بيروت | Clouds 28.7 c

كشف حقيقة القاديانية / بقلم الشيخ أسامة السيد

كشف حقيقة القاديانية / بقلم الشيخ أسامة السيد

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:((كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهَون عن المنكر وتؤمنون بالله)) سورة آل عمران.

وعن أبي سعيدٍ الخُدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرًا فليُغيِّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم.

لقد أمرنا الله ورسوله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رغبةً في نشر الخير والفضيلة وحرصًا على إنقاذ العباد من الفساد وعدم تفشي الرذيلة في المجتمعات، لأن الناس إذا رأوا المنكر فلم يُحذّروا ويُنبّهوا إخوانهم عمَّ الشر وانتشر وزاد، وما أكثر الانحراف والضلال في هذه الأيام. وما زال المفسدون قديمًا وحديثًا يخرجون كل مدةٍ ببدعة سيئةٍ تُناقض القرآنَ والحديثَ والإجماعَ ولا بد للناس في كل زمانٍ من ناصحين يرشدونهم ويبينون لهم الصواب وطريق السلامة الموافق لما أوحى به ربنا تعالى إلى أنبيائه الكرام، قال الله تعالى: ((قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرةٍ أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين)) سورة يوسف. والمعنى أنه يدعو إلى دين الله ويبيّن للناس ما أمر به ربهم أن يعتقدوه من الحق مع حجةٍ واضحة، ويدعو إلى ذلك أيضًا من اتبعه من المؤمنين مع الدليل والبرهان وينزّه الله عن الشركاء.

 

حقيقة القادياني

وقد أوضح رُسل الله الهدى ودلُّوا الناس عليه، والعجب بعد ذلك ممن يضل وأمامه النور الذي يكشف طريق الحق فلا يسلك فيه ومفاتيح السعادة بين يديه فلا يدخل بها أبوابَ السلامة، وحيث عُلم هذا فنقول: إن الحق أحق أن يُتَّبع فكن مع الحق حيث لاح لك نوره واهتد بهداه حيث سطعت عليك شمسه، وإيَّاك أن يكون حالك كحال من قال الله تعالى فيهم: ((مثلُ الذين حُمّلُوا التوراة ثم لم يحملوها كمثلِ الحمار يحمل أسفاراً)) سورة الجمعة. والأسفار جمعُ سِفْرٍ وهي الكتُب العِظام. 

فكم ضلَّ ناسٌ بمعاشرتهم لأهل السوء وتعطيل عقولهم فقادهم إبليس وأعوانه من شياطين الإنس والجن إلى المهالك. ومن هؤلاء جماعة تسمى بالقاديانية أو الأحمدية قد استطار إفكهم وأكل كذبهم أفئدة كثيرٍ من السُذَّج بتلبيسهم وتمويههم على الناس عبر الوسائل المرئية والمسموعة الفضائية وغيرها، فرأينا الحاجة ملحَّةً لبيان بعض الحقائق ليحذر الناس من هؤلاء الذئاب الذين يلبسون جلود الضأن فأقول وبالله التوفيق: قد ظهر في أواخر القرن الثالث عشر الهجري رجلٌ من بلدة قاديان في الهند يُسمى غلام أحمد ادّعى النبوة كذبًا ولَبَّس على الناس فأخذ بعضهم بدعواه وسُمُّوا بالقاديانية نسبةً إلى بلدته، وربما أطلقوا على أنفسهم اسم الأحمدية نسبةً إلى صاحب بدعتهم الكذَّاب، وزعموا تَبَعًا لإمام طريقتهم المعوجة الانتسابَ إلى الإسلام بل زعموا أنهم صفوة المسلمين، ومنذ ذلك الوقت وهم يحاولون نشر عقيدتهم الفاسدة وبضاعتهم الكاسدة التي لا سوق لها إلا بين الرَّعاع الذين يتبعون كل ناعقٍ ويميلون مع كل ريح، فخدعوا أصحاب النفوس المريضة وتراهم مع ذلك يدَّعون الالتزام بالحق بدين الإسلام والشريعة المحمدية مكرًا وزورًا، علمًا أن مقالاتهم تُكذِّب القرآنَ صراحةً وتردُّ السنةَ النبوية المطهرة بلا مواربة.

ومن مخازيهم وما أكثرها: ادّعاء زعيمهم ومؤسس نِحلتهم غلام أحمد القادياني للنبوة كما جاء ذلك في رسالته المسماة ((تحفة الندوة)) التي وجهها سنة 1902 رومية إلى أعضاء ندوة العلماء في ((لكْهَنْؤ)) في الهند فإنه قال: ((فكما ذكرت مرارًا أن هذا الكلام الذي أتلوه هو كلام الله بطريق القطع واليقين كالقرآن والتوراة، وأنا نبيٌ ظِلِّيٌّ وبُرُوزيٌ من الله ويجب على كل مسلمٍ أن يؤمن بأني المسيح الموعود)). ولا شك أن قوله هذا ضلالٌ مبينٌ ونقضٌ لأصول الدين ومُروقٌ من الإيمان وخروجٌ من النور إلى الظلمات.

لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم

 لقد أجمع المؤمنون قاطبةً منذ أيام الصحابة الكرام على أنه لا نبي بعد سيدنا محمد وقد بشَّر عيسى وموسى عليهما السلام ومن قبلهما من الأنبياء بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم وبيَّنوا لأممهم أنه خاتم الأنبياء، فمن ادّعى النبوة بعده فهو كذَّاب كبير سواء زعم أنه نبيٌ ظِلِّيٌ أو نبيٌ مستقل، وربنا تعالى يقول في سورة الأحزاب: ((ما كان محمدٌ أبا أحدٍ من رجالكم ولكن رسُول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيءٍ عليما)) قال الطبري في ((تفسيره)): ((ولكنه رسول الله وخَاتَم النبيين الذي خَتَمَ النبوة فطَبَع عليها فلا تُفتحُ لأحدٍ بعده إلى قيام الساعة)).

على أن هذا البدعي غلام أحمد القادياني زعم أن معنى ((وخاتم النبيين)) زينة النبيين، وهذا تأويلٌ ركيكٌ مُصادمٌ للحقائق ترده الشريعة ولا تقبله اللغة، والقرآن يتنزه عن ذلك بدليل قوله تعالى: ((إنَّا أنزلناه قرءانًا عربيًا لعلكم تعقلون)) سورة يوسف.

قال ابن منظورٍ في لسان العرب: ((وخَاتِمُ كلِّ شيءٍ وخاتِمَتُه عاقبتُه وآخرُه)). وفي ((تاج العروس)) للزبيدي ما نصه: ((والخَاتَم آخر القوم كالخَاتِم ومنه قوله تعالى: ((وخَاتَم النبيين)) أي آخرهم)).

أضف إلى ذلك أن قول القاديانية هذا معارضٌ للأحاديث الصحيحة المعروفة كحديث البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا نبي بعدي)) وحديث مسلمٍ عن أبي هريرة أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((وخُتم بيَ النبيون)) وغير ذلك من النصوص الصريحة في ذلك والتي تُبيِّن بيانًا شافيًا ختم الرسالة بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولذلك فقد تواتر هذا بين المسلمين وعُلم بينهم بالضرورة بحيث صار يشترك في معرفة ذلك العالم والعامي من المؤمنين، فكيف لهذا البدعي القادياني بعد ذلك أن يأتي بما أتى به غير آبهٍ بما عليه المؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها من الحق؟!!

ومن ضلالات هذا المتنبئ المدعو غلام أحمد أيضًا زعمه أنه أفضل من كل الأنبياء الذين كانوا قبل سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم فهو يقول في كتاب ((الملفوظات الأحمدية)) في الجزء الرابع: ((كان قبل ذلك كل واحدٍ من الأنبياء ظلاً للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في بعض صفاته، والآن أنا ظلٌ له صلى الله عليه وسلم في كل صفاته)) بل إنه يدَّعي تفَوقه حتى على نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم فيقول في خطبته المسماة ((الخطبة الإلهامية)): ((فكذلك طَلعَت روحانية نبينا محمد في الألف الخامس بأجمل صفةٍ أو ما كان ذلك الزمان منتهى ترقِّياتها ثم كمَلت وتجلَّت تلك الروحانية في آخر الألف السادس أعني في هذا الحين)) أي أن تلك الروحانية اكتملت فيه بأبهى الصفات بزعمه لأنه هو من كان مدعيًا للنبوة ذلك الحين.

القاديانية شرذمة قليلة

وقد وصلت الوقاحة بالقاديانية إلى تضليل الأمة الإسلامية جمعاء وتكفيرها بلا استثناء، ففي كتاب ((ءاثنِيةُ صدَاقَت)) يقول ولد غلام أحمد وهو الذي ادعى النبوة أيضًا بعد أبيه: ((إن كل مسلم لم يدخل في بيعة المسيح الموعود (يعني أباه) سمع بإسمه أو لم يسمع كافرٌ وخارجٌ عن دائرة الإسلام)).

ومن مخازيهم قولهم: ((إن الله قد أحل لهم الحج إلى قاديان لكون مكة في يد من يستحلون قتلهم)) كما في كتابهم المسمى ((بركات الخلافة)). وهم يسعون لسلب الفضائل عن الأماكن المقدَّسة عند المؤمنين لإثباتها لبلدة قاديان، بل زعموا في كتابهم المسمى ((تبليغ الرسالة)) أن ذكر قاديان موجودٌ في كلام الله وذلك بزعمهم قوله تعالى:((سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)) سورة الإسراء. فقالوا بأن المسجد الأقصى الذي في القرآن هو الذي بناه غلام أحمد في قاديان.

قلتُ: قولهم هذا معناه أن المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أيامنا هذه لم يفهموا معنى الآية، وظنوا أن المقصود بها النبي محمد عليه الصلاة والسلام بينما المقصود على زعمهم رجلٌ أُسري به إلى قاديان فبنى بها مسجدًا بعد نزول القرآن الكريم بثلاثة عشر قرنًا، فاعجب لهؤلاء الأعاجم الذين يدعون زيادة الفهم بمعاني القرآن على العرب الفُصحاء.

وكيف ساغ لهؤلاء الرعاع أن يعتقدوا تكفيرَ من سواهم وحصرَ الحق في جماعتهم وهم شرذمة قليلة لا يكاد يسمع بخبرهم كثيرٌ من الناس، وقد جاء في الحديث الذي رواه الحاكم وغيره عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يَجْمَعُ الله هذه الأمةَ (أو قال أمتي) على الضلالة أبدًا واتَّبِعوا السوادَ الأعظم)). أي فعليكم بالسواد الأعظم أي معظم الأمة الذين هم على سلوك المنهج المستقيم، فهذا الحديث معيارٌ عظيم لأهل الحق فإنهم هم السواد الأعظم، فإنك لو نظرتَ إلى كل أهل الأهواء بأجمعهم لا يبلغ عددهم عشر مجموع المؤمنين الذين لا يميلون إلى شيء من الأهواء المردية وهذا ظاهرٌ لذي عينين، وقد صرَّح بهذا المعنى السيوطي في ((شرح سنن ابن ماجه)).

وليس علماء الأمة قاصرين عن مقارعة هؤلاء الشُذَّاذ وقد تصدى لهم من أهل العلم من ردَّ عليهم وفنَّد مزاعمهم غير أنه لا يزال بعض الناس في ريبٍ من شأنهم فرجوت اللهَ أن ينفع بهذه العُجالة ليسقط القِناع عن المزيفين المفسدين ويظهر الحق.

والحمد لله أولاً وآخراً.   

   

 

 

الوسوم