بيروت | Clouds 28.7 c

رفيق الحريري و حسن نصرالله أكثر اللبنانيين تأثيراً في العرب/ كتب حسن صبرا

كان خصوم الشيوعيين في لبنان يتندرون بمقولة انه اذا أمطرت السماء في موسكو إيام الاتحاد السوفياتي، فإن الشيوعيين يحملون مظلات واقية للمطر في لبنان.

وتشكلت في لبنان أحزاب ومنظمات وحركات ناصرية تتابع بأدق التفاصيل الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والفنية في مصر، بأكثر مما تتابع وقائع الحياة الشاملة في لبنان.

وفي لبنان انتسب شباب من مختلف الطوائف لحزب ((البعث)) ومال بعضهم الى ((بعث)) سورية وآخر الى ((بعث)) العراق، وأقلية الى ((بعث الراية)) أو((بعث)) صلاح جديد، كما لصفوف شكلت خلايا ضيقة وصغيرة لقادة بعثيين تخلوا عن قياداتهم القطرية والقومية في سورية والعراق.

كانت رايات دول عربية وأجنبية تلقى احتراماً في لبنان أكثر من ذلك الاحترام المفقود للراية الوطنية اللبنانية، وكان البعض يقف لنشيد دولة أجنبية ويهزأ من نشيد وطنه، بل ويطلق البعض سخرية لقب القرنبيطة على الأرزة اللبنانية التي تتوسط علم لبنان المجيد.

كان شعار حزب النجادة ((بلاد العرب للعرب)) وتحية السوريين القوميين: تحيا سورية، وكانت صور غيفارا وكاسترو وماو تسي تونغ ولينين أثيرة لدى شباب اليسار، كما صور جمال عبدالناصر ومعمر القذافي وصدام حسين وأحمد بن بلة محببة للقوميين، وكان حب المسلمين اللبنانيين لجمال عبدالناصر يجعل صوره تزين جدران منازلهم ومكاتبهم ودكاكينهم وشوارعهم في مختلف المناسبات.. وكان حقاً معشوقهم الأثير (وما زال).. حتى ان جواز مرور بعض السياسيين الى قلوب لبنانيين هو صورة مع جمال.

حمل كمال جنبلاط وسام لينين وكان الثاني في وطن العرب الذي يحمل هذا الوسام بعد جمال عبدالناصر، وأحب الموارنة فرنسا حتى أصبحت الأم الحنون، فلما جاء ديغول ووقف مع قضايا العرب بعد هزيمة 67، رفع المسلمون صوره وعلقوها على جدران بيروت الغربية.

كان لبنان كله مختبر الأفكار والتيارات السياسية والثقافية وكان زعماء العرب يتسابقون ليكون لهم حضور سياسي في لبنان من خلال صحافته التي تبارت في إظهار ولائها وارتباطاتها بهذا النظام او الزعيم او الحزب.. العربي.

وعندما بدأت المقاومة الفلسطينية توزع اللبنانيون بين من اعتبرها قدس الأقداس وبين من رأى فيها رجساً من عمل الشيطان، واستقبلها المسلمون، خصوصاً أبناء الجنوب استقبال الفاتحين وسار في جنازة أول قتيل لبناني في صفوف المقاومة الفلسطينية في أغوار الأردن خليل عزالدين الجمل أكثر من ربع مليون لبناني، وقرعت أجراس كنائس عاريا المارونية تحية لموكبه في لحظة خشي فيها المحامي المقاصدي شفيق الوزان (الرئيس) من توقف موكب تشييع الجمل القادم من الأردن عبر سورية من كمين ينصبه حزبا الكتائب والوطنيين الأحرار للموكب كما كان يحصل مع مواكب المسلمين اللبنانيين التي كانت تقصد دمشق لتحية جمال عبدالناصر عندما كان رئيساً للجمهورية العربية المتحدة.

آلاف الشباب اللبناني قضى من أجل فلسطين، من بين عشرات آلاف المتطوعين في صفوف منظماتها التي كانت لها السلطة في مناطق المسلمين لسنوات..

قبل ان تؤول السلطة لنظام حافظ الأسد ووريثه التي استنـزفت جرائمهما دماء آلاف آخرين من كل طوائف ومذاهب لبنان.. وما تزال.

انها عشرات الوقائع التي عايشها اللبنانيون بين العاطفة وإراقة الدماء من أجل ولاءات عربية بل وأجنبية.

غير ان هذا كان في زمن مضى.. فما عاد لمصر أي تأثير في لبنان  بعد غياب جمال عبدالناصر وانقلاب أنور السادات على نهجه.. وتخلى السعوديون تدريجياً عن لبنان ومسلميه بعد رحيل الملك فهد بن عبدالعزيز، وما عاد للعراق وليبيا أي دور في لبنان، رغم حب كثير من أبناء لبنان لصدام حسين ومعمر القذافي.. وألزمت جرائم وفظائع آل الأسد كثيراً من اللبنانيين بموقف كاره للعروبة..

وما حصل بعد ذلك هو الانقلاب غير المكتمل في ولاءات اللبنانيين، التي تراجعت فيها العروبة مباشرة الى الطائفية والمذهبية، وما استقرت او ترسخت في الوطنية، وهي في أضعف حالاتها لأسباب يطول شرحها.

والمذهبية لم تكن فقط عصبية محلية ذات خصوصية لبنانية، بل لعلها وبسبب كونها مرجع انتماء للبنانيين بطوائفهم ومذاهبهم، باتت ذات شمولية اسلامية بعد ان انقرضت او كادت ولاءات اليسار لموسكو او بكين، لماو او لغيفارا، لنيكاراغوا او لأليندي في تشيلي!!

وها هو أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بطل المقاومة ضد العدو الصهيوني في العام 2006، يجتاح مشاعر العرب والمسلمين في كل مكان وباتت صوره توزع هدايا مع الصحف وفي المكتبات في مصر، يرفعها سائقون في سياراتهم كما في سورية والعراق والجزائر وتونس والسودان وغزة ورام الله وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948.

واذا كان رفع صوره في شوارع ايران وفي العراق تعبيراً عن مشاعر مذهبية، فهي سابقة فريدة في بلاد فارس، ونادرة في العراق تقريباً لكنها في شوارع مصر سابقة أكثر فرادة لأن مصر اعتادت ان تكون مصنعاً للرجال الذين يؤثرون بالعرب والعالم كما هو حال بطل القومية العربية وشعوب آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية جمال عبدالناصر، أما ان يكون بطلها هو حسن نصرالله فهو توكيد لعمق الحنين الى عصر جمال عبدالناصر بصفته بطل مقاومة اسرائيل، وكان حسن نصرالله عند المصريين البطل الذي هزم اسرائيل عام 2006، وقد رأى فيه كثير من المصريين الرجل الذي لقن الاسرائيليين درساً لم ولن ينسوه ابداً.

وفي سياق آخر ضمن الموضوع نفسه، كان أمراً لافتاً جداً في مصر ان يتم افتتاح حسينية في مدينة 6 اكتوبر المصرية برعاية الشيخ اللبناني علي كوراني، وقد نشرت الصحف المصرية افتتاح هذه الحسينية، في مرحلة الفوضى التي عاشتها البلاد بعد استقالة الرئيس حسني مبارك في 18/1/ 2011. (اقفلت بعد فترة وجيزة علناً، ولا يعرف اذا كان هناك ممارسة سرية في أمكنة أخرى لطقوس الحسينيات).

ومصر التي تعيش الثقافة الاسلامية الفاطمية وتقديراً كبيراً لأهل البيت عند كل المصريين المسلمين، حتى عند غلاة السلفيين الممولين والصاعدين من ثقافة ومال الوهابية السعودية، لم يسبق لها ان عرفت العصبية الشيعية مكاناً لها او ترويجاً لأفكارها في أرض الكنانة.. فإذا قيل للمصري بأن التشيع هو الولاء لأهل بيت النبي، رد عليك حاسماً اذن نحن كلنا شيعة، ولن تجد عشقاً لأهل البيت في أي مكان كما هو في مصر عند المصريين.

 

الدروز

وفي حالة مذهبية أخرى، انقلبت الصورة من ولاء دقيق في نفوس دروز لبنان نحو سلطان باشا الأطرش، فأصبح ولاء دروز لبنان وسورية وفلسطين عميقاً لزعيم دروز لبنان وليد جنبلاط، يلتزم كثيرون منهم توجيهاته بعدم انخراط الدروز في صفوف الجيش الصهيوني، ويلتزم دروز سورية بعدم القتال مع عصابات الأسد ضد الشعب السوري، ويتجاوب دروز لبنان مع هذه العصبية لتبايع وليد جنبلاط كما لم يبايعونه من قبل.. على الرغم من انه آثر افساح الطريق لنجله تيمور في الوراثة المتعسرة لأسباب ليس موضوعها الآن.

 

أما السنّة

فقد كان الولاء الاسلامي العام في لبنان للقوى الأقرب جغرافياً، خصوصاً نحو سورية التي كانت حضن العروبة منذ عصر الأمويين، بل هي حضن لكل المسلمين في دار الاسلام كما هو توصيف بلاد المسلمين مقارنة بدار الحرب أي ديار غير المسلمين.

وعندما خرج انطون سعادة بنظريته الجغرافية لسورية الطبيعية وأنشأ لها حزباً سياسياً – عقائدياًَ – ثقافياً، تأثر كثير من المسلمين بدعوته (سنة وشيعة ودروزاً) فضلاً عن الأرثوذكس وبعض الموارنة (اختار بعض الموارنة حزب الكتائب معبّراً عنهم قبل ان يصعد نجم بطريرك الموارنة السياسي كميل شمعون..) غير ان الانفضاض الاسلامي عن الحزب السوري القومي بدأ وتصاعد مع جمال عبدالناصر، الذي امتدت جماهيريته من المحيط الى الخليج وما زالت الأحزاب التي تدّعي وصلاً به موجودة، خصوصاً في مصر وسورية واليمن ولبنان وحالات في بلدان أخرى، لكن الحنين الى عصره موجود في كل ديار العرب.

نعم،

تأثر المسلمون عموماً والسنة خصوصاً بصعود المقاومة الفلسطينية ضد اسرائيل، لكن معاناتهم من ممارسات منظماتها ثم من سلوكيات آل الأسد واستخباراتهم في لبنان جعلت اللبنانيين المسلمين أشد الناس خصومة لهاتين الجهتين العربيتين (الفلسطينية والسورية) وهم الذين أخرجوا عصابات الأسد من لبنان بعد اغتيالهم رفيق الحريري في ذروة الاجرام الذي عاشه لبنان تحت سيطرتها خلال 30 سنة.. من دون ان تنتعش للحظة حالة حنين لعصر سيطرة المنظمات الفلسطينية على مناطقهم ولم تستمر لأكثر من 7 سنوات (1975 – 1982) حين اعتبرهم المسلمون جيشهم في مواجهة جيش المسيحيين سابقاً.

هنا،

يسجل لرفيق الحريري انه أول لبناني (مسلم سني) جذب اهتمام العرب من المحيط الى الخليج الى شخصيته، ووجد عندهم معجبين به يملك الكاريزما والسمعة والمكانة العربية والدولية والاحترام الكبير، وتمنى عرب كثيرون ان يكون في بلادهم رجل مثل رفيق الحريري.

وفي احدى نوبات النفاق لدى رستم غزالي يقسم هذا الضابط السوري للرئيس رفيق الحريري بأنه لو ترشح رئيساً في سورية لفاز بأعلى الأصوات، وان والدة رستم ستكون أول من ينتخبه!!

تأثرت مصر تحديداً برجالات الثقافة العربية من موارنة لبنان كما الاعلام المصري وتدين جريدة ((الأهرام)) الأهم في تاريخ مصر طيلة أكثر من مئة عام لمؤسسيْها من آل تقلا وفتحت مصر أبوابها للمبدعين اللبنانيين (والعرب) من آسيا داغر (ابنة تنورين) المنتجة والممثلة الى نور الهدى (الكسندرا بدران ابنة زحلة) وابن طرابلس عبدالسلام النابلسي، وابنة وادي شحرور صباح (جانيت فغالي) وابنة بيروت نجاح سلام وابن كفردونين في الجنوب محمد سلمان وابن طرابلس محمد جمال وابنتا تنورين نزهة وهيام يونس ومحمد الكسار ومحمد مرعي..

مصر نفسها تأثرت شعبياً واعلامياً وثقافياً برفيق الحريري وحسن نصرالله.. وكانت لأول مرة في تاريخها متأثرة سياسياً بما جاء في لبنان.. بعد التأثر الثقافي – الفكري – الفني.

 

 

 

الوسوم