طائراتها منها الى داخل سورية.

هذا السياق يشير الى ان ثمة سعياً روسياً لدخول لبنان ونسيجه الداخلي من بوابة الارثوذكس كون العلاقة مع الآخرين ولا سيما مع الشيعة محكومة بإيران ومع السنة محكومة بالسعودية ومع الموارنة بفرنسا والغرب, ولعلها تجد الفرصة مؤاتية اليوم للاقدام على ذلك، خصوصاً وان الوزن الارثوذكسي سيكون مدججاً بالثقل الارثوذكسي السوري, في ظل تخبط الموارنة وغرق قياداتهم السياسية في خلافاتهم الداخلية المستفحلة والبحث عن أدوار لم يعد لها الوزن السابق الذي كان له في فترات خلت, واقتصار هذا الدور على ما ينتج من هوامش بسبب احتدام الصراع الاسلامي المذهبي, وهو ما لن يكون له قيمة في أي لحظة في حال أمكن وقف هذا الاحتدام من خلال تفاهم ممكن في أي لحظة بين مرجعيات السنة والشيعة في المنطقة وفي مقدمتهم من دون شك المملكة العربية السعودية وايران.

لا تفاصيل بعد حول ما تقوم به روسيا على مستوى الحراك السياسي الارثوذكسي في لبنان الا أنه كان لافتاً ان روسيا مطلة على كل التفاصيل اللبنانية وحصص الطوائف فيها وقد ظهر ذلك بوضوح عندما لم يحصل لقاء بين الرئيس ميشال عون خلال زيارته الأخيرة الى موسكو مع بطريرك الروس كيريل رغم انه كان أعلن قبل الزيارة انه سيلتقيه. أما السبب في ذلك فيعود الى ان البطريرك كيريل لم يوافق على استقبال الرئيس اللبناني لأن هناك مآخذ للكنيسة الروسية ازاء التعاطي مع الطائفة الارثوذكسية في لبنان وتمثيلها في مؤسسات الحكم, ولأن هناك أيضاً ثغرة تصيب واقع التنوع المذهبي داخل الطائفة المسيحية وتجلت في سلسلة من الوقائع والقرارات وبينها موضوع تشكيل الحكومة الحالية حيث لم يحصل الارثوذكس مع ما يتناسب مع وزنهم وحضورهم.

ولعل هذه الواقعة عينة مما تقوم به موسكو وما يمكن ان تقوم به حاضراً ومستقبلاً لدعم ورفد الارثوذكس بكل أنواع المساعدة التي يمكن ان تقدمها لهم دولة مرجعية, وهذا كله مؤشر على ان مرحلة جديدة قد دخلها الارثوذكس ومعهم لبنان.

فهل يكفي هذا الدعم ليتصدر الارثوذكس المشهد كما كان غسان تويني يطمح, وهل يرث الارثوذكس في حال تصدرهم الدور والموقع والزعامة المارونية في لبنان؟

 

الوسوم