بيروت | Clouds 28.7 c

بوتفليقة : مجاهد كبير أم انتهازي فاسد؟! / بقلم محمد خليفة

يقال إن لكل ثورة أنبياؤها وأبطالها وشهداؤها وجنودها المجهولون, ولكل ثورة أيضاً لصوصها وخاطفوها ومتسلقوها وخونتها.

وإذا طبقنا هذه القاعدة على الثورة الجزائرية, أعظم ثورات العرب في العصر الحديث, وإحدى أعظم ثورات التحرر الوطني, لوجدنا أن أحمد بن بلة نبيها, وحسين آيت أحمد بطلها ومهندسها الأول, وأما شهداؤها فكثر, تقدمهم العربي بن المهيدي, وديدوش مراد, ومحمد بوضياف.

 وأما هواري بومدين فهو خاطفها الذي سرقها ووضعها على مسار آخر, وأما عبدالعزيز بوتفليقة فهو متسلقها الأبرز.

 وهذان الإثنان هما المسؤولان عن إفراغ ثورة نوفمبر من محتواها القومي العربي الثوري الذي بشر به بن بلة, وأدخلا الجزائر الحرة في عزلة دائمة عن قضايا العرب الذين توحدوا خلف ثورتها, وما كان لها أن تحقق انتصارها الإعجازي لولا تضحياتهم, وخصوصاً مصر عبدالناصر.

 كانت الجزائر مؤهلة للانتقال بعد الإستقلال للحرية والديموقراطية ولكن بومدين بعد الانقلاب أرسى دولة بوليسية بيروقراطية بامتياز ونظاماً سياسياً استبدادياً أبويا يطبق عقيدة ((عبادة الفرد)) وصل الى تقديس بومدين, وتطويبه أباً للدولة والجزائريين, رغم أنه ارتكب خطايا سببت للجزائر الكثير من الكوارث والخسائر التي ما زالت آثارها تفتك بالمجتمع والاقتصاد والسياسة لليوم. ووضع الجيش فوق الدولة, ووضع المجتمع رهينة في أيدي الجيش, على غرار ما فعله مصطفى كمال أتاتورك.

بومدين هو الذي قاد أول انقلاب عسكري على الرئيس الشرعي بن بلة عام 1965وحدث ذلك في سياق محاولات أميركا احتواء الدولة الجديدة, وقطع الطريق على تحالفها مع محور مصر الناصرية, ووجد بومدين في بوتفليقة وجهاً ديبلوماسياً شاباً مطيعاً له, وحدت بينهما أصولهما الامازيغية - الشاوية, والعداء لأحمد بن بلة الثائر العربي الاشتراكي حليف ناصر والقوى الثورية في العالم.

أدى بوتفليقة دوراً رئيسياً في انقلاب 1965, وأصبح مقرباً من بومدين, فأبقاه على رأس الخارجية حتى موته 1979. وعندما أقاله الرئيس الشاذلي بن جديد تكشف فساده وفساد الرئيس الراحل, وقال لنا عبدالقادر الحجار أحد أبرز طاقم القيادة أن الرئيس كان يقرر بمفرده سياسة بيع النفط والغاز ويبقيها سراً عن الجميع سوى بوتفليقة, وبعد موته اتضح أنه كان يبيعهما لأميركا بأسعار متدنية جداً مقابل دعمها له!

كما كشفت ((الخارجية)) في عهد الوزير الراحل محمد بن يحيى أن بوتفليقة كان يأمر سفارات الجزائر في العالم بتحويل فوائض ميزانياتها سنوياً الى حساب خاص بإسمه في سويسرا! وأحيل للقضاء فأدانه وحكم عليه عام 1981 بالسجن وإعادة مئات ملايين الدولارات.

 هرب بوتفليقة الى أوروبا, وظل يتنقل بينها وبين دول الخليج العربي الى أن سقط الشاذلي بانقلاب عسكري عام 1991ودخلت البلاد العشرية الدموية, وتناوب الجنرالات الحكم وقتلوا بوضياف لأنه حاول فتح ملفات الفساد, وتلطخت سمعتهم عالمياً ولاحقهم القضاء في اوروبا بتهم الفساد والجرائم الدموية, وصاروا بحاجة لشخصية مدنية مناسبة, تغطي فضائحهم كما فعلوا مع بوضياف, فوقع الاختيار على بوتفليقة الذي كان وزيراً للخارجية لـ 15عاماً, ويعرفه العالم كأصغر وزير خارجية في الدنيا. لا سيما أنه يؤمن بالدولة البومدينية, أي الدولة العسكرية البوليسية. وشارك في صفقة الاختيار الفرنسيون والأميركيون وبعض العرب.

وكما كان وزيراً للخارجية لنظام العسكر البومديني صار رئيساً للنظام الحالي تحت وصاية الجنرالات الفاسدين الدمويين, وتكرر اختياره اربع مرات على مدى عشرين عاماً (1999 - 2019).

وكاد أن يرشح لولاية خامسة لأنه حقق للجنرالات كل ما هو مطلوب منه, لولا انتفاض الشارع.

وبعد عودته وترئيسه رسمت صورة مزيفة لبوتفليقة ((الرئيس الزعيم)) فصار اسمه المجاهد التاريخي, وضمانة الاستقلال الوطني, بينما يؤكد تاريخ الثورة أنه لم يحمل السلاح إطلاقاً, وكان عمره 17 سنة عندما بدأت ثورة 1954, وظل يدرس حتى نهاية الخمسينات. وقد سمعت الرئيس الراحل أحمد بن بلة مرات عديدة يذمه ويصفه بالانتهازي الجبان والفاسد وعميل الأميركيين والفرنسيين, وهو ما لمسه الجزائريون في الأيام القليلة الأخيرة, إذ اتضح لهم أن الفرنسيين والأميركيين بذلوا جهوداً مضنية وراء الكواليس لإعادته للرئاسة مرة خامسة, فهو الرجل الذي يحقق للجميع ما يريدونه على حساب الجزائر وشعبها ومصالحها!!

 

الوسوم