بيروت | Clouds 28.7 c

((الشراع)) تنفرد بكشف أخطر جاسوس اسرائيلي في سورية: زوزو أكمل مهمة كوهين / بقلم: محمد خليفة

*إطلع على أسرار وفضائح ضباط الجيش والاستخبارات, وأقام علاقات مع نسائهم

*سهل على الموساد تجنيد عدد غير قليل من العملاء!

*اختفى فجأة كما ظهر, ولا أحد يعرف نهايته

*لم يكن أحد يعرف الإسم الحقيقي للجاسوس الاسرائيلي الأخطر, ولم يسأله أحد عن أصله, ولا عن أسرته!

*دخل بيوت ومكاتب كبار رجال الجيش والأمن ووفر لهم ولنسائهم ما يطلبونه من المثليين والسحاقيات والداعرات

*بفضل معلوماته عن الضباط الكبار سهل للموساد تجنيد كثيرين منهم بعد ابتزازهم بفضائحهم وفسادهم وشذوذهم

 

 

بقلم: محمد خليفة

جميع السوريين وكثير من العرب يعرفون جيداً ماذا يعني اسم ايلي كوهين. جاسوس اسرائيل الأشهر في سورية منذ بداية الصراع العربي - الاسرائيلي, وهي ما زالت تفتخر به, وتعتبره أحد أبطالها في حرب 1967، نظراً لما أرسله لها من دمشق من معلومات ثمينة عن الجيش السوري وأسلحته ساهمت في تحقيق ((انتصارها)) الأكبر على الدول العربية, قبل أن تكشفه الاستخبارات المصرية - السورية, وتحكم عليه بالاعدام شنقاً, وتنفذه في 18 أيار/ مايو 1965 في ساحة المرجة في قلب العاصمة.

أصبح كوهين الذي دخل سورية عام 1962 بإسم كامل أمين ثابت كحفيد لمهاجر سوري الى الارجنتين منذ نهاية القرن 19 ((أسطورة)) في تاريخ الجاسوسية الاسرائيلية  وما زالت اسرائيل حتى الآن تبذل قصارى جهودها لإستعادة جثته أو رفاته, ووسطت عشرات الدول والشخصيات العالمية لذلك ومن دون جدوى.

والسؤال المنطقي هنا: هل انتهت عمليات التجسس الاسرائيلية على سورية بنهاية كوهين؟

 طبعاً لا, بل إن العكس هو الصحيح. لأن اسرائيل بحكم عداء الشعب السوري المطلق لها أنشأت جيشها على عقيدة ((إن سورية مصدرالتهديد الاستراتيجي الأول)) ويكشف تاريخ الجاسوسية  أن زرع الجواسيس في سورية بدأ قبل كوهين واستمر بعده, حتى أن اسرائيل كانت الى عام 2011 تملك القدرة على تسجيل الاتصالات بين وحدات الجيش السوري, وتنصتت على اتصالات حافظ الأسد وقادة أركانه. وتتوزع هذه القدرة بين أجهزة الكترونية تزرعها في الأراضي السورية, وأقمار اصطناعية عبر الفضاء, وجواسيس تزرعهم, كما زرعت كوهين الذي يبدو في الواقع ((صغيراً أو ثانوياً)) مقارنة مع الجاسوس الذي خلفه في مهمته, ويبدو أن الموساد أراد استعادة اعتباره بعد نهاية كوهين الدرامية, فزرعت جاسوساً أدهى وأخطر منه, وظل يعمل عشرين سنة, وبقيت قصته سراً مطوياً حتى اللحظة. لا اسرائيل تباهت بإنجازاته, ولا سورية تفاخرت بكشفه, كما فعلت بعد كشف كوهين.

((الشراع)) تكشف للمرة الأولى في التحقيق التالي قصة ((زوزو)) أخطر جواسيس اسرائيل في سورية.

المثلي الغامض:

   أواخر ستينيات القرن الماضي ظهر في دمشق رجل غريب الشكل والأطوار, لا يعرف له أحد اسماً ولا أصلاً. تتلخص هويته بإسمه الموجز ((زوزو)) وفي هيئته الغريبة.

 كان في العشرينيات من عمره, فارع الطول, قوي البنية, أسمر اللون سمرة خفيفة, جذاباً, متوسطي الملامح كالايطاليين واليونان والعرب والاسرائيليين, شعره طويل مثل الهيبيين في ذلك الزمن.

 يحترف الشذوذ الجنسي من دون خجل او وجل, رسم على صدره وشماً لعضو ذكري كبير. وفي الصيف كان يرتدي قميصاً مفتوحاً يكشف الوشم الصارخ في ابتذاله معلناً عن ((مثلي)) أو ((شاذ)) حسب النعت الدارج, جريء بوقاحة, لا يتردد في سرد مغامراته الجنسية بصراحة لا توفر التفاصيل, وببساطة من يروي نكتة لطيفة!

 يقضي أمسيات الصيف يتمختر في حي ((الصالحية)) الشهير, حيث اعتاد آلاف الشباب والصبايا السيران يومياً ذهاباً وإياباً في الشارع المسمى ((الخط)) الواقع في قلب المدينة التجاري النابض دوماً بالحياة, حيث أفخر المحال، والمقاهي, ودور السينما, والمطاعم, والفنادق, والنوافير, والاشجار, أمام مجلس الشعب, ونادي الضباط.

 كان زوزو يشاهد يومياً مع شاب, يتجول بين المارة، يرد على تحياتهم, أو يصافح احدهم أو إحداهن, يتبادل الكلام معهم بصوت ناعم برقة أنثوية غير مصطنعة. ولا يحكي إلا عن الجنس والمثلية, وعن مغامراته مع أمثاله. كما لو أنه محطة إباحية لا علاقة لها بالمواد السياسية, والمنوعات, أو الكوارث التي تمر بها البلاد.

الغريب أنه لم يعرف عن زوزو مواجهة أي مشكلة, أو التعرض لاستهجان أو قمع من الناس, بسبب تصرفاته الخادشة للحياء في مجتمع اسلامي محافظ عرف بالتمسك بالحشمة والاخلاق العامة, في سلوكه العلني, وعلى الأقل ظاهرياً, بل كان الكل يتعامل مع زوزو, كحالة استثنائية مسموح بها, أو كظاهرة كاريكاتيرية تثير الضحك لا الغضب, وتتمتع باحترام الخصوصية لا أكثر.

  في أواسط السبعينيات أصبح زوزو شخصية معروفة للسوريين في المحافظات كافة, تروى عنه الحكايات المضحكة, وتضرب به الأمثال على التحرر الاجتماعي, وتفشي الفساد بسبب وصول البعثيين الى الحكم منذ 1963!

أما الأغرب من قبول المجتمع لزوزو, فهو تساهل السلطات الرسمية معه, إذ كانت هيئته وصورته تشكل جرماً جزائياًَ يعاقب عليه قانون العقوبات, وكان من واجب دوريات الشرطة المتجولة إيقافه واقتياده الى اقسام الشرطة ثم النيابة , وإجباره على ارتداء ملابس أكثر حشمة, واخفاء صورة العضو الذكري على صدره!

وإذا كان تسامح المجتمع لافتاً, وتهاون الشرطة مثيراًَ للتساؤلات أيضاً, فإن ما يتجاوز هذا وذاك الى إثارة الريبة والحيرة جداً فإنما هو موقف أجهزة الاستخبارات التي بدأت تتضخم في تلك المرحلة وتراقب كل شاردة وواردة بحجة الحرب مع العدو الاسرائيلي ((بين 1967 -1974)).

لا يعرف ولا يذكر أحد أن زوزو تعرض لتوقيف أو استجواب, فالرجل لا يشكل بالنسبة للأجهزة خطراً على أمن الدولة والنظام والبلاد, ما دام لا يهتم بالسياسة والحكم. ولم يتغير الحال بعد أن ظهرت الجماعات المتطرفة بين 1978 و1983 وبدأت تغتال رجال الدولة, وتفجر, وصارت الأجهزة تراقب الناس وتحاسبهم على أصغر شبهة, مهما كانت صغيرة , بما فيها عدم حمل البطاقة الشخصية في الشارع.

لم يحمل زوزو يوماً بطاقة هوية شخصية, ولم يكن له إسم أو كنية سوى اسمه النسائي - الطفولي, وكل ما تبحث عنه الأجهزة من معلومات متوفر في اسمه وصورته, لذا لم يخطر في بال أحدهم أن يسأله عن اسمه الاصلي وعن أسرته, وأين ولد وترعرع وتعلم؟؟ فهي معلومات لا ضرورة لها مع زوزو المستثنى مما يتعرض له بقية المواطنين لأتفه الأسباب والشبهات.

ما هي مهمة زوزو..؟

التفسير المنطقي لهذه الحصانة الاستثنائية التي يتمتع بها يكمن في علاقاته العميقة النافذة بعشرات من كبار رجال الجيش والأمن والسلطة وحمايتهم له. إذ كان كثيرون ممن يعرفون زوزو عن قرب يؤكدون أنه نتيجة شذوذه نسج شبكة علاقات أوسع من علاقات كوهين بالطبقة الحاكمة السياسية والعسكرية، وكان هؤلاء يحتاجون خدماته الخاصة لهم, فهو نافذتهم الى عالم شديد الخصوصية, لا يمكنهم اختراقه بسهولة, فكان زوزو بحكم علاقاته مع أشباهه يستطيع توفير المثليين من الشبان لهم, والسحاقيات لمن يشتهي ويرغب!

وأكد هؤلاء أن علاقات زوزو لم تقتصر على كبار ضباط الجيش والاستخبارات والسلطة والمجتمع, بل امتدت الى نسائهم وعائلاتهم فكان يقدم لهم خدماته, ويلبي مطالبهم أيضاً, مما يسمح له دخول بيوتهم ومكاتبهم ومشاركتهم حفلاتهم ونزواتهم المجونية, والاطلاع على أدق اسرارهم الجنسية!

وحسب مصادر عديدة فإن هذا الرجل المجهول الغامض لم يكن غير جاسوس اسرائيلي زرعه الموساد انتقاما لكوهين الذي أعدمه السوريون, وإثباتاً لتفوقه وقدرته على زرع عشرات ((الكواهين)), واختراق أصعب المواقع السرية في بنية النظام السوري.

 ويعتقد بعضهم أن زوزو لم يكن سورياً على الاطلاق, بل جاء اليها ليقوم بمهمته كما سبق لكوهين أن دخلها قادماً من الارجنتين, ولو أن أحد الأجهزة الأمنية تحرى عن شخصيته وأصوله لاستطاع بسهولة الوصول الى هذه الحقيقة.

ويعتقد مصدر سوري أمني سابق أن أخطر ما قام به زوزو جمع المعلومات السرية الدقيقة عن الحياة الخاصة لكبار الضباط, مما سهل على الموساد تجنيد عشرات منهم للعمل معه, بعد ابتزازهم بما يعرفه عن فسادهم وفضائحهم وعلاقاتهم الحميمة!

وتشير المعلومات التي استقصيناها على مدى سنوات أن زوزو انتهت مهمته وصلاحيته المهنية في اواسط الثمانينيات فاختفى فجأة كما ظهر فجأة.

وتتراوح التفسيرات بين ثلاثة احتمالات:

  1.  أولها انكشافه للاستخبارات السورية عام 1986 ضمن شبكة للموساد ضمت ضباطاً في الاستخبارات العسكرية والجوية وأمن الدولة, وضباطاً كباراً في الجيش!
  2. وثانيها أن يكون قد قتل في ظروف غامضة.
  3. وثالثتها أن تكون اسرائيل قد سحبته وأعادته اليها.

 ولكن قصة زوزو في كل الأحوال ظلت من دون نهاية رسمية على خلاف سيرة كوهين!     

        

                

ايلي كوهين: عضو قيادة البعث جاسوس صهيوني

حافظ الأسد: جرائم ضد الشعب السوري

احتضان لزوزو الجاسوس الصهيوني

 

الوسوم