النُّصيريَّة.. مِن سامراء إلى قرداحة / رشيد الخيون - الشراع 25 كانون الأول 2024
السيد صادق الموسوي يجيب على سؤال قراء عن اسباب صمت ايران على الهجمات الصهيونية على مواقعها في سورية
مجلة الشراع 15 تشرين ثاني 2021
إيضاح للحقيقة
مقدمة أشكر الأخ العزيز الأستاذ حسن صبرا الذي يهمه نشر بيانات أهل الرأي مع اختلاف وجهات نظرهم كي يتمكن القارئ من الوصول إلى الحقيقة من بين التحليلات المختلفة والاراء المتعددة، وهذا يحتاج إلى أفق واسع في التفكير وصدر رحب لقبول مختلف المواقف والآراء، فله مني التقدير لامتلاكه هذه الميزة الجليلة.
ومن جهة ثانية أشكر القراء الذين يدققون في المقالات التي أكتبها ويتفاعلون مع النصوص ويناقشون ما يرد فيها ويطرحون الأسئلة حول المعلومات والتحليلات التي أوردها في مقالاتي المتعددة في الموضوعات المختلفة.
- وليس المهم أن تكون جميع الردود موافقة لوجهة نظري، لأني لست معصوماً من الخطأ ولا أدعي اطلاعي على عالم الغيب حتى تكون مواقفي كلها تنبع من الكتاب المكنون، وأن تصيب تحليلاتي دوماً كبد الحقيقة، بل إني أستند إلى قراءاتي للواقع ومتابعاتي للأخبار وتجاربي في مختلف الحقول والمجالات طوال أكثر من نصف قرن، وقربي من مصادر القرار في إيران منذ ما قبل انتصار الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني الراحل، وإني أعتز بكل صاحب رأي يزيدني علماً إلى علمي ويُغنيني بالمعرفة التي أعشقها وأبحث دوماً عن المزيد منها.
أما بالنسبة إلى السؤالين الذين وُجّها إلي تعليقاً على ما أوردته في مقالي السابق تحت عنوان
من قارئين عزيزين حول الإستهانة بالقوة العسكرية الأمريكية والمبالغة في إظهار القوة والهيمنة الإيرانية، وأيضاً عن سبب عدم وجود رد إيراني على الغارات الصهيونية على المواقع العسكرية التابعة لها قي سوريا فأقول:
أولاً إن تراجع موقع الولايات المتحدة الأمريكية وفقدها لهيبتها في نظر العالم أمران واضحان لكل من يتابع قليلاً الاخبار ويرصد التطورات.
فروسيا التي تراجع حضورها في الساحة الدولية لسنوات بعد انهيار الإتحاد السوفياتي وتفكك منظومة الدول التي كانت تدور في فلكها فقد استعادت موقعها بالكامل، وهي تناطح الولايات المتحدة وتنافسها بل وتصدّها عن تحقيق أمانيها في حالات كثيرة.
وأما الصين التي أصبحت اليوم مارداً يهدد أمريكا إقتصادياً وتضاهيها تقريباً عسكرياً وتعرقل على الساحة الدولية بالتنسيق مع روسيا كثيراً من طروحات الإدارات الأمريكية، وتجهض مشاريع سادة البيت الأبيض.
إضافة إلى إتجاه الإتحاد الأوروبي للعمل بمعزل عن الولايات المتحدة في الساحة الدولية شيئاً فشيئاً والإستقلال عنها.
وكل هذه الوقائع،
جرّأت رئيس وزراء كندا التي كانت في السابق تابعة للسياسة الأمريكية إلى حد كبير وحديقة خلفية لها ليخرج عن التبعية الكاملة ويتحرك بقليل من الحرية في سياساتها.
وفنزويلا التي بذل الرئيس الأمريكي السابق كل طاقته من أجل الإطاحة برئيسها مادورو، واستعمل لذلك الحصار الإقتصادي الخانق، واحتضان منافس مادورو والإعتراف به رئيساً شرعياً للبلاد، وتقديم رشاوى بمبالغ كبيرة من الأموال لكل من يتخلى عن الرئيس، وأخيراً إرسال مرتزقة لعلهم يتمكنون من اغتيال الرئيس الفنزويلي، لكن عهد ترامب ولّى ومحاولات إسقاط النظام في فنزويلا كلها فشلت.
وفي سوريا التي قدّر الحلف الغربي ـ العربي أن نظامه سيسقط خلال أيام معدودة، وتمت الإستعدادات الكاملة لإقامة النظام البديل، وتمّ طبع جوازات السفر وطوابع البريد، وأعطي مقعد سوريا في الجامعة العربية والقمة العربية لممثل من الأحزاب المعارضة، لكن كافة المحاولات فشلت، وبدأت عودة العلاقات إلى طبيعتها من قبل الذين كانوا الممولين الأساسيين للمجموعات التكفيرية في سوريا وها هو السفير الأمريكي السابق في دمشق يقرّ قبل أيام قليلة صراحة بهزيمة أمريكا وانتصار بشار الأسد.
وفي لبنان حيث يجاهر الجميع بخسارة الولايات المتحدة والدول السائرة في فلكها والإعتراف بقوة الفريق المتعاون مع إيران، حتى أن دول الخليج أخلت الساحة كلياً وانكفأت عن لبنان مُقرّة بفشل الولايات المتحدة وحلفائها في لبنان بكل صراحة ووضوح.
وفي العراق التي احتلته الولايات المتحدة وحلفاؤها واستقرت فيه وبنت القواعد العسكرية المتعددة وصرفت مئات المليارات وسقط لها مئات القتلى هناك، لكنها اضطرت إلى الإنكفاء عنها والإقتصار على عدد محدود من المستشارين العسكريين، وكثير من الأطراف العراقية تعمل بجد لطرد هؤلاء المستشارين أيضاً من بلادهم، فيما الحضور الايراني يتجذر يوماً بعد يوم رغم كل المحاولات للحد من نفوذ الجمهورية الإسلامية هناك، ولقد أعلن قبل فترة وجيزة الغاء التأشيرات بين العراق وإيران كما بين إيران وسوريا كما بين إيران ولبنان كما بين إيران وتركيا، ما يسهل كثيراً التواصل بين المواطنين ويعزز أجواء الوئام بين شعوب هذه الدول.
وفي الساحة الفلسطينية فقد استعادت إيران العلاقة كاملة مع " حماس " بعد فترة من الإنقطاع تقريباً، وكانت العلاقة مع " منظمة الجهاد الإسلامي " وكثير من الأطراف الفلسطينية متينة طوال تلك الفترة، لكن الحلقة الواحدة التي تفلتت لفترة قصيرة قد عادت لتكمل السلسلة الفلسطينية المتعاطفة مع الجمهورية الإسلامية في إيران.
أما في اليمن التي توهم كثيرون أن المعركة فيها لا تستغرق سوى أيام، وكانت قيادة غرفة العمليات العسكرية فيها بيد الولايات المتحدة بصورة كاملة، واستُعمل فيها مختلف أنواع الأسلحة الحديثة والمتطورة والفتاكة، وساندت سياسياً الرئيس السابق عبد ربه منصور واعتبرته رأس السلطة الشرعية في البلاد، في وقت لم يتمكن هو وحكومته من الحضور يوماً واحداً إلى أرض اليمن والإقامة فيها، ويسكن هو وفريقه بصورة دائمة في العاصمة السعودية الرياض زاعمين إدارة الدولة في اليمن من هناك؛ لكن الولايات المتحدة الأمريكية أيقنت باستحالة الإنتصار في الحرب فصارت تبحث عن أية وسيلة لإنهائها، وكان التسليم بقوة أنصار الله.
ونرى في السفرات المتكررة لممثل الأمم المتحدة في اليمن إلى طهران لمناقشة الوضع فيها مع المسؤولين الإيرانيين أكبر دليل على قوة التأثير الايرانية في المنطقة.
وفي أفغانستان أيضاً شاهد العالم كله اندحار أمريكا ومن معها على عجل تاركة وراءها أحدث السلاح والعتاد وتسليم البلاد لحركة طالبان التي حاربوها بكل ما أوتوا من قوة لأكثر من عقدين من الزمن، وصارت حركة طالبان تتعامل مع الجمهورية الإسلامية بكل ودّ مصرّة على التعاون معها في مختلف الميادين بعكس ما كانت تتصرف في الفترات السابقة.
- بعد هذا هل نحتاج إلى دليل آخر لإثبات ضعف الولايات المتحدة ومن ثم الإستخفاف بها وبيان قوة إيران الحقيقية وهيمنتها ؟.
أما المبالغة في القوة والهيمنة الإيرانية فقد نردّ عليها بمحاولات الدول التي راهنت كثيراً على القوة العسكرية والسياسية الأمريكية لمواجهة القوة الإيرانية لكنها اليوم تحاول تصحيح العلاقة مع طهران والإتصالات والزيارات والمفاوضات خير دليل على القوة الايرانية، وفيما ذكرنا آنفاً دليل كافٍ على " الهيمنة الايرانية " كما يصفون.
- أما التعامل الإيراني مع الكيان الصهيوني فله أسلوب خاص والصراع معه متعدد الجوانب، حيث بُذلت جهود كثيرة كي يتم الحيلولة دون وصول إيران إلى حدود الكيان الصهيوني، وإبقائها بعيدة جغرافياً عن حدود فلسطين المحتلة؛ لكن إيران اليوم تحيط مباشرة أو من خلال حلفائها بالكيان الغاصب من جهة الشمال أي من الحدود اللبنانية حيث يقع الصهاينة دوماً تحت تهديد عشرات آلاف الصواريخ البالستية الذكية والتي يصل مداها لتشمل كامل مساحة الكيان المحتل، وفي لحظة واحدة يمكن أن تنهال آلاف الصواريخ دفعة واحدة على رؤوس المستوطنين وقيادات الكيان وتخترق حصونهم وتدخل إلى ملاجئهم أيضاً.
وفي الجنوب أيضا تملك فصائل المقاومة الفلسطينية المتحالفة مع إيران آلاف الصواريخ والتي استطاعت الوصول إلى أوكار الكيان الغاصب في المواجهات السابقة والفصائل بالتأكيد قد طورت في الفترة الماضية أسلحتها وملأت مخازنها بمساعدة إيران، وهي التي أعلن قادتها بكل صراحة أن أي اعتداء على الجمهورية الإسلامية في إيران يعني إعلان الحرب على المقاومة الفلسطينية نفسها وهي ستدخل المعركة جنباً إلى جنب مع إيران وباقي المشاركين في محور المقاومة.
أما في سوريا فإن الكيان الصهيوني قد بذل كثيراً الجهود ليكون الشريط المحاذي لحدوده في أيدي الجماعات التكفيرية، وهو لأجل ذلك قدم خدمات صحية وعسكرية ومالية كبيرة للتنظيمات المسلحة تلك على أمل أن تقوم بحمايته بعد أن يئس من الإطاحة بالنظام في دمشق، لكن الواقع على الأرض خيب أمل الصهاينة وصار الشريط المحاذي للجولان المحتل مقراً للمجموعات المقاومة سواء حزب الله أو غيره، وأصبح الهم الأساسي للكيان الغاصب طرد هذه القوة من تلك المنطقة وقام لأجل ذلك بعمليات اغتيال عديدة بالصواريخ إستناداً إلى معلومات قدمها العملاء، لكن ذلك الهدف لم يتحقق، بل إن المنطقة المقابلة للجولان المحتل يسيطر عليها الآن نخبة من الجيش السوري بالتعاون مع المستشارين العسكريين الإيرانيين والمجاهدون في حزب الله والتنظيمات المتحالفة معها، وصار همّ الكيان الصهيوني العمل للتغطية على فشله الذريع في خططه السابقة وذلك بشن غارات جوية على مناطق بعيدة كلياً عن ساحة المواجهة واستهداف مواقع غير ذي أهمية أو خالية من المقاتلين والقول بأن تلك الغارات أوقعت قتلى وجرحى في صفوف الإيرانيين والمتحالفين معهم، علماً بأن من يسقطون في سوريا سواء من حزب الله أو الإيرانيين وغيرهم يتم تشييعهم بصورة علنية سواء في لبنان أو إيران ولا تجد القيادات حرجاً في الإعلان عمن يسقط من الأفراد وخاصة في إيران حيث انتهت الفترة التي كانت المشاركة الايرانية مبطنة لأن شعار " الدفاع عن الحرم " قد جمع حوله الآلاف من عشاق أهل البيت عليهم السلام وهم على استعداد لبذل الدماء لحماية المقامات المتعلقة بأهل البيت في عموم سوريا وخاصة مقام السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام، لكن وسائل الإعلام المتواطئة مع الصهاينة تحاول الإيهام بحصول انتصارات من خلال التعامل مع المزاعم الصهيونية على أنها معلومات حقيقية ومؤكدة، وبالنتيجة يسألون عن سبب عدم الرد على الهجمات الصهيونية من جانب إيران.
ثم إن العالم اليوم لم يعد يستند كثيراً في الحروب على المواجهات التقليدية بل إن أهم المواجهات وأكثرها تأثيراً تتم عبر الحرب السيبرانية والإلكترونية، وفي هذا المجال تواجه الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يومياً عشرات الهجمات على مواقعهما الحساسة من قبل إيران وحلفائها، وتتم السيطرة على أهم المواقع العسكرية والأمنية الحساسة في البلدين وسرقة المعلومات الهامة والسرية المحزنة عليها، وهذا أخطر ما يواجهه الكيان الصهيوني في الوقت الحاضر ،حيث لا يمكنه إخفاء أية معلومة صغيرة أو كبيرة عن الإيرانيين والمقاومة الإسلامية، حتى أن الهواتف النقالة للكبار المسؤولين الصهاينة والأمريكيين أصبحت مخترقة من قبل الجمهورية الإسلامية وحزب الله، فهل بعد هذا يمكن القول:
- لماذا لا ترد إيران على الغارات الصهيونية على سوريا ؟.
وأخيراً،
لا بد من التحذير من تصديق ما تُشيعه وسائل الإعلام الصهيونية والإستعمارية، فإن الحرب الإعلامية هي التي تسبق دوماً الحرب العسكرية من أجل تحضير الأجواء وتثبيط الهمم وإضعاف النفوس، وأثناء الحرب يكون دور الإعلام تحويل الهزيمة إلى نصر، وبعد انتهاء الحرب يقوم الإعلام بالإضاءة على البطولات والإنتصارات؛ فلا تكونن أبواق الصهاينة والمتعاونين معهم وسيلة لبثّ الشكوك وإضعاف النفوس وإشاعة الخلافات وخلق الشقاق ليسهل بعد ذلك غزو البلاد واحتلال الأرض من دون مواجهة تُذكر أو مقاومة حقيقية.
وكم مرة خسرت أمم الحرب في الميدان بفعل التأثر بالإعلام المعادي، وكم مرة كان النصر حليف أمم عرفت كيف تعكس الوقائع في الإعلام لتنال النصر وتهزم الأعداء، ولذلك يحذر الله سبحانه في كتابه المسلمين بشدة من إذاعة ما يبثّه الأعداء وتصديق أي خبر قبل التثبت من حقيقة الأمر بقوله:
( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله ورحمته لاتّبعتم الشيطان إلاّ قليلاً ) صدق الله العلي العظيم.
السيد صادق الموسوي