بيروت | Clouds 28.7 c

ايران بين فكي العقوبات والعزلة / بقلم محمد خليفة


أم على قلوب أقفالها ..؟!

 

ايران بين فكي العقوبات والعزلة / بقلم محمد خليفة

 

تبدأ الولايات المتحدة الأميركية خلال أيام تطبيق الرزمة الثانية من عقوباتها الاقتصادية على ايران, المخصصة لفرض حصار على صادرات النفط, واجراءات منسقة لشل حركة موانئها وسفنها ومنعها من تصدير السلعة الرئيسية التي توفر لها العملة الاجنبية, وشل قدرتها على استيراد المواد الخام الضرورية لأسواقها الداخلية وصناعاتها العسكرية, وخصوصاً البرنامج النووي والصواريخ الباليستية.

 هدف العقوبات الوصول الى حظر نفطي كامل, وحرمان الخزينة من الأموال لإضعاف القدرة على الانفاق العسكري, وتمويل الجماعات الموالية لها في الدول المجاورة التي تنفذ استراتيجياتها التوسعية وتخلق الفوضى, في منطقة تمتد بين أفغانستان وباكستان والبحر الاحمر وسواحل المتوسط, فضلاً عن سياستها لنشر الارعاب, وابتزاز العالم بواسطة عملياتها في الدول الاوروبية.  

وكانت الرزمة الاولى من العقوبات دخلت حيز التنفيذ في ايلول/ سبتمبر الماضي وشملت حظراً على تبادل الدولار الأميركي مع الحكومة الإيرانية، وحظر التعاملات التجارية في المعادن النفيسة،كالذهب، وفرض عقوبات على المؤسسات والحكومات التي تتعامل بالريال الإيراني أو سندات حكومية إيرانية. وشملت حظراً على توريد أو شراء قائمة من المعادن الاستراتيجية, أبرزها الألومنيوم والحديد والصلب، وشملت قيوداً على صناعة السيارات والسجاد. وعلى استيراد وتصدير التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية، ذات الاستخدام المزدوج.

وكان الرئيس ترامب أعلن في أيار/ مايو الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي, وهدد بالعودة للعمل بنظام ((العقوبات الأشد والاقسى في التاريخ)) لاجبار ايران على إعادة التفاوض على برنامجها النووي وصناعة الصواريخ الباليستية, وتدخلها الارعابي في دول الجوار.كما أوضح وزير الخارجية بومبيو مبررات هذه السياسة وأهدافها, أهمها اقناع العالم بأن ((الاتفاق)) سيىء للعالم وخطر جداً على الأمن العالمي ولا بد من مراجعته, وهو خطاب موجه أساساً للدول الأوروبية التي عارضت الانسحاب, وأيدت استمرار العمل به بدون اميركا, وتحاول التهرب من الالتزام بالعقوبات. وقال بومبيو إن داعمي الاتفاق النووي برروه بأنه سيحقق الاستقرار للشرق الأوسط، ولكن ذلك لم يتحقق، إذ زادت طهران وتائر نشاطاتها الارعابية  بعد الاتفاق، واستغلت ما حصلت عليه من أموال لتأجيج الأوضاع في الشرق الأوسط!

على الصعيد الداخلي، فجّرت العقوبات غضب الشارع , وحركت تظاهرات ضخمة في طهران وقم ومشهد احتجاجاً على الفساد, وانهيار قيمة العملة وارتفاع معدلات البطالة, وإهدار الأموال على أذرع طهران في سورية واليمن ولبنان، إلى حد أن المتظاهرين في قم هتفوا ضد حزب الله اللبناني, والمرشد الأعلى . ورد النظام على الاحتجاجات بالقمع والاعتقال وقتل المتظاهرين , الأمر الذي يعطي صورة واضحة عن عجز النظام على مواجهة الشارع, وتمسكه بخياراته وتحدي العقوبات بمحاولات التهرب منها, أو تحميل تبعاتها للطبقات الفقيرة والمتوسطة. ولذلك فإن القطاعات الاقتصادية والشعبية كافة تحبس أنفاسها مع بدء سريان الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية المشددة وسط تقارير عن تفاقم الازمات الاقتصادية وتذبذب حاد في سوق العملة واجهها النظام بإلقاء المرشد والحرس الثوري المسؤولية عنها لحكومة الرئيس روحاني, وفريقه الاقتصادي, ومطالبته بإيجاد حلول ((اعجازية)) للمشاكل والعقوبات, فقام هذا بإعادة تشكيل فريقه الاقتصادي وضم أربعة وزراء تكنوقراط, وتطهير جهاز الادارة من بعض رموز الفساد, بهدف امتصاص نقمة الشارع, وايهامه بالعمل الجاد في مواجهة استحقاق العقوبات. والعودة لبناء شبكات تهريب الأموال والسلع التي سبق أن شكلتها في فترة العقوبات السابقة ((2012 -  2015)) بينما يؤكد خبراء الاقتصاد في العالم أن العقوبات ستؤدي لتدهور بنيوي هائل في الاقتصاد, وقد تؤدي لانهيار النظام نفسه, في ضوء توقعات بانفجار الشارع مرة اخرى بصورة أقوى.

ايران تواجه الولايات المتحدة, كما تواجه عزلة متزايدة على الصعيد العالمي بسبب سياساتها, وتتركز الانظار الآن على أوروبا لمراقبة مدى التزامها بالعقوبات. وكانت صحيفة ((وول ستريت جورنال)) قالت في تموز/ يوليو الماضي في افتتاحية لها ((على أوروبا الاعتراف بأن الاتفاق النووي الإيراني كان صفقة سيئة ومعيبة، وبدلاً من التمسك به، يجب على أوروبا الانضمام إلى إدارة ترامب في الضغط على إيران للحصول على اتفاق أفضل يقوض فعلاً طموحاتها النووية)) وأشارت  إلى أن ((المشهد في بروكسل لا يبدو مبشراً، حيث تفضل الدول الأوروبية مقاومة الولايات المتحدة، بيد أنها على الأرجح سوف تخفق في ذلك)). ولكن اوروبا أعادت في الاسابيع الاخيرة النظر في علاقاتها مع طهران على خلفية تورطها في الارعاب والاصرار على سياستها التوسعية.

النظام الايراني يراهن أيضاً على كسب الصين والهند وتركيا ولو جزئياً معها أيضاً, فضلاً عن روسيا, وبعض دول شرق آسيا, كما يراهن على قدرته لافشال الحصار والعقوبات اعتماداً على دول وأنظمة موالية له في المنطقة, وخصوصاً العراق, والاعتماد على شبكاته السرية العاملة عبر العالم لصالحها وصالح أذرعها, وخصوصاً حزب الله.  

كما يراهن على احتمالات بعيدة شبه خيالية, كرهانه على خسارة الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية القادمة ليعود الثقل للديموقراطيين في الكونغرس, وهم بالعموم يؤيدون الاتفاق الذي أبرمته ادارتهم السابقة, ويعارضون ادارة ترامب.

كما يراهن على احتمال عزل الرئيس ترامب لأي سبب, وسقوط الادارة وسياستها المعادية لإيران!

ويعتقد خبراء كثيرون في الشؤون الايرانية أن النظام ليس في وارد التراجع عن خياراته الاساسية في الداخل والخارج. ويستعد للمواجهة مع أعدائه, وخصوصاً الولايات المتحدة, واسرائيل, والسعودية. ولا بد أنه يستعد أيضاً لزيادة توترات في المنطقة يبرر بها اجراءاته القمعية والعسكرية ويتخلص من معارضيه , ويتهم الدول المذكورة بالتآمر على ايران لتدميرها وتمزيق وحدتها, وخصوصاً اسرائيل والسعودية, بهدف حشد الشعب حوله!

خيارات ايران خطيرة وربما تكون انتحارية إذا تمكست بطموحاتها الكبيرة, وقد تكلفها الكثير بعد أن توسعت أكثر مما تطيقه امكاناتها, ومما يسمح به العالم. ولكن نظام ايران أثبت في مناسبات عديدة واقعيته ومراوغته, ولذلك علينا توقع أن يأتي وقت قريب ويظهر استعداده للمساومة, بل يبدو أن هذا الخيار اخذ يفرض نفسه في ضوء بعض المبادرات الرامية للتفاهم مع إسرائيل, عبر قنوات عديدة روسية واقليمية, بعيداً عن الاضواء, وبعيداً عن الجعجعة!!  

 

الوسوم