بيروت | Clouds 28.7 c

أي احباط يعيشه سنة لبنان!  /كتب: حسن صبرا

تعيد الشراع اليوم 20 كانون الثاني 2021 نشر هذا المقال لرئيس التحريرالذي كتب في المجلة كموضوع غلاف بتاريخ 28 كانون الاول 2018 مؤكدةً صلاحيته شبه الكاملة تعبيراً عن واقع الحال اليوم

  • *قتل رفيق الحريري أول مؤشرات بدء الاحباط السني لبنانياً، وهروب عائلته من لبنان قتل ثانٍ لمؤسس الصعود السني الثاني بعد الاستقلال
  • *العجز السعودي أمام ايران والانحياز المصري لبشار أفقدا السنّة الاطمئنان الى مصيرهم في لبنان
  • *فلاديمير بوتين أراد استعادة أمجاد قيصر روسيا فشن حرباً على السنّة في سورية
  • *السعودية أرادت جمع السنّة فهزمت الحريري ولم تنجح في إيجاد بديل، وبات السنّة فرقاً متواجهة والتجمع السنّي الوحيد هم سنّة علي المملوك

 ?يمكنكم ايضا قراءة الموضوع السابق: ?

 من هنا نبدأ - 10 نصائح الى الرئيس سعد الحريري / كتب: حسن صبرا

 

مجلة الشراع 28 كانون الاول 2018

عاد سُنّة لبنان الى المربع الأول الذي وجدهم فيه رفيق الحريري عندما أصبح رئيساً للوزراء في تشرين الأول/اكتوبر عام 1992.

كان مناخ السّنة هو الإحباط والتهميش السياسي وغلبة هوامش السنة عليهم، وخضوعهم لسيطرة ضباط حافظ الأسد الأمنيين الحاكمين في سورية وفي لبنان.. طبعاً، كمعظم القوى السياسية والحزبية والطائفية والمذهبية وكل ما تسيطر عليه من أجهزة أمن وقضاء وأساتذة وجامعات وإدارات واتباع..

اختار الأسد الأب الحريري الأب كي ينقذ لبنان من وضعه الاقتصادي المتردي والذي كان يعبر عنه هبوط قيمة العملة الوطنية لتصبح 3000 ل.ل تساوي دولاراً واحداً..

 قال الأسد لمحتجين علويين كبار عن اختيار رجل سني قوي له علاقات عربية ودولية واسعة ان لبنان كله بات تحت سيطرتنا ونحن لا نستطيع النهوض به اقتصادياً ورجل واحد يملك هذا هو رفيق الحريري.

قال حافظ الأسد كلامه في سورية عندما سئل رئيس الحكومة يومها عمر كرامي ان سعر الدولار أصبح 3000 ل.ل رد عليهم بسؤال طريف: شو بعملو؟ الآن.. يبدو ان اختيار سعد الحريري ليكون حتماً رئيساً لحكومة عام 2019 ما زال يحمل المهمة نفسها وهي انقاذ اقتصاد لبنان.

واذا كان هذا الأمر ليس منوطاً بجهود الحريري الابن وعلاقاته الأوروبية- العربية الموروثة وحده، فإن سعد الحريري يواجه بين جمهور السُنّة منافسات لا حدود لها ليس أولها الاحباط السني نتيجة ما يعتبره قسم كبير من هذا الجمهور تنازلات من سعد الحريري أمام خصومه، وليس آخرها ان الوضع الاقتصادي – المالي – الاجتماعي لن يمهل الرجل فرصة كي ينهض به كما نهض به رفيق الحريري، فلا الرجل هو الرجل نفسه، ولا الجشع بات يمكن مواجهته، ولا الداعمون لرفيق الحريري هم داعمو سعد، وخصوصاً الدول القادرة على الدعم ومنها المملكة العربية السعودية ودولة قطر ودولة الامارات العربية المتحدة.

غير ان التحدي الحقيقي أمام سعد الحريري هو داخل بيئته أي الحريرية السياسية وصولاً الى قاعدتها التي كانت واسعة..

صنع رفيق الحريري كل الطاقم المحيط به الذي رفعه معه ليصنع من بعضهم وزراء ونواباً ورجال أعمال ووجاهة، ومستشارين.. وبموهبته المتميزة في حسن اختيار الرجال نجح في أخذ أفضل ما لديهم من ملكات وقدرات وجهود..

فنجح بهم ونجحوا معه وباتوا علامات عهده، وكان يعطي لكل واحد منهم وصفاً، فهذا دولة الرئيس وهذا معالي الوزير وذاك وديعة وذاك مولانا وهذا أبونا..

وكانوا جميعاً تحت عباءته.

 بينما خسر سعد هذه الموهبة منذ ان خضع لتوجيهات وآراء ونصائح الذين كانوا مستشارين صنعهم والده فأصبحوا هم أصحاب القرارات، بعد ان مسّ كل واحد منهم جن الرئاسة الثالثة..

وكان الفساد هو الهواء الذي يتنفسونه و.. كان رفيق الحريري لا ينام الليل، لماحاً، يحسن اختيار الناس، متواضعاً، ذا هيبة، فراسته لا تخطىء، وفياً، مهموماً بالوطن.

كان كثيرون من قيادات السُنّة يجزعون من امكانية منافسة رفيق الحريري، او انتقاده او منازلته، وكانت مشاكله دائماً المبتزين من رجال السياسة والمسؤولين، بإيعاز شخصي ونوازع مصلحية ودائماً تحت حماية أجهزة أمن حافظ الأسد في لبنان وفي سورية.

كان سلاح الاعتكاف و((الحرد)) أحياناً أقوى أسلحته، وهو أذكى من ان يهدد بالاستقالة، لكن هذا الاعتكاف في منـزله كان يزيد الحج اليه ويظهر التمسك بمكانته وموقعه.

أسامة فاخوري

في احد اعتكافاته، اتصل به النائب الدكتور أسامة فاخوري وكان كثير النقد له والسخرية التي تنضح بها أحاديث فاخوري وكان عضواً في كتلة الرئيس سليم الحص النيابية.

قال فاخوري في اتصاله الهاتفي وقد تلقاه الحريري وهو في غرفة الطعام، لازدحام داره بالوافدين. وصوت المتصل يكاد يقفز عبر السماعة: دولة الرئيس وين تاركنا ورايح؟

قال له الحريري ولو يا دكتور أسامة ما أنت بدك هيك؟

-دولة الرئيس انت كمان ما بتلقى مزحة..!!

هنا انفجر الحريري طيب القلب ضحكاً، وجلجلت ضحكته حتى استدعت حضور كثيرين ارادوا الاطمئنان الى حالة الرجل المعنوية التي أطلقت مثل هذه القهقهة.

كان الحريري يقرأ او يستمع الى نقد من شخصيات لبنانية (كثير منها من السُنّة..) ثم يتلقى رسالة من بعضها يحملها مقربون يأتون سراً اليه يعتذرون عن النقد لأنه جاء تنفيذاً لأوامر سورية من دمشق نفسها ((اللواء محمد ناصيف ممثلاً للأصولية العلوي) او داخلية من الياس الهراوي او غيره بغرض ابتزازه.. وكان يستقبل الموفد السري بكل رحابة صدر، وهو يتعامل مع الجميع بصفته المسؤول الأول عن هذا الوطن وبنيه، وصدره يتسع لكل قول مهما كان قاسياً.. والتسامح عنده من شيم الكبار.

اغتيال رفيق الحريري

أخطر إحباط أصاب سُنّة لبنان (والضمير الحي يجزم ان الاحباط أصاب جميع اللبنانيين والعرب) هو اغتيال رفيق الحريري في 14 – 2 – 2005..

كنا في مجلس مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت حيث نقل الحريري اليه بعد انفجار ذلك اليوم والبكاء من الجميع يصل الى الممر الموصل الى المجلس (بهية الحريري، وليد عيدو، وكثيرون) أمسكني المرحوم مصطفى ناصر قائلاً لي بصوت هامس: حسن.. المنطقة كلها راح تتغير، هيدا أخطر حدث صار بلبنان والمنطقة..

عند الباحة الخارجية للمستشفى جمهور حزين واجم صامت.. لم يقطعه سوى صوت شاب من الطريق الجديدة يدعوني بصوت فجر صمت الحضور: ابو أحمد.. ((اكتب ان السوريين اخوات الكذا هن اللي قتلوا رفيق الحريري)).

فإذا امرأة من المنطقة نفسها تناشدني ألا أكتب حتى لا يصيبني ما أصابه.

كان هذا هو حال أبناء بيروت حين كان جسد رفيق الحريري ما زال في غرفة عمليات الجامعة الاميركية.. وكانت هتافات عند ضريح الحريري حين زاره الرئيس جاك شيراك ليلاً وكنت خلفه تماماً معبرة عن حالة الصدمة والحيرة والارتباك حيث انطلقت عفوياً صرخات: تدعو بهاء لمتابعة المشوار فقابلتها هتافات أخرى تنادي سعد الابن الآخر للراحل الكبير.

استقر الرأي على سعد.. وفي ضمائر المشيعين ذلك الهتاف الذي جافى التوفيق عند بهاء وهو ينادي الناس يا قوم كي يفسحوا المجال لإخراج نعش والده الى مثواه الأخير.

اقفال مؤسسات الحريري

لا يمكن الحديث عن إحباط السُنّة في لبنان بعد اغتيال رفيق الحريري، من دون اغفال سياسة عائلة الحريري كلها، التي ساهمت في هذا الاحباط الى حد كبير.

زرع رفيق الحريري الأمل في لبنان، ونشر روح التفاؤل فيه كما زرع المؤسسات التي تمثل روحه وقناعاته ورهاناته الجدية (البعض اعتبر ان رفيق الحريري انشأ مؤسساته الاجتماعية والثقافية والتربوية لتكون بديلاً عن المؤسسات السنية القائمة، وكان يجب ان تكون الى جانبها.. وهذا نقد يضاف الى نقد آخر وهو ان رفيق الحريري بهامته قطع الطريق على قيادات سنية كبيرة أخرى وحجّم مكانتها ودورها وسحب جمهورها.. ولم تظهر آثار ذلك إلا بعد رحيله)

 

رحل الحريري وجاء سعد وانسحبت عائلة الحريري كلها بما كان يمثله من لبنان.. وأهمه الأمل والمؤسسات فطرد الآلاف من الشباب والفتيات من أعمالهم، وأقفلت دور ومكاتب وشرد أناس وقطعت منح دراسية، وبيعت مؤسسات، بعد ان توزعت ثروة الحريري الضخمة بين زوج وأبناء وأبناء زوج.. ورفعت عائلة الحريري شعار: سعد أنت تريد ان تعمل في السياسة وان تكون رئيساً للوزراء؟! حسناً اذهب انت وربك وقاتلا.. انها معركتك ولا علاقة لنا بها.. فترك الشاب الكبير وحيداً لا يشكو القلة.. لكنه يشكو الوحدة في عائلته.

 

اعتاد سُنّة لبنان (وكل اللبنانيين) ان يروا الحريري رمزاً كبيراً يملك القرار في الكثير من الأمور، وخصوصاً في ملكه وعائلته.. فإذا سعد الحريري يظهر يتيماً ليس من الأب فقط.. بل وفي عائلته.

جمهور السنّة ما زال يحب سعد الحريري لطيبته ويتعاطف معه في ظلم عائلته له.. لكن فقراء السّنة يحتاجون الى من يتعاطف معهم.. ولم يعد سعد في هذا الوارد.. فكيف بعائلته التي أقفلت الأبواب وحملت مفاتيحها ورحلت؟

ومن دون لف او دوران يبدو تعاطف كثير من السنّة حتى الآن مع سعد الحريري مجبولاً بعصبية سنية سياسية  تشعر بالاحباط من صعود الشيعية السياسية، وبإختراق هذه الشيعية للجمهور السني.. والدليل ظهر في نتائج انتخابات 2018، خصوصاً وأن من حول الحريري من قرأ كيف نجح حزب الله في تجيير 15 ألف صوت سني لمصلحة مرشحين سنّة ضد الحريري في بيروت وطرابلس والبقاع الغربي..

حصار السرايا الحكومية

كانت الصدمة الأخرى (سابقاً) للسنّة وقد كشفت لهم أهمية وخطورة غياب رفيق الحريري، هي نتائج حرب تموز/يوليو – آب/اغسطس 2006، التي خرج منها حزب الله منتصراً سياسياً على اسرائيل على الرغم من الخسائر البشرية والمادية، ليتفرغ للشؤون الداخلية اللبنانية.. وكانت أولى نتائج هذه الحرب هي حصار الحزب وقوى 8 آذار، للسرايا الحكومية، وهي حصن السنة الأول في لبنان سياسياً ورمزه الدستوري، ليفقد اللبنانيون والسنّة (وقوى 14 آذار) حكمة رفيق الحريري وعلاقاته العربية والدولية.

7 أيار

كانت معركة (أو لا معركة 7 أيار 2008) هي الاحباط الكبير وهي التي ورّط فيها وليد جنبلاط عبر مروان حمادة حكومة فؤاد السنيورة بقرارات 5/5/2008، التي جعلت نبيه بري يقول: يخرب بيتهم شو حمير بضربة واحدة بيحاربوني وبيحاربوا حزب الله. (اشارة الى ابعاد رئيس جهاز أمن المطار اللواء وفيق شقير المحسوب عليه، ومنع مد خطوط هواتف حزب الله الخاصة)

نتائج 7 أيار تمت ترجمتها في اتفاق الدوحة الذي كرّس الثلث المعطل لحزب الله، وكانت سلاحاً جاهزاً للاستخدام، وذروة  إشهاره كانت في إقالة حكومة سعد الحريري وهو في واشنطن لمقابلة باراك اوباما..

وشكل خروج وليد جنبلاط من قوى 14 آذار في آب/ اغسطس عام 2008 صدمة لجمهور هذه القوى، وخصوصاً لسنّة لبنان كله..

أما انتخاب سعد الحريري لميشال عون الذي قال في السنّة ما لم يقله مالك في الخمر، فهو الكسر الذي أصاب السنّة الحريري حين انفض عنه جمهور كبير من السنّة، وبات سنّة لبنان في حال تشرذم غير مسبوق عبر عنه أهل الجماعة في انتخابات 6/5/2018، حين قالوا للحريري الابن انك لم تعد تمثل كل سنّة لبنان بعد ان اختاروا نحو 10 نواب أي ثلث نواب السنّة من خارج تياره.. وحين فرضوا دخول وزيرين سنيين من خارج تياره وهي النسبة الوزارية نفسها أي الثلث التي لا يمثلها سعد الحريري لا في مجلس الوزراء ولا في مجلس النواب.

غير ان هذا لم يكن وحده ما أحبط سنّة لبنان..

فقبل الحديث عن ثورة سورية بشرتهم بقرب النهاية قبل حصول الالتفاف الكوني ضد شعبها المظلوم، لا بد من الاشارة الى الحقائق التالية:

1-ان المملكة العربية السعودية التي تطوعت لتوحيد سنّة لبنان، اعتمدت سياسة إضعاف سعد الحريري تحت عنوان تعددية بيوت السنّة المفتوحة، فإذا المسائل تنتهي عند تفرقة أوسع للسنّة، وضعف حقيقي للحريري، وغياب المرجعية السنية القادرة، والعجز المنطقي عن إنشاء ثنائية سنية، كما الثنائية الشيعية، او الثنائية المارونية.. والتجمع السني الوحيد الذي نشأ كالفطر هو تجمع سنة علي المملوك.

كانت معادلة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز قائمة على شراء بشار لإبعاده عن ايران وكف شره عن لبنان، فخسر سنّة لبنان وفازت ايران، وما زالت السعودية على عجزها.

عدل الأمير محمد بن سلمان معادلة عمه الملك الراحل فحاول شراء ترامب لإبعاد ايران عن المنطقة، وسلّم الجميع لمجرم الحرب بوتين مصير سورية.. ولبنان بعدها.

2-ان ايران التي تملك مشروعاً جدياً وعملياً للتحرك والانتشار وامتلاك القرار.. واجهت دولاً وأنظمة عربية يصح عليها وصف عادل إمام في مسرحيته ((شاهد ما شافش حاجة)) انها الدول ((اللي ما حدش له دعوة بالتاني)).. فأكثر من نصف العرب دولاً وأكثر بشراً مع بشار ضد الشعب السوري، مصر تدعمه في كل المجالات، والعراق معه جغرافياً واستراتيجياً والجزائر القادم دورها من نوم أهل الكهف تريده عضواً معها في جامعة العجز العربية، والهارب من عدالة المحكمة الجنائية الدولية عمر البشير، يحضر بناء على مذكرة جلب روسية الى دمشق.

غير ان الصدمة الأفظع كانت في تراجع الدعم العربي للبنان وللسنّة تحديداً، وكانت المفارقة الغريبة تظهر انه كلما اقتحمت ايران عربياً، وخصوصاً في لبنان.. كلما انسحب العرب.. وكانت الطامة الكبرى في المصالحة العربية التي طرحها الملك عبدالله في قمة الكويت الاقتصادية في آذار/مارس 2009 والتي أسفرت عن زيارتين لسعد الحريري الى قاتل والده بشار الأسد في قصر المهاجرين.. وكم كان احباط سنة لبنان وقوى 14 آذار كبيراً بعد هاتين الزيارتين؟.

كانت المعادلة التي انطلق منها الملك الراحل هي انه لن يفيد دعم لبنان وحده من دون شراء بشار الأسد لإبعاده عن ايران، فإذا الأسد يخرج رابحاً من هذه المعادلة:

 

1-أوقف السعوديون دعم أصدقائهم اللبنانيين مادياً وسياسياً بناء على طلب بشار من عبدالعزيز بن عبدالله.

2-كرّست علاقات بشار مع ايران والسعودية، فحصل على درع تثبيت من الخصمين.

3-لم يتراجع بشار عن سياسته اللبنانية، بل أوغل فيها وما أوقفته عن الاجرام فيه إلا ثورة الشعب السوري ضده.

4-انطلقت ثورة الشعب السوري ضد بشار في 18 – 3- 2011 وفي شهر أيلول/ سبتمبر من العام نفسه تسلم بشار 500 مليون دولار من السعودية (قسطاً من دعم قيل انه قديم)

سورية

وكان لافتاً جداً في مسار الصراع الداخلي وانقسام اللبنانيين حول الثورة السورية دعوة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله خصومه الداخليين، وخصوصاً سعد الحريري للقاء في سورية وتجنيب لبنان نتائج هذا الصراع.

أرسل حزب الله آلاف المقاتلين من نخبة ومجندين الى سورية للقتال فيها.. وفشل سعد الحريري (والعرب وتحديداً السعودية) في توفير صاروخ واحد لإخراج طيران بشار الأسد من الصراع بعد ان راح يدمر ويحرق وينسف مصالح الشعب السوري وثواره في طول البلاد وعرضها.. خاف السعوديون من أوباما وسخر بشار من كل تهديدات معدوم الضمير الاميركي.

نجح خصوم الحريري في مساواة دوره في سورية من خلال شخص واحد هو النائب السابق عقاب صقر مع وجود آلاف المقاتلين من حزب الله في مواقع مختلفة في سورية.

وفي حين اختفى صقر، ظل مقاتلو حزب الله ينتقلون من جبهة الى أخرى، وما أثر كل اعلام قوى 14 آذار في إخراج مقاتل واحد من سورية.

ومع طول معاناة شعب سورية من سياسة آل الأسد الارعابية – الفاسدة، المرتهنة لكل من يبقي بشار في سدة الحكم.. طالت المعاناة أيضاً عروبـيي وسنّة لبنان الذين راهنوا طويلاً على سقوط بشار فإذا خصومه يؤكلون ويُصطادون واحداً بعد الآخر، واذا بالكون كله يقف معه ضد الشعب السوري، واذا سنّة لبنان في إحباط جديد.. هو الأشد وطأة لأنهم كانوا موقنين بالتخلص من أشد أعدائهم شراسة وهو بشار، فإذا ببشار هذا يكشّر عن أنيابه استعداداً لإلتهامهم كما إلتهم شعب سورية.

ولا يخلو دعم الكون لبشار ضد الشعب السوري الذي شرد بشار وبوتين و((داعش)) نصفه داخل وخارج وطنه من رؤية وثقافة ووجل كوني من سنّة العرب وثقافتهم الدينية وانتقائهم، ما يعزز فكرة الارعاب منهم وعنهم، وهذا ما انعكس على كراهية العالم لسلوكيات وثقافة هؤلاء وترجمة هذا كله في عمليات إرعاب في أوروبا، واستثناء اسرائيل وأميركا وروسيا وتركيا وإيران منها.. لتوكيد ان ((داعش)) ما هي إلا سيف للايجار.. ويؤكد أكثر ان ثقافة هؤلاء الدينية لم تأتِ من فراغ بل من أمهات كتب التراث التي تضج بتناقضات ليس مع روح الاسلام السمحة فقط، بل تناقض بعضها بعضاً.. وتجد التناقضات دائماً مشايخ وعلماء دين، ومفكرين وقادة ميليشيات مسلحة للترويج لها.. وهذا ما يفسر نشوء عشرات الميليشيات كالفطر من دون ان ننسى الجموح الشخصي والسلطوي والوجاهة والدعم العربي الأعمى والجاهل لها كل في جهازه الأمني الخاص..

انه أخطر انواع او مراتب الإحباط السني.. الذي انعكس على سنّة لبنان وهم يرون ان جماعات السنّة المقاتلة الجدية والمضحكة (كحركة أحمد الأسير) يحاكمون ولا يحاكمون، بعضهم يسجن من دون تهمة، وبعضهم لا يحاكم، وبعضهم تنتهي مدة محكوميته ولا يخرج.. وأهالي هؤلاء من السنّة طبعاً يتلقون كل فترة وعوداً من سياسيي السنة بإطلاق سراحهم، وتمضي الوعود كما السنون كما المراحل كما هي انتخابات 2018 ولا يخرج أحد من أبنائهم او أشقائهم او آبائهم من السجون.

ويعيش سنّة لبنان (كما العروبيون..)  غيبة رسمية عربية حقيقية عن لبنان، كما عن فلسطين كما عن سورية في تفرغ كامل لمنازلة ايران عبر معادلة جديدة هي شراء دونالد ترامب لمواجهة ايران، وترصد المملكة العربية السعودية 450 مليار دولار لهذا الغرض...

إحباط آخر يعيشه السنّة الذين راهن بعضهم حزبياً او عاطفياً على دور تركي يدعمهم فإذا بطيب أردوغان يلبس جموح عودة السلطان العثماني كما كان في مرحلة الاحتلال العثماني - ويبيع الشعب السوري من أجل مصالح بلده مع روسيا، ويدخل في نزاع علني – ابتزازي مع أهم حاضرتين للعرب (السنّة) وهما مصر والسعودية، ويظهر نفسه مرشداً للاخوان المسلمين الذين يعملون ضد هذين البلدين العربيين اللذين انصرفا بنسبة مئة بالمئة لهمومهما الداخلية والتهديدات المصيرية.

بعد هذا

أي أمل بقي كي يعيشه سنّة لبنان ويخطىء من يظن انها مشكلة سعد الحريري وحده.. او أنه سببها الوحيد.

 

الوسوم