بيروت | Clouds 28.7 c

مسائل في الزكاة 

بقلم الشيخ أسامة السيد 

 

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى. 

قال الله عز وجل: ((وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مُخلصين له الدين حُنفاء ويُقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاة وذلك دين القيّمة)) سورة البينة. 

وعن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتُقيم الصلاة وتؤتيَ الزكاة)) الحديث، رواه مسلم. 

ليُعلم أن الزكاة فريضة عظيمة وعملٌ جليل من أدَّاها من المؤمنين بنيةٍ حسنةٍ حاز الأجر من رب العالمين فإن العبد وما يملك ملكٌ لله فجديرٌ به أن يُطيع الله وأن يتصرف في ماله بما يُرضي الله فيقف عند حدِّ الشرع فإن الله هو المعطي المانع كما أن الاهتمام بأمر الزكاة يكون سبباً لحصول البركة في المال، ومن بارك الله له كان على خيرٍ عظيم، ولربما ضيَّع امرؤٌ الزكاة فابتُلي بآفةٍ تُذهب له كل ماله بشؤم ترك الزكاة، والموفَّقُ من وفَّقه اللهُ للخير.  

 قال الله عز وجل: ((وما تُنفقوا من خيرٍ فلأنفسكم وما تُنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تُنفقوا من خيرٍ يوفَّ إليكم وأنتم لا تُظلمون)) سورة البقرة. 

وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من يوم يُصبحُ فيه العباد إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط مُنفقًا خلفًا ويقول الآخر: اللهم أعط مُمسكًا تَلفاً)).  

وقوله ((أعط منفقًا)) أي النفقة الواجبة، لأن في المال حقوقًا وقوله ((خَلفًا)) يحتمل أن يكون في الدنيا ويحتمل أن يكون في الآخرة، وفيه الحض على الإنفاق لا سيما الزكاة ورجاء قبول دعوة الملَك الكريم، قال الحافظ ابن حجرٍ في ((الفتح)): ((وأما الخَلَف فإبهامه أولى ليتناول المال والثواب وغيرهما وكم من مُتقٍ مات قبل أن يقع له الخَلَف المالي فيكون خِلْفَه الثواب المعدُّ له في الآخرة أو يدفع عنه من السوء ما يُقابل ذلك)). ويشهد لهذا قوله عز وجل: ((وما أنفقتم من شيء فهو يُخْلِفُه)) سورة سبأ.  

وقوله ((اللهم أعط مُمسكًا)) أي عن الإنفاق الواجب كالزكاة وغيرها من الحقوق المتعلقة بالمال. قال ابن حجرٍ في ((الفتح)) أيضًا: ((وأما الدعاء بالتلف فيحتمل تلف ذلك المال بعينه أو تلف نفس صاحب المال والمراد به فوات أعمال البر بالتشاغل عنها بغيرها قال النووي الإنفاق الممدوح ما كان في الطاعات وعلى العيال والضيفان والتطوعات قال القرطبي وهو يَعُم الواجبات والمندوبات لكن الممسك عن المندوبات لا يستحق هذا الدعاء إلا أن يغلب عليه البخل الشديد بحيث لا تطيب نفسه بإخراج الحق الذي عليه)) أي الواجب الذي عليه. 

 وإذا ما عُلم هذا فلا ينبغي للمرء أن يُفتتن بالمال ولا أن يحمله الجشع على ترك الإنفاق في سبيل الله فإن البخيل يعيش عيشة الفقراء ويُحاسب حساب الأغنياء وقد روى البخاري عن خولة الأنصارية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن رجالاً يَتَخوَّضُون في مال الله بغير حقٍ فلهم النار يوم القيامة))  

ولقد قيل: 

إذا كانت الأموال للترك جمعها                       فما بال متروكٍ به المرءُ يبخلُ   

فعلى من وجبت عليه الزكاة أن يتعلم ما يحتاجه من مسائلها فإن كثيراً من الناس يدفعون المال بقصد الزكاة ولا يصح لهم ذلك بسبب جهلهم بأحكامها، ولا يكفي هذا المقال لبسط الكلام في كل أحكام الزكاة ولذلك ننصح مريد الزكاة أن يسأل أهل العلم المعتبرين قبل إخراجها ليخرجها بعد ذلك على الوجه الذي تصح به، لكن قد رأيت أنه من المهم جدًا أن أنبه في هذا المقال على بعض المسائل وأبدأ بتعريف الزكاة فأقول وبالله التوفيق:  

 

تعريف الزكاة 

الزكاة لغةً التطهير والإصلاح والنماء، وشرعًا اسمٌ لما يُخرجُ عن مالٍ أو بدنٍ على وجهٍ مخصوصٍ، وهي أحد الأمور التي هي أعظم أمور الإسلام، ووجوبها ثابت بالكتاب والسُنة وإجماع الأمة، فمن أنكر فرضيتها فارق الملة إلا أن يكون قريبَ عهدٍ بإسلامٍ أو مثله كأن نشأ في باديةٍ بعيدًا عن أهل العلم فلم يسمع بفرضية الزكاة. 

المسألة الأولى: 

نرى كثيراً من الناس لا يخرجون الزكاة إلا في رمضان وربما ظن كثيرٌ منهم أن الزكاة تجب فقط في رمضان وليس الأمر هكذا، بل تجب الزكاة بحَوَلانِ الحول أي بمرور عام قمري كامل في المال الحولي كأموال التجارة أو الذهب والفضة الذي يدَّخره الشخص مثلاً، سواءٌ حال الحول في رمضان أم غيره، ولا يشترط حَوَلانُ الحول في بعض الأموال كالثمار والزروع لقوله تعالى: ((وءاتوا حقه يوم حصاده)) سورة الأنعام. وكذلك لا يشترط حولان الحول في بعض الأموال غير الزروع والثمار، وقد ذكر ذلك أهل العلم في كتبهم فمن أراد مزيد المعرفة فليرجع إلى العلماء الثقات. 

أما زكاة الفطر فتجب على من أدرك جزءًا من رمضان وجزءًا من شوال بشروط معينة.  

فمن حال الحول على ماله الذي وجبت فيه الزكاة قبل رمضان فأخّرها إلى رمضان بغير عذر فقد عصى الله فإن تأخير الزكاة عن وقت وجوبها لغير عذر حرام، أما تعجيل الزكاة أي أن يُخرجها قبل تمام الحول فيجوز بشرط أن يبقى هذا الذي أخرجها من أهل الزكاة إلى وقت حولان الحول وبشرط أن يبقى الآخذ على صفة الاستحقاق، أي ممن يجوز دفع الزكاة لهم إلى وقت حولان الحول أيضًا.  

المسألة الثانية: 

قد يحصل أحيانًا أن يكون لإنسانٍ دينٌ على الآخر فيقول: أجعل هذا المال الذي لي في ذمة فلانٍ زكاة فهذا لا يصح لأنه لم ينو الزكاة حين أعطاه بل أراد القرض، ولا بد لصحة الزكاة من النية القلبية في جميع أنواعها عند دفعها أو عند الإفراز أي عزل القدر الذي يكون زكاةً عن ماله.  

المسألة الثالثة: 

ليعلم أنه يجب إيصال عين مال الزكاة لمستحق الزكاة، والأحسن أن يدفعها للخليفة الراشد إن وُجد خليفة راشدٌ، فإن لم يوجد كحال زماننا فإما أن يُخرجها بنفسه وإلا وكَّل بها تقيًّا يُراعي أحكام الشرع فيصرفها في وجهها. 

ولينظر مريد إخراج الزكاة أين يدفع ماله، وليُحسن اختيار من يوكِّل إن أراد توكيل أحد بإخراجها عنه، فإن كثيرًا من الناس لا يعرفون معايير الفقر الشرعية إنما يؤخذون بالمظاهر ولقد قيل: 

لا تأخذن من الأمور بظاهر                                 إن الظواهر تخدع الرائينا 

المسألة الأخيرة: 

لا يجوز إعطاء الزكاة لغير الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في سورة التوبة ويجمعهم قولُه عز وجل: ((إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قُلُوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضةً من الله والله عليمٌ حكيم)). ولا يعني قوله تعالى ((وفي سبيل الله)) كلَّ عملٍ خيري كما ظنَّ بعضهم، فإن العطف بالواو كما هو معروف في علم العربية يفيد المغايرة، والله يقول ((للفقراء والمساكين والعاملين عليها)) الآية، فدل العطف بالواو على أن هذا الصنف غير الذي قبله، وهذا الصنف غير الآخر وهكذا، والقول بأن ((وفي سبيل الله)) شامل لكل عملٍ خيري خلاف ما يقتضيه العطف بالواو فلا يصح، إذ لو كان المراد هكذا فلماذا ذُكرت بقية الأصناف ولم يُكتف بكلمة ((في سبيل الله)) وكلُّ ذلك في سبيل الله.  

ومعلوم في نصوص القرآن والحديث أن كلمة ((في سبيل الله)) عند الإطلاق تنصرف إلى الجهاد، فيكون المراد بذلك الغزاة المتطوعين للجهاد في سبيل الله ولا تُصرف لفظة ((في سبيل الله)) لمعنى آخر بغير قرينة والنصوص في ذلك كثيرة، فمن حملها على كل عملٍ خيري فقد صرفها عن معناها الأصلي بغير دليل.  

قال القاضي أبو بكر بن العربي في ((أحكام القرءان)): قال مالك: ((سُبُل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافًا في أن المراد بسبيل الله ههنا الغزو)). ومعناه أن الإمام مالكاً نقل الإجماع على هذا المعنى. ومثله قال النووي في ((المجموع)) وابن قُدامة في ((المغني)) والزبيدي في ((تاج العروس)) وغيرهم. والأدلة على ذلك كثيرة ولكن فيما ذكرناه مَقنع لمن يقنع.  

وليُعلم أن الجهاد في سبيل الله ليس هو هذه الحروب العبثية التي يشنها هذه الأيام أدعياء الإسلام في بعض بلادنا فيُكفِّرون الناس بغير حق وينتهجون الهمجية طريقًا لهم. 

فإن ما يجري في هذا السبيل في هذا العصر هو في حقيقة الأمر عدوان على الإسلام وتشويهٌ لحقيقته الناصعة، وكم رفع يوسف القرضاوي صوته مُناديًا لدفع أموال الزكاة للمراكز والمنظمات المسماة زوراً إسلامية والتي خرَّجت الذئاب الضالة الكاسرة.  

وإذا ما عُلم هذا فإننا ننصح مريد دفع الزكاة أن يتحرى الصواب بالسؤال عما يحتاج إليه من معرفة أحكام الزكاة ليقع فعله موقع القبول فإن السلامة في الدين لا يعدلها شيء. 

والحمد لله أولاً وآخراً.   

الوسوم