بيروت | Clouds 28.7 c

لوحة الحكومة والفرز الجديد في معادلة السلطة:حلف ثلاثي متقدم ..ورباعي متراجع / بقلم: زين حمود

*نصرالله المنتصر وباسيل الرابح الأكبر والحريري حليف الحليف

*المتضررون  هم الرباعي بري وجنبلاط وجعجع وفرنجية

*معادلة ((حكم أمراء الميليشيات)) يراد شطبها لصالح معادلة عونية هزمت في العام 1990

*الحلف الثلاثي الجديد يضم حزب الله و((الوطني الحر)) و((المستقبل)) وباسيل جسر التحالف بين نصرالله والحريري

*التسوية الرئاسية الثانية عمادها حزب الله وتعنى بكل الملفات والقضايا والمشاكل

*ماذا سيفعل حزب الله في المرحلة الجديدة في ادارة تناقضات بين حلف قديم وآخر مستجد؟

*اتفاق نصرالله - باسيل يرخي بظلاله على المشهد الجديد المجسد بتوازنات الحكومة

*لم يعد لـ 8 او 14 آذار حضور في التحالفات السياسية الجديدة

 

لم يعد خافياً, ان مرحلة وربما حقبة جديدة قد بدأت في لبنان ويمكن ان تمتد لعقد من الزمن على الأقل, وذلك تبعاً للوحة الجديدة التي تشكلت مع الحكومة العتيدة بكل ما تعبر عنه هذه اللوحة من خطوط وملامح أولية لفرز سياسي تأسيسي أكبر وتحالف أعمق يراد لهما ان يتجسدا ويتبلورا مع التغييرات الحاصلة والآخذة في التشكل شيئاً فشيئاً وبالتدريج في المنطقة المحيطة منها بدولها القريبة او الأبعد منها.

وبعد ان شكلت التسوية الرئاسية سمة العامين الأولين من ولاية الرئيس ميشال عون, فإن تسوية أخرى تأخذ طريقها اليوم الى دمغ سماتها على مرحلة ما تبقى من سنوات الولاية الرئاسية وهي أربع من حيث المبدأ, وربما لسنوات مقبلة أخرى.

التسوية  عمادها حسب اللوحة الجديدة, ثلاثة أطراف مرتكزها حزب الله والتيار الوطني الحر اضافة الى تيار ((المستقبل)) مع اختلاف المواقع والأدوار والوظائف لكل طرف من هذه الأطراف, سواء بالنسبة للحزب الذي يشكل نقطة الارتكاز الأساسية او بالنسبة لرئيس التيار جبران باسيل باعتباره المساحة المشتركة بين الحزب والحريري كحليفين ولو بشكل غير مباشر.

وبصرف النظر عما سيؤول اليه المشهد التأسيسي الجديد, لجهة تعبيراته وتشكيلاته, فإن ما بات ظاهراً حتى الآن هو ان لا مكان فيها لما كان يسمى الثامن والرابع عشر من آذار وان المتضررين من الوضع الجديد الناجم عن الحكومة بصيغتها الفضفاضة عددهم غير قليل وعلى رأسهم من تصدر الحياة السياسية اللبنانية في أعقاب تنفيذ اتفاق الطائف عام 1989 ونهاية الحرب اللبنانية في السنة التي تلتها، خصوصاً مع إخراج العماد ميشال عون من قصر بعبدا عقب عملية 13 تشرين الأول/ اكتوبر الشهيرة وفراره يومها الى السفارة الفرنسية في لبنان.

ويومها سميت تلك القوى بمسميات عديدة بينها قوى الميليشيات التي خرج منها سمير جعجع يومها -وقبل ان يدخل الى السجن - لأسباب تتعلق أولاً بمعركة الأحجام والأوزان علماً انه كان شريكاً في الحكومة الأولى التي شكلت بعد إخراج عون من بعبدا.

كما سميت تحالف أمراء الحرب والمال, مع قدوم الرئيس رفيق الحريري الى لبنان بمشروعه المعروف لإعادة بناء ما هدمته الحرب  فتحالف مع قوى السلطة الجديدة, وخاض أول انتخابات نيابية من خلال شقيقته النائبة بهية الحريري في دائرة صيدا ليعلن انضمامه الى ركب السلطة التي نشأت برعاية سورية وسعودية.

ومن خلال هذه الصورة  المختصرة ولكن الاجمالية  لمعادلة تلك المرحلة, أمكن للفريق السياسي المستهدف اليوم ان  يكون عنواناً للسلطة حوالى عقد ونصف من الزمن, بدءاً من الرئيس رفيق الحريري وكذلك الرئيس نبيه بري مروراً بالنائب السابق وليد جنبلاط وصولاً الى عدد من الأحزاب والقوى  وعلى رأسها زعيم تيار المردة النائب السابق سليمان فرنجية.

وحينها كان من الطبيعي ان يكون الفريق الذي هزم بعد إنهاء الحرب وتطبيق اتفاق الطائف أي العماد ميشال عون خارج السلطة فانتقل الى فرنسا بما يشبه النفي قبل ان يعود الى لبنان في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وخروج القوات السورية.

ومع تولي عون الرئاسة يبدو واضحاً من خلال صورة الحكومة الجديدة ان ما يمكن تسميتها العونية, عملت على مراجعة واسعة ونقدية للتجربة السابقة وأخطائها وسقطاتها, من خلال اعادة تموضع شاملة لها بدأت بتفاهم مار مخايل مع حزب الله في شباط – فبراير العام 2005 مروراً بزيارة سورية والمصالحة مع نظامها ممثلاً ببشار الاسد قبل الأزمة السورية وصولاً الى اتخاذ مواقف صريحة وواضحة مع محور الممانعة في كل الأزمات والحروب التي حصلت.. وهو ما وفر لها بداية نسج تحالفات قوية في الداخل مع حزب الله وحلفائه ليصل في ذروة هذا السياق الى الرئاسة الأولى او الحلم الذي طالما راوده عندما كان في قصر بعبدا رئيساً لحكومة انتقالية بقرار من الرئيس السابق امين الجميل في العام 1988, وهي الرئاسة التي قال الوزير جبران باسيل صراحة انه لولا السيد حسن نصرالله لما كان وصل عون اليها.

واذا كان عون اخطأ برأي كثيرين من المنظرين حوله, عندما أشهر العداء في وجه المرجعية الاقليمية للبنان في ذلك الوقت أي دمشق برئاسة  حافظ الاسد يومها تحت عنوان ما سماه يومها حرب التحرير ما رتب على المسيحيين دفع أثمان كبيرة, علماً ان الاسد لم يكن بعيداً في تلك المرحلة عن تبني ترشيح عون للرئاسة, فإن عون في هذه المرحلة  تعاطى مع السيد نصرالله ليس فقط من منطلق ما يمثله كمرجعية لبنانية لها ثقلها ووزنها الداخليان بل وأيضاً من منطلق ما يمثله كمرجعية اقليمية لها دورها وموقعها في محور يمتد من لبنان الى ايران مروراً بعدد من الدول بينها سورية.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد, ويبدو بوضوح انها آخذة في السير ضمن مندرجات ما يسميه العونيون تصحيح مسارات سابقة تتركز أول ما تتركز على تعديل معادلة السلطة وعلى حساب القوى التي قامت عليها هذه المعادلة, ولهذا السبب نرى اليوم ان ما يوصف بالرباعي ((والمقصود به  بري - جنبلاط - جعجع – فرنجية)) هو أكبر الخاسرين مما يراد تثبيته في صيغة الحكم  المستحدثة تحت عنوان تصحيح ما يعتبر الخلل الذي حدث داخل هذه الصيغة في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.

وليس سراً ان باسيل بديناميته وحراكه غير العادي وعلاقاته المتشعبة فضلاً عن ذكائه ((الشيطاني)) كما يوصف هو الرابح الأكبر من هذه المعادلة وهو الذي يتحرك لتكريسها وقد حقق نجاحات ومكاسب واسعة من خلال توليفة الحكومة الجديدة لا سيما وان هذا الأمر جاء بناء لاتفاق مع أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله الذي يعتبر من دون شك المنتصر الأكبر من الوضع الجديد ليس فقط من خلال ما جسده في توازناتها بل وأيضاً من خلال رسم الأطر العامة لعمل هذه الحكومة سواء ما يتعلق منها بتوجهاتها الأساسية والعامة او بما يتعلق بتفاصيل ما ستقوم به على  مستوى معالجة الملفات والمشاكل المتراكمة, وقد كان نصرالله سباقاً ومتقدماً على الحكومة ووزرائها ورئيسهم في الحديث عن الملفات المطروحة عندما تكلم عن تسليح الجيش وطرح آليات لتعزيزه كما تكلم عن الكهرباء  والدواء وحتى سبل معالجة أزمة السير ببناء انفاق جديدة عبر الاستعانة بخبرات الإيرانيين وتجاربهم ودعمهم ومساعدتهم وتحدث بوضوح أيضاً عن العمل لمكافحة الفساد وسط ما يتردد من معلومات عن خطوات سيقدم عليها امين عام الحزب وبعضها سيكون مفاجئاً من أجل تحقيق انجازات في هذا المجال لوقف الهدر والحد من الفساد. علماًٍ ان مثل هذا الأمر لن يكون يسيراً بإعتراف نصرالله الذي قال في احدى خطبه الأخيرة ان هناك من أبلغه بأنه حين سيتصدى لملف الفساد سيجد فساداً لكنه لن يجد فاسدين.

واذا كان يمكن مجازاً اعتبار ما يحصل هو نتيجة ((اتفاق)) نصرالله - باسيل والذي أعطي فيه الأخير هوامش واسعة للتحرك والمفاوضة بعد ان قال نصرالله في مديحه وأمام الرأي العام ما لم يقله أحد فيه حتى داخل التيار الوطني الحر, مستعيداً بعض  ما ورد في تقارير ((ويكيليكس)) عنه, فإن الدور المركزي لباسيل على هذا المستوى هو كما يبدو التكفل بالحريري. تحت عنوان ((حليف الحليف)) وهو مصطلح عوني طالما استخدم من قبل الرئيس عون قبل الرئاسة وخص به الرئيس نبيه بري بإعتباره حليف حزب الله الذي هو حليف التيار الوطني الحر.. تحت عنوان حليف الحليف شيد باسيل جسراً من أجل بلورة تحالف ثلاثي لم يكن تشكيل الحكومة الا أول نتائجه التي سيتتابع ظهورها في المراحل التالية.

التكفل بالحريري, مسؤولية جبران باسيل, وذلك من خلال ما بينهما من علاقة كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة وبشكل علني وواضح أثار حفيظة وليد جنبلاط الذي أشار والمح وتحدث عن مشاريع مشتركة بينهما في ملفات ومجالات عديدة, قاصداً  بذلك ((كعكة السلطة)) التي يتهم كثيرون الحريري وباسيل بالسعي لتقاسمها او الحصول على القسم الأكبر منها.

والاصطدام بالرباعي المشار اليه ((بري- جنبلاط – جعجع – فرنجية)) لن يكون امراً سهلاً, فكيف بإزاحته عن صدارة السلطة والمشهد, إلا ان أكثر من واقعة حصلت في الآونة الأخيرة كانت لافتة في دلالاتها تعبيراً عما يعتمل في نفوس من هم مستهدفون والسجال الأخير الذي بدأه سيد المختارة وليد جنبلاط مع باسيل والحريري والتراجع الذي أبداه إشارة واضحة الى انه صار على بينة مما يحضر او بعضه, كما ان انكفاء القوات اللبنانية وحكيمها وتشبثها في البقاء في الحكومة حتى لو كانت معارضة لتوجهاتها ومن ضمنها بعض ما ورد في البيان الوزاري اشارة أيضاً الى ما تعتبره استهدافاً لها وهو ما عبرت عنه الوزيرة باسمها مي شدياق التي تحدثت عن ان القوات لن تحقق لمن يريد اخراجها من الحكومة ما يطمح اليه. فيما موقف تيار ((المردة)) معروف وصارخ في التحذير مما يقوم به باسيل والتيار وفريق رئيس الجمهورية ضده.

هذا مع العلم ان الكلام عن العلاقة بين حركة ((امل)) و((التيار الوطني)) الحر يمكن كتابة مجلدات مطولة عن حساسياتها ولا مجال في هذه العجالة لفتح صفحاتها خاصة مع بقائها حتى إشعار آخر ضمن اطار التهدئة وعدم التصعيد المرسوم من قبل حليفهما المشترك اي حزب الله.

وبالمحصلة، فإن ما يمكن قوله اليوم هو ان هناك حلفاً ثلاثياً قائماً اليوم ولو بأشكال عديدة وهو حلف متقدم على غيره في المعادلة الجديدة, مقابل حلف رباعي من الواضح انه متراجع في هذه الفترة, على الأقل بانتظار تبلور صورة المشهد أكثر فأكثر لتتضح معالمه بشكل أوضح.

ولعل أبرز الأسئلة المطروحة هنا يتعلق بموقف حزب الله وما اذا كان يمكن ان يمضي في مثل هذا التوجه الانقلابي اذا صح التعبير, أم أنه سيعمل على الاستمرار في أداء دور ادارة التناقضات السياسية بين نسيجين له موقع وحضور ومؤثرات في كل منها, النسيج القديم  الممتد من عقد تسعينيات القرن الماضي، والنسيج الجديد والمستحدث الذي كان له الدور المحوري في انتاجه وتظهيره كواقع لا بديل عنه حتى إشعار آخر ويفرض على المتضررين أجندة جديدة هدفها الوحيد هو الحد من الخسائر.

زين حمود

 

الوسوم