بيروت | Clouds 28.7 c

السيدة عائشة الصدِّيقة بنت الصدِّيق / بقلم الشيخ أسامة السيد

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((إنما يريد الله ليُذهب عنكم الرجس أهل البيت ويُطهركم تطهيرا)) سورة الأحزاب.

لعل كثيرًا من الناس إذا ما سمعوا بكلمة ((أهل بيت النبي)) يتبادر إلى ذهنهم الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة والحسن والحسين وحمزة والعباس عليهم السلام فقط، ولا يخطر ببالهم أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم يدخلن أيضًا في جملة ((أهل بيت النبي)) وهذا شاملٌ لعائشة وحفصة وخديجة وسائر أزواجه عليه الصلاة والسلام الطاهرات التقيات اللواتي أذهب الله عنهن الرجس وأكرمهن بأن تزوجن النبي صلى الله عليه وسلم. ولعل بعض الناس يستغربون إذا ما سمعوا أن زوج الرجل داخلة في ((آله)) فيُناسب أن نبين في هذا المقام دليلاً على ذلك: قال الله تعالى في شأن سارة زوج نبيه إبراهيم عليه السلام في سورة هود: ((قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميدٌ مجيد)) فأُدخلت زوجه في آله وكفى بكلام رب العالمين دليلاً.

وقد أردنا في هذا المقال أن نتكلم عن براءتها وشيءٍ من فضائلها العظيمة ومناقبها الكريمة فنقول:

اسمها ونشأتها وفضلها

هي السيدة الجليلة أم عبد الله عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة وأمها أم رومان بنت عامر الكنانية، ولدت بعد البعثة بأربع أو خمس سنين وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بها بعد الهجرة الشريفة وكانت بكرًا ولم ينكح بكرًا غيرها، ولم تلد من نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا أنها تُكنى بإسم ابن أختها أسماء وهو عبد الله بن الزبير. وقد نشأت رضي الله عنها نشأةً طيبةً صالحة. فهي الصديقة بنت الصديق أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم في وقتها إلى قلبه وأغزرهن علمًا وفقهًا، وهاكم من فضائلها غُررًا حسانًا فمن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بالوحي أي أُوحي إليه أن يتزوجها.

ومن فضائلها قوله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة هذا جبريل يَقرأ عليك السلام)) رواه البخاري. وقوله: ((فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) رواه البخاري أيضًا. وروى أحمد عن عمرو بن العاص قال: قلت يا رسول الله أي الناس أحب إليك. قال: ((عائشة. قال: قلت: من الرجال. قال: أبوها)).

أما العلم فقد بلغت فيه الغاية ففي ((الإصابة)) لإبن حجر عن مسروقٍ قال: ((رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها في الفرائض (أحكام الميراث). وقال عطاء: كانت عائشة أفقه الناس. وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطبٍ ولا بشعرٍ من عائشة. وعن أبي موسى الأشعري قال: ما أشكل علينا أمر فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها فيه علمًا)).

براءتها من الإفك

معلومٌ أنه قد تكلم في عائشة عليها السلام ناسٌ من المنافقين بنسبتها إلى الفاحشة زورًا وبهتانًا وحسدًا من عند أنفسهم، فهم كما قال ربنا تعالى في سورة آل عمران: ((قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر)) والخلاصة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع ((عمل قُرعة)) بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها، وقد أقرع بينهن قبيل خروجه في غزوة بني المصطلق، وتسمى أيضًا بغزوة المريسيع، فأصابت القُرعةُ عائشةَ فخرجت معه حتى نزلوا بعض المنازل، فذهبت عائشة في بعض شأنها فسار الجيش وهي غائبة وسيّروا الجملَ الذي فيه هودجها ولم يشعروا أنها ليست فيه وكانت يومها حديثة السن لم يَغْشَها اللحم، فرَجَعت ولم تجد القوم فجلسَت حيث كان هودجها فغلبها النوم وأقبل صفوان بن المعَطِل السُلمي من وراء الجيش فأبصرها فصار يسترجع، أي يقول: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فاستيقظت باسترجاعه وقد غطت وجهها وما سمعت منه كلمةً غير استرجاعه، ثم أناخ راحلته فركبتها وانطلق يقود بها الراحلة حتى أتى الجيش فقذفها عبد الله بن أُبيِّ بن سلول وكان رأس المنافقين في المدينة وقال: ((ما برئتْ عائشة من صفوان ولا برىء منها)) وخاض البعض في ذلك حتى أنزل الله تعالى براءتها في القرآن الكريم.

قال تعالى: ((إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرًا لكم بل هو خيرٌ لكم لكل امرئٍ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولَّى كِبْرَه منهم له عذابٌ عظيم)) سورة النور.

وقد نقل ابن الجوزي في ((زاد المسير)) الإجماع على أن هذه الآيات وما بعدها إلى عشر آياتٍ نزلت في قصة عائشة وقوله تعالى ((لا تحسبوه شرًا لكم)) الخطاب فيه للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ وعائشة وصفوان والمعنى أنكم تؤجرون على ما أصابكم من البلاء بصبركم على هذه التهمة، وقوله ((لكل امرئٍ منهم)) أي من العصبة الكاذبة ((ما اكتسب من الإثم)) أي جزاء ما اجترح من الذنب بقدر خوضه فيه ((والذي تولّى كِبْرَه)) أي أشاع ذلك وهو عبد الله بن أُبيّ، وكِبْرَه أي عِظَمه.

وفي صحيحي البخاري ومسلم في حديث قصة الإفك الطويل أن النبي صلى الله عليه وسلم ((أُوحي إليه فضحك ثم قال يا عائشة احمدي الله فقد برّأك الله)).

وليُحذر أيضاً من اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أساء الظنّ فظنّ بعائشة السوء لأجل كلام المنافقين فإنه خروج عن الإيمان وحاشا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يظن السوء بالمؤمنين لمجرد كلام المنافقين، وقد أوحى إليه ربه في سورة الحجرات: ((يا أيها الذين ءامنوا إن جآءكم فاسقٌ بنبإٍ فتبينوا أن تُصيبوا قومًا بجهالةٍ فتُصبحوا على ما فعلتم نادمين)).

وهو القائل صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكم والظن فإن الظن أكذب الحديث)) رواه البخاري عن أبي هريرة.

وقد نقل القاضي عياض الإجماعَ في كتاب ((الشفا)) على عصمة الأنبياء من الشيطان فلا يتسلط الشيطان على النبي لا بالأذى في جسمه ولا على خاطره بالوسواس.

والحمد لله أولاً وآخراً.              

الوسوم