بيروت | Clouds 28.7 c

الجزائر: الطغمة الحاكمة تتحايل ولا تتراجع/  كتب حسن صبرا

تحايلت الطغمة الحاكمة في الجزائر على ثورة الشعب ضد انتخاب عبدالعزيز بوتفليقة لفترة رئاسية خامسة فإذا بها تبقيه مدى الحياة.. ومن دون انتخابات رئاسية.

طبعاً الأعمار بيد الله، وقد يرحل بوتفليقة عن الحياة وهو رئيس للجمهورية، في حين ان البعض قال مباشرة بعد سحب الرئيس لترشيحه لفترة خامسة ان بوتفليقة يريد ان يغادر الحياة وهو ليس سبباً لحرب أهلية، او لانقسام متعدد المراحل على مستوى الوطن كله.

وقد لوحظ ان بدء التحايل على ثورة الجزائريين ضد فترة خامسة لبوتفليقة انطلق من جنيف حيث كان الرئيس يعالج - للمرة العشرين ربما – اثر اصابته بجلطة جديدة حين نسب اليه انه سيبقى لمدة سنة واحدة في الرئاسة وانه لن يرشح نفسه لفترة خامسة.

أصبح التحايل في ذروته عندما عاد بوتفليقة الى الجزائر ليعلن انه سيبقى رئيساً الى ان تنتظم لجنة سيشكلها هو لترتيب الأوضاع دستورياً وحكومياً، تحت اسم الندوة الوطنية.

التحايل سيمر من خلال الآتي:

1-من هي وجوه الندوة الوطنية؟

2-ماذا ستبحث هذه الندوة؟

3-من الذي سيضع لها جدول الأعمال؟

4-من الذي سينفذ قراراتها؟ من يعطيها قوة القانون؟

5-ماذا تعني عبارة على ان تحرص ((الندوة)) على ان تفرغ من مهمتها قبل نهاية 2019.. وماذا اذا لم تحرص؟

6-ما هو الموقف الحقيقي للطغمة العسكرية الحاكمة، التي بدا انها لم تكن موحدة في أمرين:

-لا في دعم التمديد لبوتفليقة.

-ولا في دعم ثورة الجزائريين ضد مدته الخامسة المقترحة.

هل انقسمت الطغمة؟ وهل أدى انقسامها الى ضعفها ثم رضوخها لمطالب الجزائريين.. مؤقتاً؟

في الجزائر حماس لاعتبار ان الطغمة الحاكمة هزمت، وأنها تعمل على تنظيم هزيمتها حتى لا تتعرض للانكسار ومن بعدها المحاسبة على ما ارتكبته بحق الشعب الجزائري من جرائم.. وما نهبته من ثرواته، وما قمعته للقوى الجزائرية كافة طيلة نحو نصف قرن.. فهل محاولتها الهروب من أي حساب لاحق هو جزء من تنظيم هزيمتها؟

وفي الجزائر اعتقاد بأن ابو تفليقة لم يكن يدري بما يجري حوله طيلة الفترة الماضية، خصوصاً لجهة ترشيحه رغماً عنه لفترة رئاسية خامسة، وهو الذي قال في بيان عزوفه عن الترشح: ((انني لم أنوِ قط الاقدام على طلبها)). وانه ذهب الى جنيف للعلاج، وانه عندما بدأ استعادة وعيه خرج باقتراحين يظهران تراجعه المبدئي.

-الأول حين قال: اعطوني سنة واحدة ولن أترشح بعدها وهكذا قال مبارك عندما قامت ثورة 25 يناير 2011 في مصر ضده.. دعوني أكمل ولايتي التي كانت ستنتهي في ايلول/ سبتمبر من العام نفسه أي ثمانية أشهر. ولم يمهله المصريون حتى أرغم على الاستقالة بعد 18 يوماً.

-الثاني حين قرر ان يلغي ترشحه.. داعياً الى آلية نقل السلطة من خلال الندوة الوطنية المقترحة.

وفي الحالتين في مصر وفي الجزائر يبقى للمؤسسة العسكرية الكلام الأخير:

في مصر أكدت مؤسسة الجيش عمق انتمائها للشعب المصري..

وفي الجزائر لم تكن الطغمة العسكرية الحاكمة مع الشعب الجزائري.. يوماً.

ما يسجل للشعب الجزائري انه حقق انتصار الجولة الأولى ضد الطغمة العسكرية من دون اراقة نقطة دم واحدة.. وانها لمفارقة تاريخية فاصلة حين يسود اعتقاد ان الجزائريين معروفون بالقسوة، وبالتشدد وهم ما عرفوا الديموقراطية والسلمية في تاريخهم البعيد والقريب، فقد انتقلوا من احتلال استمر 130 سنة ثم ثورة تحرير مسلحة، قام بها الجزائريون ضد الاحتلال الفرنسي، ولم تعرف الجزائر الديموقراطية (الفوضوية) الا خلال ثلاث سنوات 1962 – 1965 حين انقلب هواري بومدين على الرئيس احمد بن بلة وبعدها وطيلة 54 سنة خضعت الجزائر لطغمة عسكرية.

ويكفي ان نشرح معنى سنوات الجمر التي تحدث عنها بيان الطغمة الحاكمة وهو يقصد السنوات التي سالت فيها دماء أكثر من مئة ألف جزائري خلال الصراع الدموي بين السلطات الجزائرية وبين الجماعات الاسلامية، من دون ان نغفل ان سبب هدر هذه الدماء الغزيرة، هو انقلاب الطغمة العسكرية الحاكمة على نتائج الانتخابات النيابية التي جاءت بأغلبية اسلامية الى السلطة، ثم توافقت عصابات الاسلام السياسي مع همجية الطغمة على هدر الدماء.. التي سالت وتركت أسئلة حول من هو هذا الجزائري الذي يقتل ويقطع رؤوساً ويحرق أجساداً حية.. بما جعل الاعلام الفرنسي والغربي عموماً يفترض بل ويكشف ان الطغمة الحاكمة كانت سباقة الى هذا الارعاب كي تحصل على تأييد غربي لبقائها في السلطة وهي تخيف الغرب من الجماعات الاسلامية.. ألم تكن هذه الهمجية درس لحافظ الأسد ووريثه بشار!

انتصار الشعب الجزائري في الجولة الأولى ضد الطغمة العسكرية الحاكمة مهدد مع بداية الجولة الثانية، وهي ممتدة من آثار مفاعيل قرار ابو تفليقة سحب ترشيحه الذي كان مخالفة دستورية لأنه لم يكن هو الذي قدمه شخصياً الى لجنة الاشراف على الانتخابات كما ينص نظامها، لأنه كان مريضاً غير قادر على التوجه الى اللجنة، فكيف يمكن لهذا المريض الذي لا يستطيع الوصول الى مقر لجنة ان يحكم بلداً من 50 مليون انسان ومئات المشاكل؟

الطغمة الحاكمة وضعت عبر بيان ابو تفليقة قشور موز تحت أقدام الجماهير المنتفضة كي ((تزحط)) بها.. كما تحت أقدام القوى السياسية المختلفة.. وتركت الجميع في حيرة بعد ظهور المخالفة الدستورية في بيان الرئيس.

صحيح ان الجماهير الجزائرية اعتبرت نفسها منتصرة لأنها ألزمت ابو تفليقة على سحب ترشيحه (غير الدستوري) لمدة خامسة، لكنها لم تلتفت – حتى الآن – الى ان مدته الرئاسية التي كانت ستنتهي بعد 40 يوماً (18/4/2019) مددها بيان ابو تفليقة سنة كاملة.. ومن يدري كم سيطول عمر الرجل، ومن يدري ما الذي سيحصل خلال الاستعداد للجولة الثانية من الصراع مع الطغمة الحاكمة.

صحيفة ((لوموند)) الفرنسية التي تملك خبرة عميقة وواسعة ومتراكمة عن الوضع السياسي – العسكري الجزائري اعتبرت ان بيان ابو تفليقة نيابة عن الحكام الحقيقيين للجزائر هو مناورة للالتفاف على مطالب الجزائريين بتغيير النظام.. لكن النظام مستمر وتنازلاته شكلية.

يبقى

ان تنازل الطغمة حتى الشكلي هو اعتراف بقوة ضغط الشعب الجزائري، الناتج عن رفض لهذا النظام، وان طريق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.

 

الوسوم