بيروت | Clouds 28.7 c

زيارة بومبيو لبيروت تتوج زيارات متتالية للاميركيين - رسائل واشنطن الجديدة: لبنان لنا وليس لإيران

زيارة بومبيو لبيروت تتوج زيارات متتالية للاميركيين - رسائل واشنطن الجديدة: لبنان لنا وليس لإيران

مجلة الشراع 29 اذار 2019 العدد 1894

 

*ما قام به بومبيو توخى الطلب بعدم السماح لحزب الله باستثمار نفوذه للالتفاف على العقوبات الاميركية ضد ايران

*الدفع باتجاه معاودة جلسات الحوار للبحث في الاستراتيجية الدفاعية وإنهاء موضوع سلاح الحزب

*تأكيد اميركي بتكثيف الحضور في لبنان بوجه الحضور الايراني

*قصة القاعدة العسكرية الجوية التي تريدها واشنطن لها في لبنان

*بومبيو حذر بيروت من مغبة التعامل مع روسيا بوصفها حليفاً لتسليح الجيش اللبناني

*من الخطأ حصر زيارة بومبيو في اطار العمل لدعم نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية

*لهذه الاسباب تعمد بومبيو زيارة وزارة الداخلية متابعة لزيارات سابقة لوفد((اف. بي. اي))

 

 

يقول دبلوماسي عربي مخضرم يقيم في لبنان، أنه يشعر ان هذه المرحلة الاميركية بتوجهاتها المعلنة على الأقل تشبه مرحلة سابقة عاشها بلد الارز عشية العام 1958، أي عندما أرسل الاميركيون الى الشواطئ اللبنانية الأسطول السادس واتخذوا من لبنان نقطة ارتكاز لدعم حلف بغداد آنذاك.

ويروي ميشال ابوجودة ان ثمة شخصيات سياسية أبلغت تقي الدين الصلح حينها ان الاميركيين بات لديهم سياسة تجاه لبنان، وأن سفيرهم الجديد في بيروت يجري حراكاً كثيفاً بين الوسط السياسي اللبناني كتعبير عن هذا التوجه الاميركي الجدي هذه المرة لدعم لبنان. لكن تقي الدين الصلح شكك بهذا الانطباع وقال لمحادثيه ان واشنطن لا يهمها لبنان بحد ذاته بل هي تأتي اليه لكي تتابع بلداً آخر او مسألة أخرى أهم تجري في المنطقة. وكان رأي تقي الدين الصلح ان المارينز أتوا  الى شواطئ لبنان لكي يكونوا قريبين مما يحدث على مستوى ولادة حلف بغداد وحصار جمال عبدالناصر.

وفي تلك المرحلة  قصد الصلح احتفالاً يتواجد فيه السفير الاميركي، وخلال لحظة التعارف بينهما، سأله الصلح سيدي السفير أنت هنا في لبنان من أجل أية قضية؟؟. فابتسم السفير ابتسامة صفراء، وقال للمحيطين به: انه سؤال ذكي!!

اليوم يتعالى الهمس في الكواليس السياسية اللبنانية بالسؤال والتحليل بخصوص السر الذي يكمن وراء الكثافة التي تشهدها الزيارات الاميركية الى لبنان، وذلك في فترة ما بعد الانتخابات الاميركية العامة  التي جرت في الخريف وقبيل الانتخابات الرئاسية المقررة  بعد عام ونيف. بعض المصادر يسجل حدوث نحو عشرين زيارة لشخصيات ووفود اميركية من مستويات سياسية وأمنية ومسؤولين رفيعي المستوى من وزارة الخارجية ومن البيت الأبيض .

أكثر من وفد لـ((أف. بي. اي)) جاء الى لبنان. وغير مرة أتت الى لبنان خلاله هذه الفترة شخصيات من الكونغرس تحت عنوان الاستكشاف وكذلك شخصيات من البيت الأبيض ومسؤولين من وزارة الخارجية كانت زياراتهم علنية.

وفد الـ((اف. بي. اي)) الذي حدثت زياراته بأقل قدر من الأضواء الاعلامية ناقش ملفات حساسة، منها ملف الارعابيين الخطرين القابعين في سجن رومية . وطلب الوفد الاميركي من لبنان التحفظ على هؤلاء الارعابيين لأن توقيت بت مصيرهم يتوقف على ما ستذهب إليه التسوية النهائية بشأن المقاتلين الأجانب الموجودين في سورية وبخاصة في منطقة ادلب والشمال السوري.

كما ناقش وفد الـ((اف. بي. اي)) وهو ما  كشفته ((الشراع)) في الاسبوع الماضي مصير مساجين جنائيين هم أميركيون من أصل لبناني انتهت مدة سجنهم، وترغب اميركا بترحيلهم الى لبنان، لكن ذلك يحتاج تنسيقاً بين السلطات الأمنية اللبنانية والاميركية .

ولذلك يلاحظ ان زيارات الـ((اف. بي. اي)) الى لبنان تستهدف البحث بملفين: مصير الارعابيين الأجانب في مرحلة ما بعد ادلب وحصة لبنان من تنقية اميركا من العناصر الأجنبية ذات السجل الجنائي.. وكان لافتاً على هذا الصعيد ان وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو زار وزارة الداخلية في اطار توكيد التعاون في هذين المجالين وهما ملفان ينطبق عليهما سؤال تقي الدين الصلح: وفد الـ((اف. بي. اي)) موجود في لبنان من أجل أية قضية؟؛والمقصود قضية خارجية وليست قضية لبنانية.

أما الشخصيات من الكونغرس التي زارت لبنان خلال هذه الفترة، فهي ركزت على ان طابع زياراتها استكشافي.  وهي سألت عن موضوعين بهذا الخصوص:  ملف النازحين السوريين، وملف استراتيجية الدفاع الوطنية، أي سلاح حزب الله.

ومرة أخرى يلاحظ ان شخصيات الكونغرس تستطلع في لبنان قضايا لها صلة بالأزمة السورية وأمن اسرائيل، أي ملفي النازحين وسلاح المقاومة.

ومقابل زيارات الاستكشاف لشخصيات الكونغرس وبحث مستقبل ملف الارعابيين الأجانب الذي تتابعه الجهات الامنية الاميركية، فإن مبعوثي وزارة الخارجية الاميركية الى بيروت،كان لهم النصيب الأوفر من الضجيج الإعلامي، وهذه الوزارة أرسلت على التوالي دافيد هيل ومن ثم دافيد ساتر فيلد وقبل ايام توجت هاتين الزيارتين بوصول ناظر الخارجية الاميركية مايك بومبيو الى لبنان مصطحباً معه هيل وساتر فيلد, حيث عمد الى رفع سقف مواقفه وبشكل وصف بأنه حاد ضد حزب الله.

وتقول المعلومات ان الخارجية الاميركية حددت ملفاتها اللبنانية . وأيضاً خصصت لهيل الملف السياسي ولساتر فيلد ملف الصراع الحدودي البري والبحري بين لبنان واسرائيل والمتصل بملف الغاز في المنطقة البحرية الخالصة اللبنانية. أما بومبيو فهو حمل الى بيروت ملف موقع لبنان كما تراه واشنطن وتحديداً ادارة دونالد ترامب، داخل المحور الساعي لحصار النفوذ الايراني في المنطقة.

وبحسب هذه المعلومات فإن ساترفيلد أبلغ بيروت بأن النزاع البحري الحدودي بين لبنان وإسرائيل يتم حسمه من خلال تحديد الحدود البرية وبالتحديد تلك النقاط البرية القليلة التي هي محل خلاف عليها والواقعة في منطقة الناقورة. ويقول خبراء أنه اذا نجحت اسرائيل في تحديد هذه النقاط عن طريق جعلها تتقدم بضع ياردات الى الجنوب  فإنها بذلك ستحقق توسيعاً لمنطقتها الخالصة البحرية التي  يوجد فيها الغاز وذلك على حساب منطقة لبنان الخالصة البحرية ، أما اذا تراجعت هذه النقاط ياردات قليلة باتجاه الشمال فسيحقق لبنان تجسيداً لوجهة نظره بخصوص مساحة منطقته البحرية.  وليس خافياً ان واشنطن تدعم وجهة نظر اسرائيل وسعيها لتثبيت نقاط الناقورة الحدودية البرية وفق رغبتها. وهذا الأمر هو محل اشتباك سياسي كبير بين لبنان واسرائيل ويحاول ساتر فيلد ايجاد تسوية له تصب في صالح وجهة نظر تل ابيب، الأمر الذي أثار غضب رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأدى الى حالة فتور بينه وبين ساتر فيلد خلال زيارات الأخير للبنان.

اما دافيد هيل فهو يحمل الملف السياسي، وبالأخص ملف متابعة توازنات الحكم في لبنان وذلك وفق معادلة عدم تمكين حزب الله من فرض ارادته على القرار الاقليمي للبنان. ويساعد هيل في ذلك عدد من كبار موظفي وزارة الخزانة الأميركية الذين يأتون الى لبنان ومعهم دفتر شروط تطبيق الحظر المالي على حزب الله سواء في المصارف اللبنانية او حتى في معاملات أخرى تجري داخل مؤسسات تابعة للدولة اللبنانية .

ويميل مراقبون لاعتبار زيارة بومبيو بوصفها  محطة لتتويج كل الزيارات الاميركية التي حصلت مؤخراً للبنان، حيث أكد بومبيو بنود الأجندة الاميركية تجاه لبنان في المرحلة المقبلة، وهي تتكون من التالي :

اولاً: عدم السماح لحزب الله بأن يستثمر نفوذه في لبنان سواء داخل الحكومة او المؤسسة التشريعية لصالح جعل لبنان ساحة تساعد ايران على الالتفاف على العقوبات المالية الاميركية ضدها وضد الحزب.

ثانياً: المطالبة بالإسراع بمعاودة جلسات الحوار الوطني لوضع استراتيجية الدفاع الوطني التي تعني مناقشة انهاء سلاح حزب الله في لبنان.

ثالثاً: الاعلان للمسؤولين اللبنانيين بأن اميركا ستمارس حضوراً كثيفاً لها في لبنان وذلك بوجه الحضور الايراني، وهي معنية بالتحالف مع السعودية على ردع ايران في لبنان وعدم تمكينها من استخدام بلد الأرز لمصلحة تجسيد نفوذها في المشرق العربي.  كما في زيارة بومبيو رسالة لطهران بأن لبنان ليس متروكاً وهو ضمن المحور الاميركي - العربي المعتدل >

رابعاً: أبلغ بومبيو بيروت بأن اميركا التي تنشئ في لبنان أكبر سفارة لها في المنطقة بعد سفارتها في العراق،ستكون معنية أيضاً بإنشاء قاعدة عسكرية جوية اميركية في لبنان سيكون موقعها في قاعدة حالات الجوية قرب البترون. وتجدر الاشارة الى ان البنتاغون انتقى قاعدة حالات لأنها بعكس قاعدة رياق، غير محاطة ببيئة ديموغرافية شيعية او فيها تواجد لحزب الله والجماعات السلفية السنية. كما ان قاعدة حالات لديها مجال لحركة الطائرات التي تهبط او تقلع منها، باتجاه البحر وليس باتجاه الأجواء السورية، كما هو الحال بالنسبة لمطار رياق.

خامساً: بومبيو حذر بيروت من مغبة التعامل مع روسيا بوصفها حليفاً استراتيجياً.  ويأتي قلق البنتاغون المستجد من حدوث أية علاقة روسية عسكرية مع الجيش اللبناني، من واقع ان الجيش الروسي بفعل تواجده في سورية، أصبح له حدود جغرافية برية وجوية مباشرة مع لبنان، ما يخلق بينهما مصالح أمنية مشتركة. وواشنطن لا تريد الاعتراف بهذا المستجد وتطلب من لبنان ادارة ظهره لأية علاقة عسكرية مع روسيا، وتطرح نفسها الحليف الوحيد للبنان وللجيش اللبناني.

وفي المحصلة فإنه من الخطأ حصر النظرة الى  الزيارات الاميركية للبنان وعلى رأسها زيارة بومبيو الأخيرة في اطار العمل الاميركي على تعزيز حظوظ بنيامين نتنياهو في الانتخابات الاسرائيلية, واعتماد الاعلام الاسرائيلي من قبل البعض لتأكيد هذه الخلفية علماً ان من يقوم بذلك يختار ما يناسبه من هذا الاعلام ويهمل ما لا يناسبه رغم ان هذا الاعلام هو  بكل الاحوال اعلام يعبر عن صراعات الداخل الاسرائيلي وما يراد ترويجه خدمة لمصالح اسرائيل.

الزيارة لا بل مسلسل الزيارات أبعد من ذلك وأكبر وأوسع نطاقاً, والحقيقة الأساسية المعبرة عن هذا المسلسل حتى الآن هي ان الولايات المتحدة تريد ان تقول بطريقة او بأخرى: لبنان لنا وليس لإيران في اطار لعبة النفوذ الدائرة حالياً في المنطقة.

 

 

بومبيو في لبنان: دلالات الزيارة في هذا الوقت

دافيد هيل: الملف السياسي

دافيد ساترفيلد: ملف الحدود البرية والبحرية

الرئيس نبيه بري: استياء من ساترفيلد

الرئيس تقي الدين الصلح: عبرة من التاريخ غير البعيد

وزيرة الداخلية: ماذا طلب بومبيو منها؟

بنيامين نتنياهو: زيارات تتوخى ما يتجاوز دعمه

الوسوم