بيروت | Clouds 28.7 c

أم على قلوب اقفالها..؟! / بشير وبشار: كم هما متشابهان؟! بقلم: محمد خليفة

 بسبب المحنة التي يعيشها الشعب السوري صار حساساً جداً إزاء أي تطور سياسي أو ديبلوماسي, يعيد لبشار الأسد الشرعية التي جرده منها بكلفة غالية بلغت مليون شهيد.

وبهذه الحساسية المفرطة والمبررة تلقى خبر زيارة حاكم السودان لشقيقه بشار حاكم دمشق وضواحيها, فشعر بألم طعنة غادرة جديدة في ظهره.

غير أن النظرة العميقة للزيارة بعيداً عن الحساسية  تنبىء بأن الزيارة لا تسجل أي نقطة لصالح الأسد, أو لصالح ضيفه. فهي حركة سياسية بالغة السخف والتفاهة بكل المعايير, وتخدم في الواقع معارضي الاثنين وأعدائهما معاً. وربما كان علينا ((شكر)) البشير لمغامرته  بهذه الزيارة التي تدين الضيف والمضيف, والوسيط بينهما, وهو هنا العراب الروسي الذي قدم طائرة حربية لنقل زبونه الجديد الى معقل زبونه القديم!

عمر البشير أحد أكثر حكام العالم سخفاً وابتذالاً, بمعايير الأداء  السياسي المجردة, منذ أن استولى على السلطة بانقلاب عسكري قبل 29,6 عاماً, وأحد.

استهل عهده بمجزرة مشهودة, أعدم فيها ثلاثين ضابطاً من قادة الجيش السوداني, ثم كرس شرعيته بإعلان ((حرب دينية مقدسة)) على جزء من شعبه المفترض, بجريمة أنهم ((كفار)) دون تفكير بعواقب ما يفعل, وهو المتخرج من مدرسة الاخوان المسلمين, قبل أن يتمرد عليهم, ويحبس شيخه وشيخهم حسن الترابي مراراً, مقتفياً خطى حافظ الاسد الذي تمرد عام 1970 على حزب البعث أيضاً واعتقل جميع قادته, وطارد الهاربين منهم الى الخارج, واغتال معظمهم!

عمر البشير الاخواني الانتهازي الذي أعلن الجهاد ضد الجنوبيين وحشد التنظيم الدولي الاخواني لدعم حربه الجهادية ضد المسيحيين من شعبه, هو نفسه البشير الذي وافق على إنفصال الجنوب بيسر وسلاسة, وجرأة لم تتوفر لأي زعيم سوادني قبله!

ولكي لا ننسى فالبشير مجرم دولي رسمياً مثله مثل بشار, اقترف جرائم إبادة بشعة بحق شعبه في الجنوب والغرب فأصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرة توقيف بحقه منذ 2008, فغدا أول رئيس في العالم (WANTED) هارباً من وجه العدالة ومنبوذاً, ولا يمكنه زيارة معظم دول العالم خوفاً من الاعتقال باستثناء روسيا والصين وبعض دول أفريقيا والعرب, وهو من شدة جبنه وخوفه ((كشقيقه بشار!)) طرق أبواب الكرملين وتوسله أن يقيم قواعده في بلاده. ثم طرق أبواب السلطان التركي طالباً دعمه ضد مصر مذكراً بماضيه الاخواني! علماً أن البشير ما زال يقيم علاقات وثيقة مع ايران, رغم تمثيلية تحجيم العلاقات معها, إرضاء للسعودية والامارات, طمعاً ببعض المساعدات!

 وأما آخر الأمثلة على ابتذاله السياسي وخيانته, فهو التطبيع مع اسرائيل, وأولى الخطوات سماحه بمرور طيرانها في الاجواء السودانية, وهو الذي كان قبل سنوات يسمح للإيرانيين بتهريب اسلحتهم الى غزة عبر البحر الأحمر.

البشير سياسي لا تحكمه الأخلاق, سمح لكارلوس باللجوء الى بلده, ثم ابرم صفقة دنيئة جداً مع الفرنسيين وسلمه لهم. وكاد أن يكرر الصفقة نفسها مع  بن لادن, منحه حق الاقامة وحصل منه على عشرات ملايين الدولارات, ثم أخذ يساوم الاميركيين والسعوديين على رأسه, فهرب بن لادن الى افغانستان!

 وفي سجله أنه أكثر رئيس سوداني ناكف مصر وتآمر عليها. استقبل في بلاده أكثر عصابات الاسلام تطرفاً, وساعدها على محاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك. ثم انحاز الى اثيوبيا في نزاعها المائي مع مصر, وما زال أقرب اليها حتى الساعة.

 ودعا اردوغان لبلاده واستقبله بطريقة مهرجانية ومنحه موقع قدم قرب قناة السويس ليبتز مصر والسعودية معاً!

علاقاته بالقذافي مثال آخر, كان يتكسب منه ويتعيش على معونته وفي الوقت نفسه كان يتآمر عليه مع الاخوان الليبيين, وتباهى بعد سقوط القذافي بتقديم السلاح الى مناوئيه عبر أراضيه ومن مخازن جيشه! .

كل هذه الخلفية مقدمة للسؤال: لماذا يزور حاكم السودان المنبوذ بشار الأسد وهو معزول ومنبوذ أكثر منه في العالم..؟

البشير بهلوان يدور كالمروحة السريعة, ومحوره الثابت الوحيد هو الكرسي, وفي سبيله مستعد للانقلاب يميناًً ويساراً, وعلى قفاه! في حزيران/ يونيو القادم سيحتفل بالذكرى الثلاثين لجلوسه على خازوق السلطة, وعينه مصوبة على هدفين لا ثالث لهما. أولهما التخلص من الملاحقة القضائية الدولية, والعقوبات الاميركية والغربية.

وثانيهما التجديد لنفسه في الحكم في مسرحية انتخابات عام 2020.

وفي سبيل الهدفين يحاول البشير الرقص على حبال جديدة. يسعى لإسترضاء واشنطن لترفع العقوبات عنه مقابل تنازلات سخية لإسرائيل.

 زيارته لدمشق جاءت استجابة لطلب مزدوج من بوتين اللاعب القوي الجديد في الشرق الأوسط, وايران ثمناً لعودته الى حضنها,  وهي تندرج في خطة مزدوجة للطرفين لتشجيع آخرين ((تتملكهم الرغبة الجامحة, ولكنهم يترددون بتأثير الخوف والخجل))!.

وفي الوقت نفسه يحاول البهلوان السوداني وحليفه الايراني ابتزاز السعودية ودولة الامارات والضغط عليهما.

باختصار إنه يمر في حالة انقلاب جديد على نفسه, وتقلب بين المحاور الاقليمية والدولية. والبشير لكي لا ننسى راقص يجيد الرقص على الواحدة والنص.. وكم رقص في المناسبات العامة وتمايل مع عصاه التي يتوكأ عليها, وله فيها.. مآرب آخرى !

مثل هذين ((بشير أو بشار))  من قال الرسول الكريم فيهما ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت)).

لكل ذلك فالبشير يستحق في الواقع ((التهنئة)) لا الشجب, لزيارته الى سفاح دمشق بشار, لأنها زيارة تقيم الحجة على الاثنين وتثبت أنهما من فصيلة واحدة, إنهما مثل حماري وحش. أحدهما أسود مخطط بالأبيض, وثانيهما أبيض مخطط بالأسود, وكلاهما يليق بالآخر!

 

الوسوم