بيروت | Clouds 28.7 c

هل يبادر حزب الله لشن الحرب من جنوبي لبنان على اسرائيل؟ نصرالله يرفض بانتظار المواجهة الشاملة

  • *نصرالله خرج من مرحلة الصمت الى مرحلة توجيه الرسائل غير المسبوقة في توقيت متناسب مع استحقاقات عديدة
  • *مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي من سورية تحدث عنها نصرالله بسقف عالٍ في الخارج وبمهادنة في الداخل
  • *إعادة تقييم في الحزب دعت للرد على ضغوط نتنياهو العسكرية برفد الجبهة السورية بعمليات ردعية عبر لبنان
  • *نصرالله يرفض الانطلاق من لبنان في عمليات ضد اسرائيل ويعتبر ان سلاح الردع لا يستخدم إلا في المواجهة الشاملة
  • *رسائل نصرالله وجهها عشية الانسحاب الاميركي من سورية ومؤتمر ((وارسو)) والانتخابات العامة في اسرائيل
  • *نصرالله لوح بمعادلات قوة جديدة تستند الى الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى وإقتحام الجليل

 

الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قال ما قاله في اطلالته الاعلامية السبت الماضي في مقابلة اطلق عليها  حوار العام, بانتظار ما سيقوله بنيامين نتنياهو وما سيفعله على أكثر من صعيد وفي أكثر من ملف.

ووفق التقديرات, فإن كلام نصرالله من منظور اسرائيلي يحتمل الكثير من التحليلات والمقاربات والتوقعات, فقد يكون حقيقياً في التحذير من المس بقواعد الاشتباك التي يبدو حرص الأمين العام للحزب عليها واضحاً, وقد يكون للتمويه والمناورة من أجل القيام بأعمال معينة مباغتة للاسرائيليين في مرحلة ما بعد الانسحاب الاميركي من سورية التي يجزم نصرالله بأنه سيحصل ولو بعد حين, وقد يكون جزءاً من مناخات يعمل الحزب على تظهيرها وصولاً الى الاشتباك الكبير غير المحصور في مكان او جبهة على امتداد الجبهات المفتوحة او التي يمكن ان تفتح مع الكيان الصهيوني.

وما كان قائماً قبل ((حوار العام)) يختلف بكثير عما سيحصل بعده لا سيما بالنسبة لإختيار نصرالله هذا التوقيت وكذلك بالنسبة للرسائل العديدة التي بعث بها وهي رسائل طغى عليها طابع التحذيرات في الخارج والمهادنة في الداخل، وخصوصاً لجهة كلامه الايجابي عن الرئيس سعد الحريري وكذلك التوصيفات التي حددها لعلاقة الحزب بالتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية ميشال عون.

التوقيت هام للغاية ويأتي عشية سلسلة من الأحداث تحدث عنها أمين عام الحزب بوضوح وأبرزها:

-الانسحاب الاميركي من سورية مع كل ما قد يترتب عن ذلك من نتائج ليس في سورية وحدها بل وفي المنطقة كلها.

-الانتخابات العامة في اسرائيل التي بدا من خلال ما قاله نصرالله انه دخل على خط هذه الانتخابات ليقول كلمته باعتباره لاعباً فيها.

-مؤتمر ((وارسو)) في الشهر المقبل بدعوة من واشنطن لحشد القوى اقليمياً ودولياً ضد ايران, وهو ما استبقه نصرالله للكشف عما دار في الاتصالات الدبلوماسية ولا سيما بين الاميركيين والروس, وللكشف أيضاً عن مقايضة عملت واشنطن لها من اجل سحب ايران من سورية مقابل الانسحاب الاميركي من سورية.

- كما تشمل الرسائل الموجهة من نصرالله الدول المعنية بالوضع في سورية سواء كانت تركيا وهواجسها الكردية او الدول العربية المتخوفة من ان يفضي الحراك التركي الى إعادة إحياء مشروع الأخوان المسلمين الذي تلقى ضربة قوية في مصر مع سقوط حكم الرئيس محمد مرسي.

لم يغادر نصرالله مرحلة الصمت التي امتدت من شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي الى السبت الماضي ليقدم لنتنياهو مادة يستطيع من خلالها فهم سلوك الحزب ومن خلفه المحور الذي يشكل جزءاً منه في المرحلة الحالية او المقبلة, وتحت عنوان ما يسميه نصرالله ((الغموض البناء)) , ورغم اختلاط العامل الدعائي الذي يبرع فيه امين عام الحزب بالعوامل الحقيقية التي تحدث عنها ولو ضمناً وبشكل غير مباشر, فإن الواضح هو ان المشهد الحالي يشير الى ان المنطقة أمام منعطف لن يكون من اليسير على الاسرائيليين تحديد مساراته المقبلة لا بل سيكون من الصعب عليهم رسم ملامحه في موازاة ما قد يفعله في هذا الاطار محور يعتبر نفسه انه خارج من انتصار في سورية فضلاً عن انتصارات في دول أخرى وأزمات عديدة.

لم يترك نصرالله تلميحاً في هذا المجال إلا واستخدمه كما لم يترك رسالة الا وجهها بخصوص ما ستتعرض له اسرائيل في حال شنت حرباً على لبنان او استمرت بعملياتها المتتالية في سورية من دون تجاهل جبهة غزة, ومع ان مثل هذا الأمر يعكس في الشكل على الأقل رغبة بعدم المس بتوازن ردعي معين حكم المرحلة السابقة, إلا انه يعكس في الوقت نفسه ما يمكن تسميته عملية عرض عضلات او  قوة مارسها نصرالله بثقة وعنفوان سواء في الحديث عن الصواريخ البعيدة المدى او الدقيقة او استهداف تل أبيب وكل المناطق داخل فلسطين المحتلة القريبة او البعيدة او الدخول الى منطقة الجليل, مكرراً مفردات وعبارات باتت أقرب الى المصطلحات في خطابه من نوع لقد أنجز الأمر او تم وما الى ذلك, مما يشير الى ان الحزب بصدد العمل على فرض قواعد اشتباك جديدة ولو من باب توكيد تمسكه وحرصه على عدم المس بقواعد الاشتباك السابقة وتحذيره لنتنياهو مراراً وتكرار اً من اللعب بها, وذلك بصرف النظر عما سيؤول اليه الكباش الحالي.

ولعل السؤال الأبرز في هذا المجال يتناول الامور التالية:

اولاً: هل نشهد اليوم تكراراً لظروف العام 2006 عشية حرب تموز حين لم يقرأ حزب الله معطيات تلك المرحلة بدقة وأقدم يومها على عملية الأسر التي ادت الى تلك الحرب ودفعت بنصرالله الى القول آنذاك عبارته الشهيرة ((لوكنت أعلم)) التي لطالما استخدمها خصومه ضده؟ وهل يشكل مؤتمر ((وارسو)) في مطلع شباط – فبراير الجاري مقدمة لعمل عسكري واسع ضد ايران في سورية والحزب في لبنان على غرار ما حصل في العام 1996 بعد مؤتمر ((شرم الشيخ)) عندما شن الاسرائيليون ما سمي يومها عملية ((عناقيد الغضب)) التي انتهت الى الفشل اسرائيلياً وأعطت المقاومة حق الرد.

ثانياً: هل يريد نصرالله ان يخفف الضغط عما  تتعرض له سورية من عمليات عسكرية اسرائيلية وهي عمليات- مهما قيل للتخفيف من نتائجها - متتابعة وموجعة وقاسية سواء بالنسبة للسوريين او الحزب او منظومة تعزيز الامكانات العسكرية في لبنان بالمزيد من السلاح النوعي والكمي. لا سيما وان ثمة بعداً داخلياً اسرائيلياً يرتبط بها ويتعلق بالانتخابات العامة في اسرائيل والصراع على رئاسة الحكومة بين نتنياهو ومنافسيه.

ثالثاً: اذا ما صح ما يرد في بعض التقارير من أرقام حول الخسائر الايرانية والسورية وكذلك خسائر حزب الله من الضغوط العسكرية الاسرائيلية المتتالية والتي تستخدم لبنان وأجواءه لتوجيه الضربات الصاروخية ضد أهداف ((منتقاة)), هل سيكون هذا الامر في ظل معادلات القوة الجديدة التي تحدث عنها نصرالله سبباً لإقدام الحزب على المبادرة بشن حرب تفضي الى إدخال لبنان في أتون القتال الدائر بهدف ردع اسرائيل عن الاستمرار في ما تقوم به, خصوصاً في ظل العقوبات الاقتصادية الاميركية على ايران بعد إلغاء الاتفاق النووي معها, وذلك من منطلق ان طهران ستقوم بالهروب الى الأمام والذهاب الى التصعيد على مستوى كل الجبهات على الحدود مع الكيان الصهيوني من غزة الى سورية الى لبنان, من أجل جر الولايات المتحدة والغرب الى طاولة مفاوضات تعيد رسم المعادلات في المنطقة وذلك بعد ان تكون وضعت أمن اسرائيل في ((عنق الزجاجة)) وعرضته لتهديدات واهتزازات غير مسبوقة, خصوصاً وان هذا الأمن اي أمن اسرائيل يشكل دوماً أولوية استراتيجية لعدد من الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.

وثمة أسئلة أخرى مطروحة في هذا المجال, خصوصاً في ظل الترقب لما يقدم عليه نتنياهو من خطوات تصعيدية إضافية زادت من حجم المخاطر خصوصاً وأنها تحمل من الاستفزاز وحجم القتل والتدمير الذي تخلفه ما يجعل كل واحدة منها مقدمة لحرب واسعة.

للاجابة على جوانب في هذه الأسئلة, وفي معلومات خاصة بـ((الشراع)) فإن عملية اعادة تقييم جرت في حزب الله على أعلى المستويات لتقصي خلفيات ما يتوخاه نتنياهو في السباق الانتخابي الذي يخوضه حالياً, والأهداف التي يتوخى تحقيقها والوصول اليها, علماً ان التوقعات على هذا الصعيد على مستوى الجهات المقررة في الحزب والمستندة الى عدد غير قليل من التقارير تركز على ان التصعيد الاسرائيلي والعمليات العسكرية في سورية آخذة في التصاعد أكثر فأكثر وأنها ستصل الى ما هو أخطر وأكبر وأوسع نطاقاً من الآن وحتى موعد الانتخابات العامة في التاسع من شهر نيسان / ابريل المقبل.

وبرزت خلال هذه المناقشات وجهات نظر ركزت على ضرورة القيام بعمل ما من أجل ردع بنيامين نتنياهو عن الاستمرار في آلية التصعيد التي بدأها وظهرت ليس فقط من خلال الغارات والضربات الاسرائيلية على مواقع وأهداف في سورية بل وأيضاً من خلال عملية ((درع الشمال)) التي قال نصرالله انها مستمرة لتدمير الأنفاق بين لبنان وفلسطين المحتلة رغم الإعلان الإسرائيلي عن انتهائها.

وخلال المناقشات التي دارت ضمن نطاق ((إعادة التقييم)) هذه , طرحت أفكار واقتراحات بأن يصار الى رفد الجبهة السورية بعمليات ردعية يقوم بها الحزب في لبنان بإتجاه العدو في فلسطين المحتلة, خصوصاً وان الحزب يملك القدرة على ذلك في ظل معادلات القوة الجديدة التي نجح الحزب في تكريسها منذ العام 2006 وحتى الآن.

وفي المناقشات هذه كان نصرالله حاسماً وجازماً وقاطعاً في رفض ذلك, رغم أنه تحدث عن أهمية الردع وما بات الحزب يملكه من أدوات ووسائل له. وقد رفض استخدام هذا الردع المهم جداً ومن جنوبي لبنان في إطار السياق التكتيكي رداً على غارة من هنا او ضغوط من هناك, واعتبر ان هذا الردع يستخدم فقط في إطار المواجهة الشاملة مع الكيان الصهيوني.

وقد حسم هذا النقاش عند هذه النقطة من دون ان يعني ذلك صرف النظر عنه والاستعداد دائماً وفي اية لحظة للاسوأ ولحرب واسعة او شاملة قد يقدم عليها الاسرائيليون، خصوصاً وان الأمر بات مرهوناً بما سيقرره بنيامين نتنياهو ومغامراته التي قد لا تقف عند حدود معينة, رغم أنه عرف بواقعيته وان كل ما عمل له حتى الآن طوال السنوات الماضية هو العمل على احتواء تداعيات الفشل الإسرائيلي في حرب تموز/ يوليو أيام يهودا أولمرت بتحقيق الأهداف التي شنت الحرب من أجلها وهو فشل غير مسبوق في تاريخ الحروب العربية - الاسرائيلية.

زين حمود

 نصرالله: انتهت مرحلة الصمت

نتنياهو: احتواء نتائج حرب 2006

الانسحاب الاميركي من سورية: مرحلة جديدة

عملية ((درع الشمال)): حرب اعلامية

الحريري: كلام إيجابي من نصرالله حياله

 

بين نصرالله ونتنياهو

نجح الاسرائيليون  خلال النصف الثاني من القرن الماضي برسم صورة طبق الأصل  لـ ياسرعرفات داخل الغرف السوداء التابعة للإستخبارات الاسرائيلية. كان لدى ((الموساد)) و((الشاباك))  فكرة كاملة عن كيف يفكر عرفات ومتى ينفعل وما هي نقاط قوته وضعفه، وأين تقع مخابئه السرية وكل شيء عن تفاصيله الجوانية والخارجية .بالمقابل لا تعرف الاستخبارات الاسرائيلية الكثير عن السيد حسن نصرالله. الاعلام الاسرائيلي لم يتردد في الحديث وفي أكثر من محطة عن ان إسرائيل تكاد لا تعرف شيئاً عن نصرالله. والمقصود هنا المعرفة المعلوماتية سواء عن أمكنته السرية او حتى عن عوالمه النفسية ونقاط ضعفه وقوته. بالمقابل فإن نصرالله يقرأ يومياً ملخصات عن كل ما ينشر ويقال في اسرائيل. ورغم كل انشغالاته، يصرف نصرالله جزءاً من وقته في متابعة التفاصيل الاسرائيلية. ويواكب كل ما يتعلق بإسرائيل لحظة بلحظة، وذلك من خلال أجهزة استخباراتية تابعة للحزب تعمل في مجال المتابعة للشؤون والأوضاع الاسرائيلية .

ومع مطلع هذا العام، تحفل تقديرات الموقف الاستراتيجية التي تصدرها مراكز الأبحاث الاسرائيلية حول العام2019 والتحديات المتوقعة خلالها، بالكلام عن حزب الله بوصفه يشكل تحديات لنظرية الأمن الاسرائيلية. وداخل هذه التقديرات كانت النقاشات التي جرت لصياغتها، تطرقت لمقاربات بين شخصيتي نصرالله ونتنياهو،كون الأخير هو رئيس الحكومة الاسرائيلية الذي عايش أطول فترة زمنية من مرحلة الصراع بين إسرائيل وحزب الله التي بدأت فعلياً عام 1995 وهذا الواقع يجعل نتنياهو بمثابة الشخصية الاسرائيلية الأبرز داخل كتاب الصراع بين اسرائيل وحزب الله، ولذلك يتم النظر الى نتنياهو بوصفه شخصية تدفع مراقبين سياسيين لعقد مقارنة بينه وبين شخصية حسن نصرالله.

وبموجب هذه المقارنة يظهر ان نتنياهو هو أكثر رئيس حكومة في إسرائيل تعمد ان يهرب من مواجهة عسكرية مع نصرالله. وبالمقابل فإن نصرالله هو أكثر شخصية عربية لديها ثقة بأن نتنياهو ليس رجل حرب بل هو رجل يسعى لتحاشي الحرب والحصول على المكاسب من خلال الحروب السياسية. وتقول هذه المقارنة أيضاً ان نتنياهو يعتبر أكثر شخصية في إسرائيل تنتمي ثقافياً للمجتمع الاميركي، حتى يقال ان نتنياهو يمثل اجتماعياً وثقافياً النموذج الاميركي في اسرائيل، وبالمقابل ثمة صورة تبين ان نصرالله يمثل ثقافياً النموذج الايراني داخل الشيعة العرب. فكلاهما نصرالله من جهة ونتنياهو من جهة ثانية ليسا فقط عدوين، بل تتكثف في شخصية كل منهما ملامح التعبيرات الاجتماعية والثقافية لحليفيهما الإيراني والاميركي.

وفي إسرائيل يعتبرون ان نتنياهو، اختار في ملف الحرب مع نصرالله، البقاء عند نقطة إحتواء نتائج حرب 2006، بمعنى إبقاء يهودا أولمرت هو الذي يحمل على كاهليه عار تلقي اسرائيل الهزيمة في تلك الحرب أمام نصرالله. فيما نصرالله يحاول البقاء في لعبة (( القط والمخلب)) مع نتنياهو لتبقى الأمور مجمدة عند تفاعل نتائج مكاسب حزب الله في حرب العام 2006، وذلك حتى درجة تحول هذه التفاعلات الى معادلة  الرعب النفسي بين الجانبين إسرائيل وحزب الله. بمعنى آخر: الحروب مستبعدة في زمن نتنياهو - نصرالله، وقد تقع الحرب في زمن رئيس حكومة إسرائيلي آخر غير نتنياهو.

الوسوم